اولا الفجوة بين احتكار السلطة واحتقار السلطة : بدا امرا شبه مُسَلّم به ان الاخوان يريدون ' اخونة ' الحكومة كمقدمة ل ' اخونة ' الدولة كخطوة في اتجاه ' اخونة ' المجتمع. ولكن هذه ' الاخونة ' تقتضي ما هو اكثر من مجرد وصول رئيس اخواني الي الرئاسة , ولكن لا بد ان تكون الحكومة كذلك اخوانية , وهو ما يتطلب ان يكون مجلس النواب كذلك اخوانيا او فيه اكثرية خوانية.
المعضلة هنا كيف سيحكم الاخوان حتي لو سيطروا علي كل هذه المؤسسات في ظل النزعة لاحتقار السلطة مع كل زيادة في احتكارها. القانون الذي يصدر بناء علي دعم سياسي من فصائل مختلفة وظهير شعبي قوي سيحمل مقومات نجاحه و القابلية للتطبيق من قانون يصدر ليعبر عن اكثرية او اغلبية تاتي من فصيل واحد ويكون علي بقية الشعب الانصياع مضطرين , وهذا سيكون صعبا للغاية بسبب الفجوة التالية و المترتبة علي الاولي.
ثانيا الفجوة بين الشرعية الثورية و الشرعية الانتخابية : تعالوا نتخيل ان المصريين ينقسمون الي ثلاث فئات : النخبة السياسية , الطبقة المسيسة , الجماهير. اما النخبة السياسية فهي من يمتهنون مهنة السياسة او يخصصون جزءا كبيرا من وقتهم في امور تتعلق بها ويقودون قطاعات من الراي العام او علي الاقل يؤثرون فيهم , وهؤلاء ينقسمون بحكم قرار من الجماهير عبر الانتخابات الي حاكمين ومعارضين. يلي هؤلاء الطبقة السياسية , او المسيسة , اي اولئك الذين ينشغلون بالسياسة دون ان يمتهنوها ويترجمون نشاطهم في العمل علي الارض من اجل تغيير واقعهم , ثم هناك الجماهير التي تستدعي للسياسة في فترات استثنائية مثل الانتخابات و الاستفتاءات او المظاهرات ويمكن لها ان تلبي النداء او ان تتجاهله.
التخلص من النخبة الحاكمة علي عهد مبارك اقتضي تلاحما استثنائيا بين النخبة المعارضة مع قطاعات واسعة من الطبقة السياسية ودعم سياسي من الجماهير. هذه هي اللحظة التي ولدت ما عرف بالشرعية الثورية التي نجحت في ازاحة النخبة السياسية الحاكمة علي عهد مبارك , ولكنها لم تكن جاهزة بنخبة بديلة , ولم تنجح الطبقة السياسية ان تظل علي وحدتها , فتركت اختيار عملية ملء الفراغ للجماهير عبر الانتخابات وهنا افرزت الجماهير نخبة محافظة دينيا , ولكن ظل قطاع من النخبة و الطبقة السياسية تتمني سياسيين مختلفين و/او سياسات مختلفة , ولكن الشرعية الانتخابية اتت بالفصيل الاكثر تنظيما و الاكثر قدرة علي تحويل راسماله الاجتماعي الي راسمال سياسي. ولكن هذه الفجوة ما كانت لتحدث تاثيرها بهذه الحدة لولا الفجوة اللاحقة عليها.
ثالثا الفجوة بين موارد الدولة ومطالب المجتمع : مصر بلد فقير في موارده الطبيعية مقارنة بعدد سكانه الذي يتزايد بمعدل اعلي من قدرة هؤلاء السكان علي توليد دخول تحقق معدلات تنمية اعلي من مواردهم. و الحكومة في حيص بيص لان العجز في موازنة الدولة يتزايد و الخلل في توزيع الدخول هائل , ومن هم في السلطة غير ناجحين في صناعة اجندة وطنية حول الملفات الاقتصادية الخطيرة التي نواجهها. وبدلا من ان يجلس المختلفون سياسيا حول اجندة اقتصادية موحدة للخروج من المازق الاقتصادي , يظل هناك من يسعي لاحتكار السلطة , ويظل هناك من يحتقرها , يتذرع من يحتكر السلطة بالشرعية الانتخابية ويلجا من يحتقر السلطة الي الشرعية الثورية , وتزداد الفجوة بين موارد الدولة ومطالب المجتمع الي ان ينفجر المجتمع ويخرج عن سيطرة الدولة , حينئذ لن تنفع لا شرعية ثورية او شرعية انتخابية ولا احتكار للسلطة ولا احتقار لها.
ادعو الله ان يكون هذا الكلام خطا ويتم تجاهله , او يكون صوابا ويتم الانصات اليه. لكن ان يكون صوابا ويتم تجاهله , فهذه هي الكارثة , ربنا يستر.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق