الاعلان الحكيم المتأخر من السيسي فهمي هويدي

تاخر عدة اسابيع اعلان وزير الدفاع عن رفضه لتدخل الجيش في التجاذب السياسي الذي يعتمل في مصر , ودعوته اهل السياسة الي التوافق فيما بينهم لحل مشكلاتهم بانفسهم. وهو قرار حكيم توقعناه في حينه , لكن الاعلان مع ذلك يستحق الترحيب عملا بالمثل القائل ' ان تاتي متاخرا خير من الا تاتي ابدا ' . لقد كان واضحا في كلام الفريق عبدالفتاح السيسي انه لم يغمض عينيه عما يحدث في البلد , لكن تركيزه الاساسي منصب علي استعادة عافية الجيش وتجديد شبابه , وقد كان واضحا في قوله ان دعوة الجيش الي الانخراط في السياسة لن تبقي لمصر لا جيشا محترما ولا دولة محترمة.
بعد ان قطع الفريق السيسي الشك باليقين , والقي بالكرة في مرمي السياسيين كما يقال , فانه كان واضحا في دعوة الجميع الي الاحتكام الي قواعد اللعبة الديمقراطية بدلا من المراهنة علي الدعوات الانقلابية. ومن الواضح ان البعض يبدو غير مرحب بتلك الدعوة , آية ذلك ان الصوت المرتفع في الساحة المصرية ظل طول الاشهر الاخيرة يراهن علي دعوة القوات المسلحة الي تسلم السلطة من خلال الانقلاب علي النظام القائم. بالتوازي مع ذلك ظلت المراهنة قائمة علي الشارع وعلي التعبئة التي تقوم بها وسائل الاعلام من خلال الاثارة و التهييج , وما يحدث الآن من محاولات لجمع توقيعات سحب الثقة من الرئيس مرسي بواسطة ما سمي بحركة ' تمرد ' , تعبر حقا عن وجود مزاج لبعض القطاعات الرافضة للرئيس المنتخب , الا انها تعبر ايضا عن خفة وطفولة سياسية , ولم افهم لماذا اخذ الطرف الآخر المسالة علي محمل الجد فشارك في التهريج من خلال تاسيس حركة مضادة باسم ' تجرد ' , وارجو ان تكون تلك نهاية المطاف حتي لا نفاجا بحركة ثالثة رافضة للاثنين يشكلها الفوضويون و البلطجية تحمل اسم ' تشرد ' . ومن الواضح ان بعض وسائل الاعلام تجاوبت مع ' الزفة ' , حتي اصبحت تطالعنا كل يوم بعناوين عريضة تسجل تزايد التوقيعات الرافضة للدكتور مرسي , التي قرانا اخيرا انها تجاوزت المليونين , وان المستهدف جمع 15 مليون توقيع. ولا احد يعرف من الذي يجمع التوقيعات ولا ما اذا كانت حقيقية ام وهمية. الا ان الاهم من ذلك ان المشهد بات يزداد عبثية يوما بعد يوم. اذ بعد نحو عشرة اشهر فقط من انتخاب الرئيس من خلال اجهزة الدولة ومؤسساتها , وجدنا ان جماعة من الناس لم يعجبهم او احبطهم اداءه , فراحوا من جانبهم يجرون انتخابات اخري تعتمد علي توقيع الاستمارات في الشوارع. ولا استبعد ان يحاول دعاة حركة تجرد ان يردوا عليهم بجمع توقيعات اخري مقابلة تؤيد الرئيس مرسي , ثم يعلنون بدورهم انهم حصلوا علي ملايين التوقيعات الاخري. وليس معروفا النتائج و التداعيات التي يمكن ان تترتب علي ذلك , هذا اذا لم يضعنا دعاة حركة ' تشرد ' المفترضة امام نتائج وتوقيعات تطرح علينا خيارا ثالثا واذا لم يحاول انصار حزب ' الكنبة ' تشكيل حركة رابعة باسم ' تردد ' تدعو الي عدم اتخاذ اي قرار في الوقت الراهن واعادة النظر من جديد في الموضوع برمته , وفي هذه الحالة ينبغي الا نستكثر علي بعض السلفيين ان يثبتوا حضورهم في الساحة من خلال تشكيل حركة باسم ' تشهد ' .
لا اعرف كيف ستكون نهاية هذا الهزل , لكنني اعرف انه يمثل هروبا من الكلام الجاد و المسئول , ومحاولة للالتفاف علي قواعد اللعبة الديمقراطية , لاطالة امد التفلت و الفوضي و الحيلولة دون استقرار البلد وبناء مؤسسات النظام الجديد.
المدهش في الامر ان الجميع يدركون ان شعبية الاخوان تراجعت , وانهم لن يحصلوا علي النتائج التي حصدوها من قبل في الانتخابات القادمة. وهو ما يعني ان فرصة المعارضة في الفوز بعدد معتبر من المقاعد تتزايد حينا بعد حين , خصوصا اذا ما نظمت نفسها ونجحت في حشد اصوات مؤيديها وجذب الرافضين لحكم الاخوان.
ازاء ذلك فانني لا افهم سببا يدعو المعارضة للهروب من الانتخابات , ولا استطيع ان اعول كثيرا علي ما يردده البعض نقلا عن بعض المصادر القضائية من ان القضاء سوف يعطل اية انتخابات قادمة وسيسمح بالطعن في كل خطواتها , مراهنا في ذلك علي اسقاط النظام بوسائل اخري. وهي الرسالة التي تحدث بها البعض صراحة واوصلوها الي الدوائر المعنية.
ان الوطنيين المخلصين لهذا البلد ينبغي ان يناوا بانفسهم عن الانخراط في العبث الراهن , الذي يريدها ديمقراطية بغير قواعد. لذلك اتصور ان الحوار الجاد و المسئول في هذه المرحلة هو ذلك الذي يحاول الاجابة علي السؤال التالي : كيف يمكن توفير اقصي درجات النزاهة و الحياد للانتخابات القادمة؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق