الثورة مش سبوبة و الجيش مش حزب سياسي وائل قنديل

من اسف ان مصر الآن تعيش علي الكفاف في السياسة و الاعلام , ومن ثم صار بلوغ الحد الادني تفوقا وتقدما بمعايير هذا الزمان -- غير ان اخطر ما في هذه الحالة من ' الشعبطة ' في الخط الفاصل بين السقوط و البقاء عند الحد الادني ان الجيش المصري صار مادة اعلامية تنهمر بغزارة دون ضابط او رابط حتي تكاد اخباره و التعليقات عليها تنافس كما و كيفا ما يكتب عن دوري كرة القدم ومسلسلات رمضان .
بالامس حضرت مؤتمرا للمجلس الاعلي للصحافة لاعلان نتائج تقرير الممارسة الصحفية بعد عامين من الثورة وكان مدهشا ان اصحاب المراكز الاولي في التقرير هم الاقل رداءة وسوءا -- غابت مفردات ' الافضل ' و ' الاحسن ' وحلت مكانها ' الاقل سوءا ' و ' الاصغر انتهاكا ' بحيث صار معيار التفوق ان تكون ' الاعور بين العميان ' وكان بلوغ الحد الادني صار نبوغا وتفردا.
وليس بعيدا عن ذلك ان يطرب بعضنا لتصريحات صادرة عن المؤسسة العسكرية تقول فيها انها لا تريد الانقلاب وانتزاع حكم البلاد بالقوة , ويعتبرون ذلك انحيازا للشرعية وانتصارا لها -- وفي المقابل يبتئس آخرون لان الجيش يرفض الانقلاب , ويعتبرون ذلك خذلانا للمعارضة وانكسارا لها.
و كلا الطرفين , بل الاطراف الثلاثة بالاحري تكرس من حيث لا تدري او تدري دخول الجيش فريقا مستقلا في اللعبة السياسية الدائرة حاليا , دون اعتبار لما استقرت عليه الدساتير لتحديد وضع ودور المؤسسة العسكرية في الدول المحترمة , حيث تبقي الجيوش ذراعا تنفيذية للقرار السياسي للدول وليست واضع السياسات او متخذ القرارات المصيرية فيها.
ان هطول التصريحات الصادرة عن المؤسسة العسكرية بهذه الكثافة هو امر لا نظير له في كل دول العالم , وقد عرفت مصر اوقاتا كان ظهور العسكريين فيها اعلاميا مقصورا علي المناسبات القومية واعياد الانتصارات الكبري , دون الحديث في السياسة -- اما الآن فحدث ولا حرج عن هذه الحالة من النهم الاعلامي التي تجعل العسكريين و المتحدثين باسمهم و المستخدمين له الاكثر حلولا في ' الميديا ' .
وسوف يحسن الجميع صنعا لو تركوا الجيش لما خلق له وتوقفوا عن اقحامه في سفاسف القضايا وكبائر الاشكاليات السياسية القائمة واستدعائه كحكم في هذه اللعبة السخيفة تصارعا علي السلطة , فالجيش ليس حزبا سياسيا ولن يكون , وليس وسيطا تفاوضيا ويجب الا يصبح كذلك.
واذا كان ما سبق تعبيرا عن حالة انبهار بالحد الادني , فان التسريبات الخاصة بافكار تتعلق بمفاوضات مع الرئيس المخلوع للعفو عنه مقابل نصف ثروته وعائلته او 75 بالمائة منها لو صحت تعني تجاوز مرحلة البقاء عند الحد الادني الي السقوط في الحضيض , كونها تنسف الجوهر الاخلاقي لثورة 25 يناير وتحولها من قيمة حضارية وانتصار مجتمعي بامتياز الي ' سبوبة ' سياسية تقوم علي معايير المكسب المادي دون اعتبار لدماء سالت كي تجلب لنا فجرا وتفتتح تاريخا جديدا نظيفا.
ان شعب مصر لم يقم بثورة كي يتلقفها البعض ويحولها الي ورقة في لعبة قمار سياسي لو تمت ستكون عنوانا صارخا لعملية انتحار للقيم و المبادئ , وستجعل من العدالة سلعة في سوبرماركت.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق