كيف يبني مرسي شرعية النظام ؟ ابراهيم الهضيبي



جوهر الازمة الحالية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية هو عدم امتلاك النظام السياسي لقدر كاف من الشرعية يجعل اللجوء لآلياته بديلا مقبولا من القوي المختلفة سياسيا واجتماعيا , ونقطة الانطلاق لتغيير هذا الوضع هي اتخاذ الاجراءات التي من شانها تعميق الشرعية.

●●●

لا يقتصر سؤال الشرعية علي شخص الرئيس , علي النحو الذي يشغل بال الاطراف المتصارعة حول خياري استكماله مدته الرئاسية و اللجوء للانتخابات المبكرة , فازمة الشرعية القائمة تتصل بالسياسات اكثر من اتصالها بالاشخاص , وتعني بالقرارات و السياسات الصادرة عن مؤسسة الرئاسة اكثر من اعتنائها باسم الشخص الذي يتجه للقصر للعمل كل صباح.

وهذا الغياب للشرعية يتبدي في لجوء السياسيين المتزايد لسبل موازية او مغايرة للسبل الرسمية للتعامل مع القضايا الحالة ' جلسات الحوار الوطني نموذجا ' , وفي اضطرار النقابيين اللجوء للاضراب لفشل مفاوضاتهم مع الدولة غير مرة , وفي عجز القوي السياسية حكومة ومعارضة عن احتواء موجة العنف في بورسعيد او حتي مناقشة اسبابها بجدية , وفي ارتفاع معدل الجريمة و العنف الاجتماعي ' كما في حالات التحرش مثلا ' , وله تبديات اخري.

وهذه الظواهر التي كانت موجودة من قبل اتسع نطاقها مع انهيار الاساس الذي بني عليه نظام مبارك شرعيته وهو خوف المواطنين من بطش الدولة , وهي شرعية يستحيل استعادتها في الامد القريب , لان القوة الباطشة للدولة ثبت عجزها امام ارادة الجماهير , ولان تلك القوة تعرضت لتصدع انتقص منها , ولان ما بقي منها صار يستفز اكثر مما يخيف فينتج عن استعماله ردود افعال مضادة للمراد , ثم ازداد اتساع الظاهرة مع تزايد كفر الناس بالنظام السياسي الذي يتشكل , و الذي فشل فيما يبدو في اكتساب ثقتهم.

والمطلوب بالتالي هو تاسيس شرعية جديدة للنظام السياسي , تقوم لا علي اساس الخوف من البطش , وانما علي اساس العدل و المصداقية , ولان تغيير السياسات لا مجرد غياب الرئيس عن المشهد يبدو الي هذه اللحظة سبيلا انجع في بناء تلك الشرعية , فمن الواجب الانشغال بالتغييرات في السياسات التي قد تكون حلا , مع التسليم بانه ليس ثمة اجراءات من شانها بناء شرعية فورية تختفي بها تلك الظواهر , بيد ان بعض التغييرات في السياسات قد تكون اعمق في التاثير من غيرها.

●●●

وبناء الدولة شرعيتها علي اسس العدالة و المصداقية يستلزم اتخاذ القائمين علي الامر حزمة من الاجراءات التي تعالج اوجه القصور علي هذه الاصعدة , خاصة في مجالات الاقتصاد , و العدالة الاجتماعية , و العدالة الانتقالية , وسيادة القانون العادل.

اما ما يتعلق بالاقتصاد فاول المطلوب الشفافية في بيان حقيقة الموقف الاقتصادي , اذ ليس مقبولا ان يتحدث الرئيس عن ' افلاس ' ما يتحدثون عن اقتراب مصر من الافلاس , ثم يسكت فلا يعرض حقيقة الوضع بينما معدلات التضخم المصحوب بالركود و البطالة ترتفع , و العملة تتراجع , و الاعتماد علي القروض الاجنبية يتزايد , وهذا الكشف عن حقيقة الوضع الاقتصادي ينبغي ان يشفع باعتذار الرئاسة عن عدم تحقيق الوعود التي اطلقها الرئيس في حملته الانتخابية , وبيان الاسباب التي ادت لذلك ' سوء تقدير الموقف , عدم امتلاك المعلومات الكافية , الخ ' .

والاهم ان يصحب ذلك ببرنامج حقيقي للتنمية , ينشغل بما يتجاوز بعدها التجاري , ليجيب من جهة عن اسئلة الانتاج من حيث قاطراته الرئيسية وسبل تمويلها وطبيعة ملكيتها و الاطار الزمني لايجادها , واسئلة التوزيع من حيث عدالته ودوره في محاربة الفقر وتقليل فجوات الدخل في المجتمع , وايجاد التزامات واضحة يمكن حساب المسئولين علي اساسها , وهو ما سيعالج الازمة الاجتماعية بقدر مصداقيته وجدة ما يطرحه , وبقدر اقتناع الناس خاصة الكادحين منهم بانحياز الدولة اليهم في خياراتها وبدائلها.

واما علي الصعيد الانتقالي فان استبدال شرعية العدالة بشرعية البطش يستوجب اتخاذ اجراءات جادة تهدف لمحاسبة نظام مبارك علي جرائمه , وتضمن عدم تكرارها عن طريق كشف الحقيقة المؤدي للاصلاح المؤسسي في اربعة ملفات رئيسية هي الانتهاكات الحقوقية , وافساد الحياة السياسية , و الفساد الاقتصادي واهدار موارد الدولة , و الفشل البيروقراطي , ويكون ذلك من خلال لجنة كشف حساب تعني بالتحقيق في هذه الملفات الاربعة وتحظي بالاستقلال عن السلطة التنفيذية وتتوفر لها الصلاحيات الكافية لتمكينها من الاضطلاع بوظيفتها , وينبغي من اجل ادارة انتقال ناجح التركيز علي الاجراءات التي تستعيد شرعية المؤسستين الامنية و القضائية علي الاسس الجديدة , واتخاذ مواقف اكثر وضوحا واقل ارتباكا من مؤسسة الرئاسة حيال تلك المسالة.

وفيما يتصل بسيادة القانون العادل ينبغي علي مؤسسة الرئاسة تجاوز حساباتها التنظيمية مع الاخوان , و المبادرة باجراء تحقيق واسع مع كل المتورطين في احداث العنف و المحرضين عليه و المتسببين فيه ' في محمد محمود , و الاتحادية , و التحرير ' بمن فيهم القيادات التنظيمية الكبري بالاخوان وبالمعارضة علي حد سواء , وينبغي ان تتسم هذه التحقيقات باكبر قدر من الشفافية و المهنية , بحيث تؤشر بوضوح علي تساوي الجميع امام القانون , وتدل علي ان الرئيس لا ينوي معاقبة الضعيف وترك الشريف , او معاقبة الخصوم وترك الانصار , وبالتوازي مع هذا التحقيق القانوني ينبغي الالتفات للاسباب السياسية و الاجتماعية للعنف بحيث ينصرف الجهد لمعالجتها علي النحو المذكور اعلاه.

وينبغي ان ترتفع الرئاسة كذلك وترفع مؤسسات الدولة معها فوق مستوي الشبهات لتكتسب المشروعية السياسية , وهو ما يستوجب اعلانها بوضوح معايير التعيين و الترقي في جميع الوظائف في مؤسسات الدولة و العزل منها , بحيث تصير محاسبة الرئيس لتلك المعايير ممكنة , وينتهي الكلام عن ' اخونة الدولة ' او يعاقب القائمين علي التعيينات في الدولة ان لم يلتزموا بالمعايير المتفق عليها سلفا.

●●●

اقدام الرئاسة علي مثل هذه الاجراءات ضروري , وكلفته السياسية لا بد من تحملها لان تكلفة عدمها اثقل علي الوطن وعلي الحكام , و التزام الشفافية من شانه احراج الاطراف السياسية التي لا تملك مشروعا سياسيا جادا , ونقل الجدل السياسي الي حيث ينبغي من مناقشة القضايا الاولي بالنظر , ومن ثم الاستعادة وان التدريجية لثقة الجماهير بان النظام السياسي ينشغل بقضاياهم , ويسعي لمعالجة مشكلاتهم , ويطور الآليات اللازمة لذلك , فيكون ثمة ما يدعوهم للتعامل من خلال آلياته , و الايمان بشرعيته.

ليست هناك تعليقات :