‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صحفية مختارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات صحفية مختارة. إظهار كافة الرسائل

الحلول السياسية المطلوبة قبل أن يشمت بنا الأعداء المتربصين حاتم عزام


الحلول السياسية تضمن عدم التفاف آحاد الناس و من له مطلب شعبي موضوعي وان كان مخالفا , مع الثورة المضادة واصحاب المطامع الشخصية من المعارضة. هذة الحلول هي بمثابة المرشحات التي تقصل ما بين المعارضة الوطنية وآحاد الشعب من جهة و بين الطامعين و الطامحين من جهة اخري.


اعتقد انه لا ينبغي ان يترك الرهان لانتصار طرف علي آخر بالضربة الفاضية , فهذا لن يحدث و الخاسر مصر و شعبها و المستفيد اعدائنا بالخارج و الثورة المضادة و المنتفعين بالداخل .

الحل في افق سياسي متمثلا في : حكومة ائتلاف وطني بمشاركة الجميع _ موعد قريب محدد للانتخابات البرلمانية_ موقف موحد من العدالة الناجزة _ التوحد حول التحديات الخارجية , و هذا هو مضمون مبادرة حزب الوسط التي طرحناها الاسبوع الماضي و نسابق الزمن لتحقيق تقدم فيها بالحوار مع جميع الاطراف .

ان اسقاط الرئيس لمعارضين يتبنون ازاحته بعنف النظام القديم سيترك نظاما اكثر تشددا في الانكفاء علي نفسه ممتلكا مبررات لذلك التشدد بعد محاولات الانقلاب عليه بالعنف . اما اسقاط النظام القديم و المعارضة للرئيس المنتخب فسيقودنا لحرب اهلية او سيعود النظام البائد من جديد للحكم في انتكاسة للثورة . هذة ليست مساواة بين طرفين , فموقفنا من دعم الشرعية و الارادة الحرة التي تمثلت في نتائج انتخابات رئاسية واضح لا لبس فيه , لكنها محاولة لرسم سيناريوهات للمشكلة و الحلول و تحكيم العقل , ففي الحالتين سنكون امام مشهد لا يخدم مصر ووحدة الصف و التنمية و نجاح الثورة و الحريات و مصالح المواطن البسيط.

ادعو الله يوم الجمعة ان يتحرك العقلاء في كل الاطراف لافق سياسي كالذي ذكرت. اللهم احفظ مصر و شعبها و ثورتها و لا تشمت بنا اعدائنا المتربصين

اللهم احفظ مصر و شعبها

وائل قنديل يكتب : الجوكر فى ثورة البوكر


عندما كتبت مقالا يوم 13 نوفمبر الماضي تحت عنوان ' الفلول في حزب الدستور ' لم اكن ارجم بالغيب او اقذف حجرا علي شجرة مثمرة , او اصفي حسابات مع حزب غادرته بارادتي واختياري واحتفظ باحترامي لكثير من اعضائه المحترمين.

ان في فمي ماء , وليس كل ما يعرف يقال , غير انني لست في حل الآن من القول اني كتبت ما كتبت بناء علي استغاثة من قيادات بالحزب زارتني في مكتبي مشحونة بهلع حقيقي علي الحزب الذي تاسس لاحتضان جماهير ثورة يناير ويريد له البعض ان يتحول الي حضانة لفلول الحزب الوطني ودولة مبارك.

وبعد ان كتبت نالني كثير من رذاذ البذاءة وسخائم الاساءة , كان اقلها اني اشوه الحزب وادعي عليه كذبا.

وها هي الايام تثبت ان ما كشفته مبكرا كان الحقيقة ولا شيء سواها , ويدهشك ان ما كان يتم انكاره وتكذيبه قبل شهور صار يعلن علي الملا الآن وبكل فخر , في هذا التسابق المحموم من شخصيات ارتبطت بثورة يناير علي تدليل الفلول واسترضائهم , وتطور الامر من الاحتواء و الاستيعاب الي الاحتضان و العناق -- وكما قلت في مقال الامس ان السائد حاليا هو الالحاح علي شطب كلمة ' الفلول ' من معجم الثورة , او اختلاق تعريف جديد فاسد لها.

واذا كان من حق اي احد ان يعتنق ما يشاء من افكار ويتبني ويحتضن ما يريد من مشاريع سياسية , فالمعيار ذاته من حق آخرين ان يظلوا متمسكين بجوهر ثورة يناير و البنية الاخلاقية و الاجتماعية و الثقافية لها , و الجميع يعرفون ان ثورة يناير كانت ضد مبارك , نظاما وحزبا ومشروعا مجسدا للقبح و الانهيار القيمي --

ويدرك الكل ايضا ان هذه الثورة كانت المتمم لفورات غضب واحتجاج شارك فيها كل الوان الطيف السياسي كان يجمعهم عنصر واحد هو الاصرار علي التخلص من نظام مبارك , ولذلك تاسست كيمياء الثورة علي عناصر من اليساري و اليميني و الليبرالي و الاسلامي , توحدوا ضد ' المباركية ' .

و يذكر التاريخ ان المليون مواطن الاول الذي اصاب دولة مبارك بالتصدع كان قادما من حملة المليون توقيع علي مطالب التغيير التي لا يستطيع احد انكار ان نحو ثلثي هذا الرقم جاء من حشد جماعة الاخوان المسلمين للتوقيع عليه .

و لذلك عندما ياتي احد ليقصي الاسلاميين خارج المشهد , ويحولهم الي اعداء الداء بعد ان كانوا شركاء حميمين , ثم يقول انه يكمل الثورة الام فانه هنا يكون في خصومة مع ابسط قواعد المنطق السياسي السليم .

و اذا ذهب الي ما هو ابعد ووضع بقايا دولة مبارك واتباعه مكان شركاء الثورة الاصلية , فانه هنا من حيث انتوي او لم ينتو يكون في حضن ثورة عكسية سالبة بصريح القول ' مضادة ' .

ان الثورة ليست لعبة بوكر , كما انها لا تعرف لغة المحترفين وادواتهم , ولا تحتمل ان يتصور احد انه وحده الثابت ' الجوكر ' ومن حقه ان يغير ويبدل ويبعثر في اوراق اللعبة كيف يشاء , فيستبعد هذا ويضم او يحتضن ذاك في الوقت الذي يريد .

الثورة للمصريين الذين آمنوا بها مثل النيل بالنسبة لشعوب و الدول الشريكة في مياهه , واذا كنا نستهجن اقدام دولة علي اتخاذ اجراءات انفرادية تحول مجري النهر وتبيع مياهه العذبة لمن يكرهونه ويكرهوننا , فان العبث بمجري ثورة يناير و اللعب بها من المنبع للمصب مستهجن بالقدر ذاته .

و مرة اخري من حق اي احد ان يجري ما يشاء من تعديلات تكتيكية في تحالفاته , ويمد ما يحلو له من خيوط وجسور , ويطمع او يطمح فيما يعن له , لكن ليس من حق بعضهم ان يمنح نفسه حقا حصريا في التحكم في مياه نهر الثورة ويوزع الحصص علي هواه .

عتاب من مواطن اثيوبي الى مصر عماد الدين حسين


ليس من راي كمن سمع -- هكذا قابلت مواطنا اثيوبيا في احد فنادق العاصمة اديس ابابا , وبعد ان تعارفنا وعرف انني صحفي مصري قال لي : ساقول لك ما يفكر فيه غالبية الاثيوبيين : الرجاء توقفوا في مصر عن التعامل معنا باستعلاء وعنصرية.

ثم اخذ يسترسل ويشرح ويفيض -- قال الرجل انه من المحبين لمصر وزارها كثيرا ومعجب بروح شعبها وحبه للنكتة و الفكاهة وتفوقه الكروي , لكن هذا الشعب ينظر كثيرا للافارقة باعتبارهم عبيدا او في احسن الاحوال خدما.

ومثال ذلك كما يقول الصورة النمطية للافريقي او حتي النوبي بل وحتي السوداني الذي هو عربي ومسلم مثلكم تعاملونهم بصورة مهينة. يسال الرجل مستنكرا : انظر لصورة البواب في الافلام المصرية منذ عشرات السنين وحتي الآن ستجد نفس الصورة المنمطة لكل السود.

يضيف المواطن الاثيوبي : لن ادخل في جدال سياسي بشان سد النهضة واتفاقيات دول حوض النيل , فهذا شان الحكومات , لكن هل سالتم انفسكم في مصر : ماذا تعرفون عنا هنا في اثيوبيا او افريقيا؟

يجيب الرجل غير منتظر اجابتي : انتم لا تعرفون عنا شيئا , في حين نعرف نحن عنكم الكثير من اول لاعبي الكرة وكبار الممثلين وصولا الي السياسيين , ونتابع تطورات بلادكم اولا باول.

قلت له بعضنا يعرف عنكم الكثير , فرد بان هؤلاء قلة تثبت القاعدة. قلت له ان كثيرا من المستثمرين المصريين قد بداوا التدفق علي اثيوبيا وافريقيا , فقال هذا شيء حس , لكنه كان بدافع المصلحة وبعد ان اقتنعتم انكم بصدد خسارة القارة باكملها.

قلت له بغض النظر عن السبب , فقد بدانا الطريق الصحيح , قال الرجل كنا ننتظر منكم ان تكونوا حتي مثل الصينيين , ياتون الينا يريدون المواد الخام لتشغيل مصانعهم , ويقيمون لنا الطرق و الكباري و المشروعات , علي الاقل هم لا يخدعوننا , المسالة مصالح مشتركة وانتم كمصريين فشلتم ان تكونوا حتي مثل الصينيين.

قلت له نحن لا نملك الاموال مثل الصين , قال صحيح ونحن لا نطلب منكم المال , بل نريد منكم ان تتذكروا كيف كانت مصر تتعامل معنا من عام 1952 حتي عام 1977؟ كانت ترسل لنا الفنيين خصوصا مهندسي وخبراء الري , وترسل المدرسين وائمة المساجد , وخبراء في مجالات كثيرة.

ونحن حفظنا الجميل لمصر ولجمال عبدالناصر , ولم يكن الموضوع مجرد مساعدات مالية بل رسالة واحساس بانكم افارقة مثلنا , همومكم هي همومنا.

يضيف هذا الاثيوبي قائلا : وحتي اذا لم تريدوا ان تكونوا افارقة , فعليكم احترامنا , واذا فشلتم في ذلك فعلي الاقل مثلوا علينا انكم تحترموننا , ولا تلجاون الي اهانتنا بصورة فجة كما يفعل سياسيوكم واعلامكم في الفترة الاخيرة.

انتهي كلام هذا المواطن , و النتيجة التي خرجت بها اننا تقريبا اهدرنا في لحظات ما بنيناه في سنوات وللامانة و الموضوعية فاهمال افريقيا ليس جريمة الحكومات الآن فقط , بل هو تراث بدا مع السادات وعمقه مبارك وندفع ثمنه الآن.

لكن هل معني ذلك ان نياس؟! المؤكد لا -- الطريق صعب ووعر لكنه ليس مستحيلا.
مقالات اخري للكاتب

سيناريو 30 يونيو الأسود أحمد منصور


بدات معالم السيناريو الاسود الذي تعده بعض القوي لتظاهرات 30 يونيو القادم في مصر تظهر وتتضح , فالشباب المخلصون الذين دعوا لهذه التظاهرات لا يعلمون ان القوي التي اختطفت مصر طوال الستين عاما الماضية وجدتها فرصة للتخريب و اعادة اختطاف مصر من جديد او علي الاقل عدم وصولها الي اي مرحلة من مراحل الاستقرار او الخروج من عنق الزجاجة بعد الثورة , لاسيما في ظل الاحكام القضائية المبشرة لهم فيما يتعلق بمبارك و ابنائه و رجاله الذين اصبح معظمهم احرارا بما نهبوه من خيرات الوطن و اموال الشعب , و لا اعتقد ان هؤلاء بعيدون علي الاطلاق مما يحدث بل ان كثيرا من الفلول لديهم الامل في العودة مرة اخري لحكم مصر , في ظل حلفائهم القدامي من الاحزاب و الديناصورات السياسية الفاسدة التي استطاعت ان تمتطي حصان الثورة و ان تلعب في المشهد و ان تعبث بمقدارت البلاد , السيناريو الاسود بدات معالمه تتضح من خلال الاحداث التي وقعت خلال الاسبوع الماضي في عدة اماكن التي كان ابرزها مدينة طنطا حيث صال البلطجية و جالوا و سيطروا علي شوارع المدينة , فيما تم حرق سيارة محافظ كفرالشيخ سعد الحسيني مع ضبط سيارات محملة بالسلاح خلال انتقالها بين عدة محافظات منها الدقهلية , و ما يتم ضبطه في الكمائن لا يتجاوز عشرة في المائة مما لا يتم ضبطه , حيث تجري الآن عملية نقل اسلحة و ذخائر واسعة بين المحافظات استعدادا للسيناريو الاسود الذي اجمع كثير من المراقبين انه لم يمر دون مصادمات و دماء , و مما يتم تداوله هو ان فلول النظام السابق سوف يستخدمون نفس الوسائل و الاساليب التي استخدمها الشعب حينما قام بالثورة حيث من المقرر ان يقوموا بمحاصرة كل مؤسسات الدولة و مجلس الوزراء و مجلسي الشعب و الشوري و الوزارات المختلفة , و المحاكم و سوف يقومون باغلاق الطرق السريعة عبر استئجار مئات الشاحنات و ملئها بالرمال و الحجارة و القائها عشوائيا في الطرق السريعة و بكميات كبيرة بحيث يتم اعاقة حركة السيارات , و سوف يشعلون عددا كبيرا من الحرائق سوف تطال الممتلكات الخاصة و العامة و محطات الوقود بحيث يشتتون جهود الدفاع المدني و المطافئ , و قد قاموا باستنفار جميع البلطجية و المسجلين خطر و الهاربين من الاحكام في جميع انحاء البلاد و اغدقوا عليهم الاموال و وعدوهم بالمزيد حال نجاح المخطط , و يؤمل هؤلاء تفشي الفوضي من خلال حالة الاحتقان التي تسيطر علي قطاعات كبيرة من الشعب من جراء الشحن الاعلامي و السياسي خلال الفترة الماضية , و ان تستمر حالة الفوضي لما بعد 30 يونيو بحيت يتمكن هؤلاء من احداث حالة شلل في الدولة تستدعي قيام القوات المسلحة بتمرد علي النظام , هذه معالم السيناريو الاسود الذي اعده فلول النظام السابق بالاشتراك مع القوي الخارجية و فلول الدولة العميقة في الداخل , و رغم ان الاجهزة الامنية المصرية لديها كثير من تفاصيل هذا المخطط و تستطيع اجهاضه الا اننا نشعر ان جميع مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة الرئاسة تستطلع المشهد ببرود شديد و كانه لا يعنيها و تكتفي بالاعلان عن خطط تامين و حماية دون التطرق لاية محاولات لاجهاض المخطط او عزل القائمين عليه او جمع البلطجية و المسجلين خطر الذين سبق ان كانوا في السجون و اصدر الرئيس مرسي قرارا بالافراج عنهم في لحظة من لحظات التجلي الثوري , ان مصر اهم من الجميع و يجب الحفاظ عليها و علي امنها بعيدا عن المهاترات و السجالات و الا فان نيران السيناريو الاسود لن تبقي و لن تذر .

هل تموت ثورة يناير يوم 30 يونيو ؟ وائل قنديل


بمنتهي الوضوح و الاعتزاز يقول الداعون الي حفل الجحيم في 30 يونيو انهم قرروا ان يحذفوا كلمة ' الفلول ' من معجم الثورة المصرية , وبلا مواربة يفتخرون بان ايديهم في ايدي الفلول من اجل اسقاط محمد مرسي وتطهير مصر من الاخوان و التيارات الاسلامية -- بل ان منهم من يقطع شوطا ابعد من ذلك ليشتق تعريفا مبتكرا لكلمة ' الفلول ' بانهم كل من لا يرضي بالتغيير عبر وسائل سياسية متحضرة , وكل من يري عكس ما يرون من ان محمد مرسي جاء بانتخابات تفوق فيها علي منافسيه لكي يحكم اربع سنوات.

و ' الفل ' في نظر ثوار هذا الزمان الكئيب هو كل من لا يصفق لاحراق دواوين المحافظات واغلاقها بالجنازير , ومطاردة الملتحين و المنتقبات في الشوارع , وكل من يرفض التمايل علي انغام ' راقصة الثورة ' التي تنتشر اناشيدها الوطنية العظيمة علي مواقع التواصل الاجتماعي , وتردد من خلالها كلمات شديدة الرقي عن ' الرئيس الخروف الاستبن '

ان كل السيناريوهات المتوقعة لليوم الاخير من هذا الشهر تقول ان الجميع ضربوا موعدا للالتقاء في الجحيم , وانهم اختاروا وهم بكامل وعيهم وارادتهم احراق جثة ثورة يناير والقائها في الطريق العام ليركلها كل عابر بقدميه.

وماداموا قد قرروا المضي علي طريق المحرقة فاننا امام احتمالين لا ثالث لهما : اما تنكسر هذه الموجة العاتية التي تحمل فوقها كل جحافل الثورة المضادة -- او يحدث العكس ويندلع الحريق الكبير الذي ياتي علي اخضر مصر ويابسها , دون تمييز بين مؤيد ومعارض.

في حالة الاحتمال الاول سنكون قد صنعنا بايدينا ديكتاتورية لن يلومها احد ان قررت ان تحكم البلاد بالحديد و النار مدفوعة باسباب تتعلق باقامة سدود تحول دون استمرار طوفان الفوضي و العبث -- وفي ذلك قتل لواحدة من القيم الكبري التي نشدها المصريون حين قاموا بثورة يناير وهي الديمقراطية.

وفي حالة الاحتمال الثاني تكون مصر قد افتتحت رسميا مرحلة الحرب الاهلية , جامعة بين سعير النموذج اللبناني وجنون النموذج الجزائري , وهنا مقتل ما تبقي من قيم يناير المتمثلة في العيش و الكرامة.

لقد قلت قبيل جحيم اصغر من ذلك تداعت اليه كل الاطراف قبيل 25 يناير 2013 انه ' لا احد يصادر حق احد في ازاحة نظام سياسي , وطرح نفسه بديلا له , غير ان ذلك ينبغي ان يبقي محكوما بقواعد اللعبة السياسية وقوانينها المعتبرة , و التي هي كما عرفها العالم تجري نزالاتها ومبارياتها عبر الانتخابات , وبعيدا عن النزوع الي اراقة الدماء واشعال الحرائق.

وهنا يبرز دور النخب السياسية وواجبها في تحويل مجري الغضب الي مسارات تؤدي الي الحفاظ علي الحياة , ولا تقود الي القبور و الخرائب , و المعني بالنخب هنا معسكر الاغلبية وفريق المعارضة معا , لان احدا لا ينبغي ان يدعي الآن ان الشارع هو الذي يقود وهو الذي يحدد المسارات '

واكرر انها لحظة المسئولية عن اخماد الشرر الذي يتجمع الآن , ويوشك باندلاع حريق , ان اطلت السنته ليس بمقدور احد ان يطفئه قبل سنوات من النزيف , و التجارب من حولنا فيها المثل و العبرة '

اللهم فاشهد.

فهمي هويدي يفضح أسباب و أبعاد مهزلة البراءة للجميع و علاقتها بأحلام مبارك


بالامس صدر قرار باخلاء سبيل مبارك بعد تبرئته من تهمة الكسب غير المشروع . و كان قد صدر لصالحه حكم مماثل في وقت سابق بعد تبرئته من تهمة قتل المتظاهرين . و قبل ايام قليلة تمت تبرئة احد الضباط المتهمين بقتل المواطن سيد بلال بالاسكندرية , و تم ذلك بعد تبرئة واخلاء سبيل الضباط المتهمين باعدام وثائق جهاز امن الدولة , وعلي راسهم رئيس الجهاز ومساعد الوزير الاسبق. كما صدر قرار باخلاء سبيل الاخوين علاء وجمال مبارك في قضية اعادة محاكمة الاب ومعاونيه , وتواصل اخلاء سبيل وزراء مبارك واحدا بعد الآخر بعد تبرئتهم. ومن هؤلاء من عاد الي بيته بعد تبييض صفحته , ومنهم من ينتظر. وازاء تواتر الاحكام المماثلة فبوسعنا ان نقول ان فكرة مهرجان ' البراءة للجميع ' لم تعد مزحة , وانما صارت تشخيصا صحيحا يصف موقف القضاء من راس النظام السابق واعوانه وفلوله.

ادري ان القضايا بحد ذاتها مهزلة اقرب الي الفضيحة , لانه لا يخطر علي بال احد ان يستبد نظام بحكم الشعب طوال ثلاثين عاما , معتمدا علي التزوير و التدليس و القهر و الاذلال , ويستغل هو واعوانه ثروة البلد ويدمرون مؤسساتها وقدراتها الاقتصادية و السياسية , ثم يحاسبون بعد ذلك علي تهم تافهة , تشكل نقطة في بحر الجرائم التي ارتكبوها بحق المجتمع طوال سنوات حكمهم. هذه نقطة لا يستطيع المرء ان يتجاهلها حتي لا يوجه كل اللوم الي القضاة الذين احيلت اليهم القضايا بعدما طمست ادلتها.

ادري ايضا ان المشكلة سياسية وليست قانونية , بمعني ان السياسيين لم يمتلكوا شجاعة محاسبة راس النظام السابق واعوانه بما يستحقون علي جرائمهم الحقيقية بحق البلد , فاحالوا الامر الي القضاء العادي لكي يحاسبهم بقوانينهم في حين ان وضعهم الخاص كان يستلزم تقديمهم الي محاكم خاصة.

ورغم ان الامر اوكل الي القضاء الذي حمل بما لا ينبغي له ان يتحمله , الا انه لا يزال بوسعه ان يضع حدا لعملية اخلاء سبيل الاشخاص الذين يشكل خروجهم في الوقت الراهن خطرا علي الامن العام في البلد. وذلك راي المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس محكمة استئناف القاهرة الذي يستند فيه علي التعديل الذي ادخل في عهد مبارك علي المادة 134 من قانون الاجراءات الجنائية , ونص علي حق القاضي في ان يصدر امرا بحبس المتهم احتياطيا في عدة حالات منها ' توقي الاخلال الجسيم بالامن و النظام العام الذي قد يترتب علي جسامة الجريمة ' . وهو يري ان اخلاء سبيل الرئيس الساق واطلاق سراحه من الامور التي تنطبق عليها تلك الفقرة , لان من شان اطلاق سراحه الاخلال الجسيم بالامن و النظام العام.

ما يثير الانتباه ليس فقط اتجاه القضاء الي تبرئة انصار النظام السابق ورجاله , حتي الذين اتهموا منهم بالتعذيب وقتل المتظاهرين. ولكن اطلاق هؤلاء الرموز تزامن مع الظهور الواضح و المتدرج لرجال النظام السابق في المجال العام. اذ ليس سرا ان رجال اعلام مبارك لهم حضورهم المشهود في القنوات و الصحف الخاصة , وقد تحولوا جميعا الي مناضلين غيورين علي الثورة , حتي صاروا يشاركون بصفة يومية في رفع لواء المعارضة وتعبئة الجماهير ضد النظام القائم. وهؤلاء الاعلاميون لا يكتفون بما يقدمونه وانما يعمدون الي استضافة اقرانهم من رجال النظام السابق واعوانه كمتحدثين في البرامج التليفزيونية او ككتاب ومعلقين. ومنهم من نظم مهرجانا قبل ايام للحديث عن مستقبل مصر , تم فيه حشد عناصر المعارضة , وذلك في اطار التسخين و التعيئة قبل حلول 30 يناير.

قبل ايام ظهر واحد من رجال مبارك والقي علي الملا محاضرة عن العدالة الانتقالية , و في الوقت نفسه استدعي احد اعلاميي داخلية مبارك الفريق احمد شفيق الذي قدم لنا من ابوظبي مداخلة ادلي فيا بدلوه في الاحداث الجارية . و باذني سمعت صاحبنا يقول بكل جراة انسوا حكاية الفلول و اركان النظام السابق , لان مصر الآن بحاجة لان تحشد كل القوي لتاكيد التمرد و اسقاط حكم الرئيس مرسي . و قد جاء كلامه دعوة صريحة لاحتواء الفلول و رجال مبارك و ضمهم الي صفوف الثائرين المتمردين .

ما نشهده الآن يعيد الي الاذهان شبح الكابوس الذي ظننا اننا تخلصنا منه الي الابد , و يطرح احتمال ارجاع عجلة التاريخ الي الوراء , الامر الذي بات ينعش آمال الذين يطرحون انفسهم بحسبانهم ابناء مبارك في ان المستحيل بات ممكنا , و ان الظروف باتت مواتية للاقتراب من ذلك الممكن خطوة خطوة . انني لا اسمي ذلك مؤامرة , و لكنه تدبير خبيث يستثمر العراك الراهن بين عناصر الجماعة الوطنية , لكي يوجه الضربة القاضية الي الجميع .

أحمد منصور : المسؤول الحقيقي عن صناعة الفوضى في 30 يونيو


لا استطيع الادعاء ان كل دعاة الخروج للاحتجاج علي الرئيس المصري محمد مرسي وسياساته في 30 يونيو القادم في مصر هم من دعاة الفوضي او المتآمرين علي مصر , بل هناك دائما اناس مخلصون دافعهم هو الوطنية و حب مصر و الرغبة في خروجها مما هي فيه لكن اصحاب الدعوات النبيلة عادة ما يختفي وراءهم اصحاب النوايا السيئة و دعاة التخريب و الفوضي و هؤلاء يستخدمون كل دعوي نبيلة للاختفاء وراءها من اجل تحقيق اهدافهم الدنيئة , و المخاوف هي من هؤلاء الذين يمهد لهم جيش جرار من الاعلاميين الذين يظهرون بلا خجل علي شاشات الفضائيات و كانهم حماة الثورة بعدما ظلوا يدافعون عن نظام مبارك الي آخر يوم ثم ركبوا موجة الثورة و اصبح الشعب المسكين يقول فلان قال و فلانة قالت متناسين ان فلان و فلانة هؤلاء هم ارباب مبارك و ابناؤه و ان ولاءهم هو لمن يدفع لهم و ليس لمصر و شعبها و ابنائها البسطاء كما يحاول هؤلاء ان يظهروا , و من الطبيعي ان ياتي هؤلاء في برامجهم بابواق اليسار و الناصرية و العلمانية ممن يسمون خبراء او محللين ليعزفوا معهم و يكملوا جوقة الاثارة و التحريض ضد مرسي رغم ان مرسي له اخطاؤه التي لا يمكن ان ينكرها احد , و من خلف هؤلاء يقف الداعمون بالاموال الباهظة التي ياتي بعضها من دول خارجية تكره مصر , و بعضها من فلول النظام السابق و لوبي الربا و الفساد الذين امتلات جيوبهم من المال الحرام و مال الشعب المنهوب طوال العقود الماضية , يساند هؤلاء فلول الدولة العميقة و التنظيم السري الطليعي الذي يحكم مصر منذ ما يزيد علي اربعين عاما مع جيش جرار من البلطجية و اطفال الشوارع يزيدون عن مليون شخص يتقاضون رواتب يومية و لعل ما حدث يوم الجمعة الماضية امام فندق سميراميس يعتبر بروفة و تدريبا مستمرا من هؤلاء لضرب الموسم السياحي لمصر و لا نستطيع ان نفصل ما حدث طوال الشهور الماضية , و مسلسل حمادة المسحول و غيره عن الترتيبات التي تجري الآن من اجل تخريب مصر و ليس من اجل الاعتراض علي رئيس لم يكمل عاما في مدته الرئاسية وسط ارث من الفساد لا حدود له , اما الاغلبية المدفوعة بالدس الاعلامي و التحريض فانها لا تدري عن الاهداف الحقيقية لهذه المنظومة التي تريد في النهاية ان تدخل مصر في مرحلة من الفوضي العميقة لتقضي علي حاضرها و مستقبلها , و كما ان امريكا و اسرائيل و حلفائهما غير راضين اطلاقا عن الثورة المصرية او ان يكون الاخوان المسلمون في سدة الحكم , فانهم يستخدمون كل قوتهم و خداعهم و رجالهم و خدمهم الذين زرعوهم في المنطقة طوال العقود الماضية من اجل زعزعة امن مصر و استقرارها , هل سال احد منا نفسه ما هو الشهر الذي بقيت فيه مصر دون مظاهرات او احتجاجات منذ ان تولي الرئيس مرسي السلطة , و هل يمكن لاي دولة في العالم مهما بلغت قدراتها و قوتها الاقتصادية ان يحدث بها تنمية او استقرار في ظل مظاهرات و احتجاجات لا تنقطع ليس لها هدف الا الفوضى ؟ , ان الرئيس مرسي يتحمل قسطا كبيرا من المسئولية عما حدث و ذلك من خلال سياساته الخاطئة التي اخرج فيها البلطجية من السجون من البداية ثم تهاون مع الذين اعتدوا علي قصر الاتحادية , لكن مصر اهم من مرسي و يجب ان نعرف من يقف وراء الفوضي و صناعتها في مصر .

فهمي هويدي : عندما يدين القاضي المصري نفسه و ينحاز للمسيحية على حساب الاسلام


ما هي الرسالة التي يتلقاها المجتمع في مصر حين يجد ان شخصا ادين بازدراء الدين المسيحي فحكم عليه بالحبس مدة 11 سنة كما حكم بحبس ابنه 8 سنوات , وحين ادينت مدرسة بازدراء الدين الاسلامي فان القاضي حكم بتغريمها مبلغ عشرة آلاف جنيه؟

ما تمنيت ان اجري هذه المقابلة , وما تمنيت ان يتراشق المتعصبون المسلمون و الاقباط ويتبادلوا التجريح و الاتهامات , علما بان سب معتقدات اصحاب الديانات الاخري منهي عنه بنص القرآن , علي الاقل كي لا يسبوا الله ' عَدْوا بغير علم ' , كما تقول الآية 108 من سورة الانعام. ثم ان تبادل السباب و الازدراء بين المتدينين يعد اهانة لنا جميعا وتعبيرا عن تردي اوضاعنا وتهتك وشائجنا , لاننا قبل سنوات كنا قد قطعنا شوطا في الحوار الاسلامي المسيحي دفاعا عن العيش المشترك و السلم الاهلي , واذا بنا الآن ننتكس ونتراجع الي الوراء بعدما صرنا متمنين وقف السباب وفض الاشتباك بين المسلمين و الاقباط.

ادري ان الموضوع دقيق وحساس , وان النفوس معباة بدرجات متفاوتة من العتاب و الغضب. وافهم ان التعصب و المرارات تتوزع علي الجانبين , لكني احمل الاغلبية بالمسئولية الاكبر عن ازالة المخاوف واشاعة الطمانينة وارساء قواعد السلم و التعايش المنشودين. ولا استطيع ان اتجاهل ان وباء الاستقطاب الذي تفشي في مصر اصاب علاقات المسلمين بالاقباط , وان صوت المتطرفين علا بقدر تراجع دوائر العقلاء و المعتدلين. كما لا انكر ان ثمة اطرافا تسعي جاهدة لتعميق الحساسيات و المرارات الطائفية واذكاء اسباب الخلاف بكل السبل. ولا اخفي انني ترددت في اثارة الموضوع و المقارنة بين العقوبتين السالفتين ليس فقط استهجانا وشعورا بالقرف من فكرة تحول ازدراء الاديان الي ظاهرة في الساحة المصرية , ولكن ايضا تحسبا لاحتمالات التاويل واساءة الظن في اجواء الحساسيات الراهنة. لكني راهنت علي ان احدا لا يستطيع ان يزايد عليَّ في الموضوع , متصورا ان موقفي من العلاقة مع الاقباط محسوم ومعلن منذ اكثر من ربع قرن , حين صدر لي كتاب ' مواطنون لا ذميون ' في سنة 1985. وهو ما احسبه رصيدا يقطع الطريق علي اي تفكير في استقبال ما اكتبه باعتباره تحيزا ودفاعا عن الازدراء بالديانة المسيحية الذي صدر عن صاحبنا احمد عبدالله ' ابواسلام ' الذي صدر الحكم بحبسه.

ولكي اكون اكثر وضوحا اسجل انني لم آخذ الرجل يوما ما علي محمل الجد , وانما اعتبرته احد غلاة المتدينين المسطحين الذين كرسوا جهودهم لمخاصمة الاقباط و الدفاع عن النقاب , وخاض معركته الاولي باصدار مجلة محدودة التوزيع باسم كنيستي المصرية , ولاجل معركته الثانية فانه انشا قناة تليفزيونية خاصة بالمنتقبات. ولدي علامات استفهام كثيرة حول الجهة التي تمول المشروعين.

الخلاصة انه ليس اي دفاع عن فكر الرجل وما صدر عنه من قول او فعل بحق الاقباط , لكنني ادافع عن مظلوميته. وازعم ان الحكم بحبسه مدة 11 سنة وحبس ابنه ثماني سنوات يعبر عن غلو وشطط من جانب القاضي تفوح منه رائحة تفتقد الي البراءة اكرر ان صاحبنا تجنَّي واخطا وما كان له ان يسيء الي الاقباط او كتابهم المقدس لكن الجزاء لا يتناسب البتة مع الفعل الذي صدر عنه. صحيح ان تقدير الحكم متروك للقاضي , لكنه ليس مطلق اليد في ذلك. وهذا التحفظ معمول به في احكام القضاء الاداري التي كثيرا ما انتقدت المبالغة في عنصر التقدير من جانب بعض القضاة , ودابت علي نقد الاحكام التي يثبت فيها ان القاضي جنح الي الشطط , حين انزل عقوبة بحق اناس لا تتناسب مع ما صدر عنهم من فعل , او اتسمت احكامهم بالغلو و الجسامة اذا ما قورنت بالسوابق و الافعال المماثلة.

لا اجادل في محاسبة ابواسلام ومعاقبته , وهناك اكثر من صيغة للعقاب , وغرامة العشرة آلاف جنيه التي عوقبت بها المدرسة التي ادينت في تهمة الازدراء بالدين الاسلامي نموذج لذلك. وستظل المقارنة بين العقوبتين دليلا علي الغلو و الشطط الذي وقع فيه قاضي محكمة مدينة نصر حين قرر حبس ابواسلام 11 عاما في الحكم الذي اصدره في 15/6 الحالي.

ولان البون شاسع و المقارنة فادحة وفاضحة بين حكمي الغرامة و الحبس , فانه يخطر لي ان حكم الحبس الجائر بحق الرجل وابنه فيه من السياسة اكثر مما فيه من الانصاف , وهو خاطر لا ياتي من فراغ , لكنه يجد قرينة له في التحولات السلبية التي نشهدها في ساحة القضاء , و التي حولت بعضهم الي ' نشطاء ' يغلبون الهوي السياسي علي معايير احقاق الحق واقامة العدل.

في زماننا احكام تدين القاضي باكثر مما تدين المتهم , وما جري مع ابواسلام من ذلك الصنف.

وائل قنديل يكتب : حماقة الثورة تواجه أخونة الدولة


لماذا تصر هذه النخب السياسية المضحكة علي محاولة نزول نهر الحماقة ذاته مرتين؟

لماذا لا يتعلم هؤلاء من اخطاء الماضي القريب ويتم استدراجهم لما جعلهم يخسرون النزال , واعني الانزلاق طوعا الي فخ الهوية , ذلك الذي تم اقتياد الجميع اليه في استفتاء مارس 2011 الشهير؟

ان الخطاب الصادر عن الداعين لمعركة 30 يونيو يتوشح بقضية ' هوية مصر ' يستوي في ذلك مهرجون تدربوا في كواليس مسرح ثورة الفلول المضادة , وآخرون اعتبرهم الناس ايقونات ثورية علي المعاش -- كلهم يطنطنون بكلام اجوف عن حماية هوية مصر من ' الاخونة ' ويمضي بعضهم الي ابعد من ذلك للحديث عن التصدي لمشروع ' اسلمة ' البلاد.

لقد خسرت القوي المتلفعة برداء ' المدنية ' معركة استفتاء 19 مارس الشهير , وبعد ذلك استفتاء دستور 2012 لانها استجابت لتخطيط ارضية الملعب علي اساس الهوية , وابتلعت قصة دولة مدنية في مواجهة دولة اسلامية.

اللافت ان الذي اخذ الصراع السياسي الي هذه الارضية في ذلك الوقت كان تيارات الاسلام السياسي , ومن هنا يبدو عجيبا ومدهشا هذه الايام ان التيارات الليبرالية و اليسارية تدير معركة 30 يونيو منطلقة من ازمة هوية مصر , وتحشد الجموع من اجل انقاذ هوية مصر من حكم الاسلام السياسي -- ويتحامق بعضهم اكثر حين يقحم الكنيسة في معادلة الصراع كعنصر مضاد للتيارات الاسلامية , اذ يقول في ذلك واحد من شباب فلول المنصة : ' المعلومات التي وصلتني ان الايام القادمة ستشهد حشدا وتكليفا لجميع اخوتنا الاقباط شركاء الوطن بالنزول في 30 يونيه خاصة في القاهرة و الوجة البحري ' ثم لا يستشعر اي خطر وهو يؤكد انه ' لن تخذلنا الكنيسة هذه المرة وتاكدت من مصادري الخاصة جدا ان الكنيسة ستخرج عن بكرة ابيها في 30 يونيه لاسقاط هذا النظام الديني الفاشي ' .

ولا يختلف هذا الخطاب الخطير في مضمونه عن الدفع باسباب تتعلق بروح مصر وهويتها علي لسان اهل النخبة من السياسيين و المثقفين , وكان قضية مصر المحورية هي الباليه و الرقص الشرقي و المشاهد السينمائية او انكار الهولوكوست ومنع المعابد البوذية.

والخلاصة ان وضع الخلاف السياسي في اطار الهوية و الدين ياتي هذه المرة من جانب التيارات المدنية , في مجتمع متدين ومحافظ بطبعه , وتشغله قضايا اخري حياتية من رغيف الخبز الي افتقاد الامن , وهذا يعني ببساطة ان المصريين مدعوون للخروج وفقا لاجندة نخبوية متعالية علي مشاكل الناس الاساسية.

لقد كنت ممن قالوا ' لا ' بالثلث لتعديلات مارس 2011 وقبلها كنت من المعترضين علي استفتاء الناس علي هذه التعديلات من الاصل في ذلك الوقت , وكان احد اسباب رفضي لتلك المعركة المبكرة للغاية انها تنبني علي سؤال الهوية , او هكذا نجح ' اهل نعم ' في تحويلها من السياسة الي الدين واستدراج الجبهة الاخري لثنائية ' مدنية ضد اسلامية ' .

والمفارقة انه في هذه الجولة تنقلب الآية , ويختبئ دعاة المدنية في حقول الهوية هربا من المواجهة السياسية المباشرة التي تجسدها عبارة واحدة هي ' التغيير بالانتخابات وليس بالطلقات و العبوات الحارقة ' .

نصيحة مخلصة من عماد الدين حسين للفريق أحمد شفيق : اعتزل و تقاعد


لو جاز لي ان اقدم النصيحة للمرشح الرئاسي السابق احمد شفيق لقلت له : ارجوك اعتزل العمل السياسي فورا , لانك تتسبب بقصد او من دون قصد في تعقيد المشهد السياسي و الاساءة الي من تعتقد انك معهم وافادة من تعتقد انهم خصومك.

لن ادخل في جدل بشان تقييم مسيرتك السياسية , ولن احكم عليك , لكنني اتحدث بلغة السياسة. انت تدعي انك تعمل لمصلحة مصر , ولو ان الامر كذلك فمصلحة مصر المستقبل ان تبتعد عن المشهد تماما , وتترك الفرصة لجيل جديد شاب بلا عجز وفشل او رواسب او احقاد او دوافع انتقامية.

انت صرت جزءا من الماضي , مثل حسني مبارك تماما , ومثل كل الجيل الذي تجاوز السبعين ولايزال يعتقد انه قادر علي العمل التنفيذي.

لست من المهووسين بمسالة السن , فهناك شخصيات تجاوزت الثمانين و التسعين ولاتزال قادرة علي العطاء , في مجالات الكتابة و الفكر و الابداع و الاستشارات , وهناك شخصيات في الثلاثين و الاربعين ومصابة بكسل مزمن.

انا اتحدث فقط عن النموذج الذي كان سبب كل الكوارث التي نعانيها الآن وهو ' الجيل الذي شاخ في مواقعه ' ويعاند الزمن ويرفض الانصراف.

من حق شفيق الادعاء بانه حاز علي نصف اصوات الناخبين تقريبا , وبالتالي قد يعتقد ان لديه فرصة , و الحقيقة المجردة التي لا يريد تصديقها هو ان غالبية اصواته كانت خوفا من الاخوان وليست حبا فيهم , ولا يريد تصديق ان وجوده وتصريحاته ومواقفه صارت افضل دعاية لجماعة الاخوان وانصارهم.

يا سيادة الفريق متقاعد : عندما يقوم الثوار بطرد ممثلكم اكثر من مرة من المظاهرات الاحتجاجية المختلفة , فالمعني الوحيد ان الشباب لا يريدونك ان تكون ممثلهم او رمزا لهم او حتي مجرد شريك.

وجودك في الجولة الثانية و الحاسمة امام محمد مرسي كان افضل خدمة قدمتها انت للرئيس الحالي ولجماعته , ما كان يمكن له ان يفوز لو ان المرشح المنافس كان اي شخص غيرك.

وتصريحاتك الاخيرة هي افضل خدمة تقدمها للجماعة التي تقول انك تعارضها. يكفي ان يقول خصومك انك شريك في هذه المظاهرة او وقعت علي هذه الحملة حتي يتم تشويهها.

هل لاحظت ان افضل واسرع طريقة لحرق اي رمز سياسي معارض هي القول انه قابلك في دبي حيث تقيم؟!.

مرة اخري : تذكر انك كنت جزءا اصيلا من نظام مبارك سبب كل الكوارث التي عشناها ونعيشها الآن واستمرارك في المشهد يعطي الاخوان الحق في القول انهم يواجهون فلول الزمن الغابر.

لو انك تحب وطنك فعلا فعليك بالانسحاب الهادئ , حاول ان تستمتع بحياة دبي بمولاتها المكيفة وابراجها العالية , يمكنك ايضا ان تكتب مذكراتك وتحكي فيها تجربتك فربما استفاد منها كثيرون , يمكنك ان تعود الي بيتك في التجمع الخامس , بعد ان تسوي اوضاعك مع القضاء , وتستمتع مع بناتك واحفادك ببقية عمرك.

يا سيادة الفريق متقاعد : اي معارضة جادة ومحترمة عليها ان تعارضك انت ومن تمث , وبعدها تعارض الاخوان او غيرهم.

عماد الدين حسين يكتب عن زيارته لاثيوبيا و تجوله في شوارع أديس أبابا


في اللحظة التي انتهت فيها مباراة اثيوبيا وجنوب افريقيا بفوز الاولي بهدفين لهدف نزل مئات الآلاف من المواطنين الي شوارع العاصمة اديس ابابا.


في هذه اللحظة شاء حظي ان اكون في قلب العاصمة في سيارة دبلوماسي مصري ومعي الزميل جمعة حمدالله من ' المصري اليوم ' في طريقنا من المطار الي فندق شيراتون.


الجماهير كانت تغني وترقص منتشية بالفوز الذي جعلهم مثلنا يصعدون الي التصفيات النهائية المؤهلة لكاس العالم. يرقصون ويغنون. سالت الدبلوماسي هل ممكن ان يعرفوا اننا مصريون؟ , فرد غالبا نعم لان رقم سيارات البعثة المصرية يكاد يكون معروفا لكثيرين في اديس ابابا.


عندما وصلنا الي شارع بولي رود وفي نفس المكان الذي تعرض فيه حسني مبارك لمحاولة الاغتيال كانت الاعداد تتزايد وتكاد تسد الطريق , كنا نرفع ايدينا ونشير باصابعنا بعلامة النصر لمشاركتهم فرحتهم.


غالبيتهم كانوا يردون التحية. اخرجت الكاميرا وبدات التقط صور الفرحة. ردود فعل الناس كانت ايجابية لكن شابا في العشرين من عمره مد يده وحاول سرقة الكاميرا فتمسكت بها وفشلت المحاولة.


في هذه اللحظة شعرت بالخوف وسالت مرافقي هل ما حدث امر عادي؟ فنفي وقال ان غالبية الشعب ودودة.


في الطائرة الخاصة الصغيرة التي اقلت الوفد برئاسة وزير الخارجية محمد كامل عمرو علمت بحادث الاعتداء الذي تعرض له احد الدبلوماسيين المصريين حيث تم ضربه حتي فقد الوعي تماما ورغم ذلك ظل المعتدون يركلونه لولا ضوء سيارة مواطن اثيوبي مر صدفة.


المهم اغلقنا نوافذ السيارة وظللنا نبادل الاثيوبيين اشارات التشجيع حتي وصلنا الفندق.


بعد ذلك بساعة واحدة قابلت حكمنا الدولي محمد فاروق ومساعديه في منزل السفير المصري محمد ادريس.


وعلمت ان بعض المشجعين الاثيوبيين وجههوا عبارات تهديد لمحمد فاروق اذا لم يفز فريقهم بالمباراة.


من حسن حظنا ان الفريق الاثيوبي قدم اداء طيبا وفاز وصعد. قلت لحكمنا الدولي انه كان يمكن ان يتسبب اختيارك لادارة هذه المباراة في ازمة دولية لولا انك ادرت اللقاء بصورة طيبة.


مقر سكن السفير المصري داخل السفارة التي يكاد يكون مقرها الاكبر بين كل السفارات تقريبا. هذا القصر المنيف و الممتلئ خضرة واشجارا اهداه الامبراطور هيلاسلاسي الي الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عندما كانت علاقات البلدين في عصرها الذهبي.


السفير محمد ادريس الذي وجد نفسه في قلب العاصفة منذ اندلاع ازمة سد النهضة قال ان التواجد المصري في اثيوبيا ليس قليلا , وفي شهر واحد جاء الي اثيوبيا 26 وفدا واقل شهر ياتي 15 وفدا وفي ليلة واحدة كان هناك سبعة وفود داخل السفارة ولكن ذلك لا يصل الي الاعلام المصري. شاركته الراي وقلت له المهم ان يصل هذا النشاط الي الاثيوبيين و الاهم كما علق الوزير هو نوعية الوفود و المردود الذي تحققه ثم داعب الوزير السفير بانه سيحصل علي علاوة اذا وصل عدد الوفود الي ثلاثين شهريا.


هناك اجماع اننا جميعا اجرمنا في حق افريقيا عموما وبلدان حوض النيل خصوصا -- و السؤال هل سنظل نكرر ذلك ام نبدا التفكير بطريقة عملية؟


ليس متصورا ان تؤدي الزيارة الحالية لوزير الخارجية الي حل كل المشاكل لكن يمكنها ان تكون بداية جيدة.

وائل قنديل يكتب عن نقاء الحشد الثوري في 30 يونيو من الفلول و عناصر الثورة المضادة


البضاعة الرائجة في سوق السياسة هذه الايام ان المشارك في احداث 30 يونيو يجب الا يشغل نفسه كثيرا بمسالة نقاء الحشد الثوري من مكونات فلولية وعناصر ثورة مضادة , وفي الوقت الذي ترتفع فيه صيحات القتال ضد مصريين شاركوا في صناعة ثورة يناير ودفعوا ثمنا باهظا قبلها , يصدمك دعوات صريحة للانصهار مع بقايا دولة مبارك.

ومن عجب ان الذين ياخذون علي نظام حاكم الاستعانة بوجوه من زمن مبارك في الحكومة ويعتبرون ذلك خيانة للثورة لا يتورعون عن معانقة اعمدة واركان ذلك الزمن البائس علي قارعة الطريق.

وقد قلت في ذلك مبكرا جدا انه ' اذا كان استسلام نظام منتخب جاء بعد ثورة لمنطق المزاوجة بين الجديد ' الثوري ' و القديم ' الدولة العميقة ' لاعتبارات الضرورة و المنفعة مسلكا مستهجنا , فان لجوء قيادات ثورية لاستخدام السلاح ذاته يكشف عن عوار حقيقي في مفهوم الثورة , ويعد خللا مخيفا في بنيتها الاخلاقية و المنطقية.

واكرر انه يمكن تخيل واستيعاب ان تنحو السلطة منحي براجماتيا , علي اعتبار ان قيم المصلحة و المكسب هي المهيمنة علي اداء الحكومات , غير انه لا يمكن تخيل ان تكون هناك ثورة براجماتية , ذلك ان الثورة بالاساس عمل اخلاقي يجنح للرومانسية , وعليه لا يمكن تصور وجود ' ثورة عميقة ' علي وزن ' دولة عميقة ' , وقد سجل كاتب هذه السطور موقفا واضحا ضد تركيبة اول حكومة تتشكل بعد انتخاب الدكتور مرسي واعتبرتها ' حكومة عميقة لدولة ظريفة ' .

ومرة اخري يخطئ من يتصور ان اصابة الثورة بفيروس الفلول بدات مع التحضير لفعاليات 30 يونيو و الحشد لاسقاط نظام محمد مرسي , ولا مع انفجار الغضب علي الاعلان الدستوري الذي اصدره رئيس الجمهورية في 21 نوفمبر الماضي ورفضه الجميع كونه يمنح الرئيس سلطات مطلقة.

فالحاصل ان خارطة التحالفات تبدلت قبل ذلك بكثير , وكانت بداية الماساة في الاسبوع الاخير من سبتمبر الماضي حين اقدم عدد من الرموز السياسية , الثورية ومنتحلة صفة الثورية , علي تكوين تحالف يقصي رجلا بحجم الدكتور عبدالمنعم ابوالفتوح -- ذلك كان مستصغر الشرر الذي صار نارا امسكت بالثورة كقيم ومبادئ محترمة , حتي وجدنا من لا يخفي استدعاءه لقوي مضادة للثورة في هوجة الحشد ضد الرئيس واعلانه , و الاستفتاء علي الدستور.

وقد سجلت ذلك في مقال بعنوان ' الماساة بدات باقصاء عبد المنعم ابو الفتوح '

وقبل ذلك وفي 26 سبتمبر الماضي نبهت لخطورة هذا المسلك تحت عنوان ' عملية اقصاء عبدالمنعم ابوالفتوح ' وقلت بالحرف : ' بكل المقاييس لا يمكن تصور ان يتداعي عدد من الرموز الوطنية للنظر في المازق الذي تمر به مصر في وضع دستورها , ويمارسون الاقصاء و الابعاد ضد رجل بقيمة عبدالمنعم ابوالفتوح ' .

وكان ذلك تعليقا علي انباء متداولة عن لقاء ثلاثي بين البرادعي وصباحي وعمرو موسي.

وتمر الايام وتقرا تسمع عجبا يجري علي السنة رجال زمن مبارك يرفضون فيه ضم عبد المنعم ابو الفتوح للتيار المعارض للرئيس مرسي بذريعة الخوف علي نقاء التركيبة الثورية الجديدة المهجنة , التي لا تمانع في طرق ابواب جنرال الثورة المضادة في ' ابو ظبي ' عن اية ثورة تتحدثون ايها الظرفاء؟

علم مصر المرفوع في ميدان تقسيم التركي أحمد منصور


كنت اتامل ساحة تقسيم في اسطنبول حيث كانت التظاهرات في اوجها يوم الاربعاء 5 يونيو الماضي حينما قال لي الزميل عمر خشرم مراسل قناة الجزيرة في تركيا و الذي كان يلازمني ويترجم لي في نفس الوقت , الم تلحظ شيئا في هذه الجهة يا احمد؟ واشار بيده الي احدي جهات الميدان.

قلت : الاحظ اعلاما حمراء تحمل اسم الحزب الشيوعي التركي و الحركات اليسارية المختلفة , و القوميين الاتراك الذين يرفعون صور اتاتورك , قال وهذا العلم المميز هناك اما لاحظته؟ قلت له : اي علم؟!! -- . ثم صمت مستغربا وقلت : يا الهي , انه العلم المصري؟ ما الذي جاء به هنا؟ واي مصريين هؤلاء الذين جاءوا يتظاهرون ضد حكومة رجب الطيب اردوغان هنا في اسطنبول؟.


قال : انهم من الحزب الشيوعي المصري جاءوا يؤازرون اخوانهم من الحزب الشيوعي التركي , اقتربت فتبينت ورايت بعض الشيوعيين المصريين تنادوا لنصرة الشيوعيين في تركيا ضد حكومة رجب الطيب اردوغان بل كان هناك شيوعيون من دول اوروبا و الدول المختلفة وقلت يا الهي لقد ماتت الشيوعية في بلادها ومازال هناك شيوعيون في بلادنا؟ وجاءوا هنا يرفعون علم مصر ضد اردوغان في ميدان تقسيم؟ اخذت ابحث في الامر بعد ذلك.

فعلمت بعد ذهابي لانقرة ووقوفي علي بعض المعلومات ان عشرات من الشيوعيين المصريين و العلمانيين و الكارهين لكل ما هو اسلامي ذهبوا بالفعل ليتظاهروا ضد حكومة رجب الطيب اردوغان بينهم موظفون يعملون في شركات دولية ومديرو بنوك رتبوا مع مديري بنوك اتراك تحدث عنهم معي البروفيسور نعمان كورتولموش نائب اردوغان الذي اكد ان لوبي البنوك لعب دورا قذرا في الاحتجاجات بسبب الخسائر الكبيرة التي خسرها اللوبي الربوي بعدما حمت الحكومة الشعب من جشعهم ونهبهم بل الاكثر من ذلك ما اعلن عنه رجب الطيب اردوغان في خطابه الذي القاه في انقرة يوم السبت الماضي عن وجود مؤامرة كبيرة علي تركيا لعبت فيها ايد خارجية دورا قذرا وان الحكومة وقعت علي وثائق حول هذا المخطط التآمري الكبير.


غير ان وجود العلم المصري في تقسيم ربطني مباشرة بما يجري في مصر من محاولات لواد التجربة الديمقراطية الوليدة بحجة اخونة الدولة او مطالبة الرئيس بالتنحي او التدخل في شئون القضاء او مسلسل هدم الدولة , وادركت ان مشروع الفوضي الخلاقة الذي اشارت اليه كوندوليزا رايس مستشارة الامن القومي ووزيرة الخارجية الامريكية قبل سنوات , وما اعلنه نائب الرئيس الامريكي امام مؤتمر يهودي قبل اسبوعين من ان الايام الحالية ستحدد مستقبل الشرق الاوسط للعقود القادمة , وما اشار اليه خبراء استراتيجون كثيرون من ان سايكس بيكو جديدة تعد للمنطقة لتتم اعادة رسم خرائطها من جديد , كل هذا حضرني حينما وجدت الشيوعيين المصريين مع الشيوعيين في اوروبا مع اليسار المتمرد هنا وهناك تداعوا جميعا مع الكارهين لكل ما هو اسلامي الي اسطنبول للمشاركة في التظاهرات هناك و التاكيد علي هويتهم من خلال رفع الاعلام , مازالت صورة العلم المصري في ميدان تقسيم ماثلة في ذهني وانا اتطلع الي الفوضي الخلاقة التي يريدون اشعالها في مصر في 30 يونيو القادم --

عبد المنعم أبو الفتوح يكتب : الوطن و السلطة و المستقبل الحقيقة الضائعة فى زحام الأهواء


عام مضي علي اول انتخابات رئاسية بعد الثورة وياتي في ختامه للاسف بتطورات تهدد الوطن و المستقبل الذي ائتمنتنا الاجيال علي تعهده حتي تتسلم زمامه.

ومن شهد فرحة المصريين بطول مصر وعرضها يوم 11 فبراير لا يمكنه تصديق ان هؤلاء هم بعينهم من يتحفزون ويتصارعون ضد بعضهم بعضا الآن علي نحو لم تشهده مصر من قبل اللهم الا في مواجهة احتلال اجنبي -- وانا بالفعل لا اصدق ان المشهد السياسي الحالي يتشكل من مشاعر ووجدان ووعي المصريين البسطاء السمحاء الذين يملاون القري و النجوع وطرقات المدن وحواريها وشوارعها -- هؤلاء المصريون الذين تكتب عنهم كتب الدراسات الاجتماعية من مشاعرهم الفياضة انهم ' شعب يتميز بالحفاوة بالغرباء ' -- فيما تتناقل الاخبار و الحكايات هذه الايام الحديث عن ' مصريين ' تمتلئ احاديثهم بمفردات مثل الحصار و التهديد و القتل وبحيرات الدماء -- وانا اعلم ان ما تصنعه الآلة الاعلامية يتجاوز الحقيقة التي تظهر الواقع كما هو -- فيما تختفي وتضيع هذه الحقيقة بتفاصيلها الصحيحة في زحام اهواء وصراعات صغيرة علي سلطة زائلة ستنحسر عن صاحبها يوما ما -- طال مجيئه ام قصر -- بالموت ام بغيره.

المشهد الذي نراه ونعيشه الآن هو محض صراع علي السلطة لا اكثر ولا اقل -- ويبدو انها حالة تتشكل بهذه الحدة و الشراسة في ظل ظروف سياسية واجتماعية تتشابه في بعض المجتمعات وقد سمعنا المهاتما غاندي رائد الامة الهندية المعاصرة يتلفت حول النخبة التي يراها كلها تنادي بحبها للوطن وتصرخ زاعقة خوفا علي الوطن -- وكلهم لا يعملون لمصلحة الوطن بل من اجل السلطة -- السعي للسلطة ليس عيبا لتحقيق الاهداف وتطبيق البرامج لكن ان يتحول هذا السعي الي سعار فتلك هي الكارثة وهذا هو الباب الكبير للمهالك كلها -- وعلي ذلك اود ان اذكر عدة نقاط :

_ لم يستطع الحكم القائم ان يحقق درجة الوفاق الوطني التي تبشر بالجماعة الوطنية في مجتمع الحق و الواجب ودولة القانون التي يظللها دستور التراضي و التوافق -- بل لقد تعثرت الخطوات في ادراك هذه المطالب دون عذر مقبول ودون تفسير واضح -- فيما بدا للجميع ان احكام القبضة علي السلطة ودوائرها هو المطلب الذي يتحتم الحصول عليه الآن -- وحالا. مع عدم اكتراث بالقوي السياسية و المجتمعية صغيرة الحجم كانت ام كبيرة -- مع قدر غريب من الاصرار علي التحدي و المعاندة -- في رسالة واضحة تقول ان ما بيننا وبينكم هو السلطة وامتلاكها و الشرعية وحيازتها -- فيما يزداد التاكيد بالممارسة اليومية علي ان فكرة ' الجماعة الوطنية ' لا مكان لها في فلسفة الادارة السياسية للشان العام مصحوبة بتعللات باهتة بالصندوق و الانتخابات.

_ حين دعوت الي انتخابات رئاسية مبكرة كمخرج سياسي لحالة الاحتدام التي تصاعدت الي حدود الخطر في تهديد تماسك البناء الاجتماعي من قواعده -- وعلي الرغم من حالة التحول الديمقراطي التي يمر بها الوطن و التي تحتاج بالفعل الي تثبيت وتاسيس -- كان ذلك بالاساس لتحويل الانظار و الافكار الي مدارات من الممارسة الديمقراطية في الاطار الدستوري الضامن و الضروري لشرعية انتقال السلطة حال تعقد الامور وارتباكها الي حدود العنف و العنف المتبادل -- الامر الذي يفتح ابواب ' الجحيم السياسي ' علي الجميع -- وانا وان كنت اؤمن بهذا الخيار فليس بالضروري هو الخيار الاوحد و الاصح -- ولو رايت من الحلول و المعالجات ما نتجاوز به تلك الدعوة عبورا للازمة كلها لاقررت بها وساندتها وعملت علي ان اكون جزءا منها.

_ لقد تعرضت التنظيمات و الحركات الاسلامية و الاصلاحية علي مدي حضورها التاريخي في القرنين الماضيين الي صعوبات ومصادمات وسجون واعتقالات انتجت شعورا بالظلم و القهر كان له دوره المباشر في صنع وتوليد افكار وسلوكيات التطرف و التي عانت منها مجتمعاتنا علي امتداد العالم الاسلامي كله معاناة اليمة -- وصنعت مواقف وحالات سياسية وفكرية اضرت اضرارا بالغا بمشروع الاصلاح الوطني في كل جوانبه ومكوناته -- وهو ما يجعلني انتبه وانبه الي ان انغماس التنظيمات الاسلامية في مزيد من الاحساس بالظلم و التجني و القهر يعني ببساطة مزيدا من الانغماس في الافكار المتطرفة التي ستجعل تلك الدائرة الجهنمية لا تكف عن الدوران ولا تكف عن انتاج التطرف وهو ما يجعلنا نتطلع بحرص وقلق الي المستقبل البعيد و الابعد -- حرصا علي الاجيال القادمة. اقول ذلك وانا ادعو الي فتح باب السياسة علي مصراعيه في اتجاه كل الحلول و المعالجات الممكنة.

_ يتوقع كثير من المتابعين حدوث حالات عنف كبيرة متبادلة سيمنح كل طرف فيها نفسه الحق و المشروعية التي تصل الي حدود ' الاستشهاد ' من جانب -- و ' حقوق العنف الثوري ' من جانب آخر -- علي ان اخطر ما في تلك المواقف كلها هو تنظيم ' البلطجية ' الذي احكم رجال النظام السابق مفاصله وباتت مصادر تمويله وتسليحه لا سقف لها -- ويهدفون بالاساس الي اغراق الشارع بالدم و القتل و الترويع -- وعليه فستكون ' النكسة الثورية ' تبعا لذلك اشد مرارا وحسرة وخسارة من كل النكسات.

_ يحدوني التوقع و الامل للوصول في الايام القادمة الي تحقيق قدر جيد من التوازن السياسي ينزع فتيل الازمة كلها -- و المواءمة السياسية في تحقيق المصالح العليا للوطن و الامة ليست مما ينقص السيادة او يهين الكرامة. بل مما يسجله التاريخ دائما للطرف الاقوي هو مقدار ما يقدمه بين يدي الوطن من ' تضحيات سياسية ' -- رعاية وصونا للوطن وحفاظا وكمالا للجماعة الوطنية.

حسابات المصلحة البحتة حسبة خاسرة حاتم عزام


انتخبت د.ابو الفتوح في المرحلة الاولي و كنت استنكر و استغرب مطالبة بعض الرموز السياسية _ التي صارت فيما بعد قادة لجبهة الانقاذ_ من د.مرسي الانسحاب من الترشح للرئاسة و مصادرة حقه كمصري يتمتع بكامل حقوق المواطنة في ذلك. لم ينجح مرشحي الذي سعيت لانجاحه في المرحلة الاولي , و ايدت انا و غيري من اكثرية المصريين د. مرسي في المرحلة الثانية ضد مرشح النظام السابق.

نجح د.مرسي فاذا بمن طالبه بعدم الترشح ابتداء في المرحلة الاولي في مصادرة فجة لحقه السياسي كمصري , و لم يعطيه صوته في المرحلة الثانية و هذا حقه , يطلب منه بعدما نجح في الانتخابات بترك منصبه الذي اختاره الشعب فيه ! الاغرب من هذا ان يسعي هؤلاء لاسقاطه بتحالفهم مع النظام القديم بعنفه و مولتوفه -- في احداث كثيرة خلت و احداث ننتظرها -- و هم دائما يغضون الطرف عن هذا العنف طمعا في اسقاط اول رئيس مصري مدني منتخب علهم يكونوا اكثر حظا في الانتخابات القادمة .

اثق ان الشعب سيدافع عن ارادته الحره و تجربته الديموقراطية الوليدة , و لكن الا يعقل هؤلاء ان هذا النظام الفاسد المستبد المغتصب لارادة الشعب الذي يتحالفون مع رموزه الآن , و الذي سالت الدماء لاسقاطه , لن يدع ايا منهم يترشح ابتداء , بل وسيسعي هو قبل غيره لاسقاط اي رئيس آخر ياتي من خارجه كما سعوا و يسعون هم الآن!!! انها حتي بحسابات المصلحة البحتة , قبل المبادئ و الآليات السياسية الديموقراطية السلمية , حسبة خاسرة!

ناهيكم علي انه اذا نجحتم في هذا الانقلاب , و هو ما استبعده تماما , و حتي اذا نجح احد منكم بالرئاسة لا من النظام القديم , الا تعلمون انكم ستواجهون بملايين اخري تسقط هذا الرئيس بعد اسابيع -- بل ايام لانها شعرت بان ارادتها لم تحترم -- و هلم جره -- و الخاسر هو مصر و الجميع!

الاولي لكم يا سادة ان تعملوا ثلاث سنوات من الآن علي الارض و في احزابكم و علي برامجكم كي تطرحوا بديلا يختاركم علي اساسه الشعب بارادته ان شاء.

انها بحسابات مصر -- و حسابات المصلحة البحتة حسبة خاسرة !

30 يونيو و المطلوب من الرئاسة لاشهار افلاس المعارضة أمام الرأي العام فهمي هويدي


في الوقت الراهن لا يجتمع اثنان في مصر الا وكان موعد الثلاثين من يونيو بينهما , مستصحبا معه قائمة طويلة من الاسئلة التي تعبر عن الحيرة و القلق و الخوف ايضا.


1
الناس محقون ومعذورون , لان مختلف الشواهد تشير الي ان ذلك اليوم الذي تنتهي به السنة الاولي للرئيس مرسي في السلطة , لن يمر علي خير.
والقائلون بغير ذلك يعبرون عما يتمنونه باكثر ما يقراون الواقع ويرصدون مؤشراته.

ومعلوماتي ان الاجهزة الامنية توقعت ان تنزل الي الشوارع و الميادين اعداد كبيرة من البشر في ذلك اليوم , ربما لن تقل عن الذين خرجوا في 25 يناير من عام 2011 ,

وربما انضافت الي الخارجين المحتجين فئات جديدة سواء من الذين ضاقوا بالاعباء المعيشية و الغلاء المتزايدين , او الفئات المحايدة التي يتقدمها ما سمي بحزب ' الكنبة ' , التي ادركت ان اداء الرئيس مرسي وحكومته دون ما توقعوه , ووجدت ان ذلك الاداء لا يعبر عن التحول الثوري الذي كانوا يحلمون به.


' لاحظ ان مركز بصيرة لاستطلاع الراي ذكر ان 42 في المائة فقط يؤيدون الرئيس الآن , وهؤلاء كانت نسبتهم 46 في المائة بعد عشرة اشهر من توليه السلطة , في حين كانت نسبتهم بعد المائة يوم الاولي 78 في المائة ' .

معلوماتي ايضا ان المؤسسة الامنية قدرت ان احتمالات العنف و الفوضي قائمة لا محالة , خصوصا انه ما من مظاهرة خرجت الي الشارع خلال السنتين الماضيتين الا وتخللها عنف من جانب بعض الاطراف بصورة او اخري , واذا كان ذلك قد حدث في مناسبات محدودة ومتفرقة فلن تخلو منه تظاهرات 30 يونيو التي ينتظر ان تتضاعف فيها الحشود.

ذلك العنف المتوقع قد يكون بين مؤيدي الرئيس مرسي ومعارضيه , وفي احسن الفروض فانه اذا تجنب المؤيدون النزول و الاشتباك مع المعارضين فان احتمال العنف سيظل قائما , لان المتظاهرين سوف يتوجهون في لا تسال عن دور البلطجية و المدفوعين الاغلب الي بعض مؤسسات الدولة مثل مقر الاتحادية ومجلس الوزراء ومقر مجلس الشوري.

الراجح اذن ان هناك عنفا وفوضي متوقعة , و السؤال الذي يرد في هذا الصدد ينصب علي شكل العنف ونطاقه وضحاياه , وقدرة الاجهزة الامنية علي التعامل معه , و المعلومات المتوافرة ان وزارة الداخلية ذكرت صراحة ان امكاناتها لا تمكنها من مواجهة العنف و الفوضي المتوقعة , وطلبت الاستعانة بقوات من الجيش لضبط الامن و الدفاع عن مؤسسات الدولة في خمس مدن علي الاقل , بينها القاهرة و الاسكندرية و المنصورة.

الا ان الجيش يعتبر انه يجب ان يبتعد عن الصراعات السياسية , ويري انه ينبغي ان يتفرغ بالكامل لعملية اعادة البناء واستعادة العافية التي انطلقت بعد الثورة , للحفاظ علي مكانته وكفاءته التي تليق بجيش وطن يحمي اكبر دولة عربية , فضلا علي انه الجيش الوحيد الذي لم يتعرض للتدمير بين اقوي الجيوش العربية.

رغم ان الاجهزة الامنية و السيادية ليست متفائلة بما يمكن ان يحدث يوم 30 يونيو.
فان بعض الاطراف في المؤسسة السياسية تعتبر ان تلك الرؤية مفرطة في التشاؤم وان الصورة ليست قاتمة الي تلك الدرجة , وتراهن تلك الاطراف علي ان الامر ليس بتلك الصورة , وان الحدث يمكن احتماله واحتواؤه.

2
لا نستطيع ان نعول فقط علي تقديرات المؤسسة الامنية و السيادية , ولا مراهنات او امنيات اطراف المؤسسة السيادية , لان الحاصل علي ارض الواقع يعبر عن عملية احتشاد وتعبئة لا يستطيع احد تجاهلها.

صحيح ان حملة ' تمرد ' كانت من بنات افكار مجموعة من الشبان لا علاقة لهم بالاحزاب السياسية , ولم تطالب دعوتهم باكثر من تحديد موعد لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة , الا ان الفكرة لقيت صدي ايجابيا في بعض الاوساط وتلقفتها احزاب المعارضة حتي وظفت التاييد الشعبي النسبي لها في خصومتها للرئيس محمد مرسي ,
وبدلا من مطلب التبكير بالانتخابات الرئاسية لتجديد الثقة في الرئيس او سحب الثقة منه , فان احزاب المعارضة راهنت علي اعتبار يوم 30 يونيو بداية انطلاق معركة تستهدف اسقاط النظام و الخلاص من حكم الاخوان.

لكني اخشي ان يكون بداية اطلاق شرارة الفوضي و التخريب في انحاء مصر لسببين رئيسين , هما :

اذا اخذنا الكلام علي محمل الجد فان عملية اسقاط النظام التي قيل انها ستتم من خلال الاحتكام الي القضاء و المحكمة الدستورية ليست امرا ميسورا , لكنها تحتاج الي وقت ليس قصيرا , اذا قدر لها ان تاخذ مسارها المقدر.
هذا اذا افترضنا ان الطرف المؤيد للرئيس مرسي سوف يلتزم الصمت سيقف متفرجا علي ما يجري وهو امر مستبعد.

ان البديل الذي تقترحه المعارضة التي تلقفت شعار التمرد يتسم بغموض شديد يعرض مصير البلد للخطر.
من ناحية لانها اعلنت انها ضد الرئيس مرسي وحكم الاخوان لكنها لم توضح لنا هي مع ماذا.
ومن ناحية ثانية فانها تحدثت عن تولي رئيس المحكمة الدستورية لسلطة الرئيس وعن تشكيل مجلس رئاسي يضم ثلاثة اشخاص الي جانب وزير الدفاع. دون ان تحدد الجهة التي ستقوم باختيار اولئك الاشخاص ,
ناهيك عن ان من شان ذلك ان يستدعي الجيش مرة اخري للمشاركة في حكم البلد , الامر الذي يعد توريطا له في غير وظيفته الاساسية التي نذر نفسه لها.

هذا اذا افترضنا تراجع الفريق اول عبدالفتاح السيسي عن موقفه الذي اعلنه وتمسك فيه بابتعاد الجيش عن المعترك السياسي , ونصيحته للسياسيين بان يحلوا مشاكلهم ويحسموا صراعاتهم عبر صناديق الانتخاب.

3
في هذا السياق لا نستطيع ان نتجاهل تعبئة السياسيين و الدعاة و الابواق الاعلامية التي تتحدث عن سلمية تظاهرات 30 يونيو , لكنها في الوقت ذاته تتحدث عن مواجهة تنتهي باقصاء طرف وفوز طرف آخر.
وقد وصف ذلك التاريخ بانه يوم الحسم و الفصل وآخر ايام حكم المرشد وقال قائل انه يوم القيامة , وتحدث ثالث عن استرداد الثورة من سارقيها ,
وقال بعض الدعاة ان ذلك اليوم سيشهد معركة بين الاسلام و الكفر في حين افتي احدهم بان الخروج في مظاهرات 30 يونيو للمطالبة باسقاط الرئيس الشرعي المنتخب حرام شرعا , وان الخارج عن طاعة الرئيس مرسي كافر , وان التمرد عليه تمرد علي الاسلام و المشروع الاسلامي ' الذي لم يفصح عنه الرئيس مرسي حتي هذه اللحظة ' .

لم يقف الامر عند حد الشحن و التعبئة من جانب الطرفين لحسم معركة 30 يونيو , لكننا فوجئنا بحملة تسميم اضافية للاجواء اقحمت حركة حماس في الموضوع.

فتابعنا علي شاشات التلفزيون حديثا لاحد لواءات الجيش قدم بحسبانه خبيرا عسكريا قال فيه ان هناك مؤامرة للاسلاميين ستنفذ في الساعة السادسة من صباح يوم 30 يونيو حيث سيحتشد 50 الف جهادي في سيناء الي جانب 50 الف فلسطيني. وسيتولي هؤلاء ارباك الجيش المصري لكي لا يؤدي مهمته الداخلية ' في مواجهة الاخوان ' .
مضيفا ان تلك العناصر تتمركز الآن في جنوب سيناء وترتدي الزي العسكري.
ولم يقل لنا الخبير المذكور كيف سمح لهؤلاء بالتمركز في مواقعهم , ولماذا سكتت عليهم الاجهزة المعنية قبل ان يتحركوا في الساعة التي حددها.

ليس ذلك فحسب , وانما قرانا في صحيفة ' الوطن ' الصادرة يوم 16/6 عنوانا رئيسا علي صفحتها الاولي يقول :
الجيش و المخابرات يحذران مرسي : اذا استعنت بعناصر حماس فمصيرهم الموت.

ونقلت الصحيفة في الخبر عن ' مصادر سيادية ' قولها :
' ان القوات المسلحة و المخابرات العامة ارسلتا تحذيرات الي رئاسة الجمهورية من عقد صفقات مع حركة حماس او الاعتماد علي عناصر مسلحة في حماية النظام خلال مظاهرات 30 يونيو.
ثم اضافت ما نصه : ان وفد حماس في القاهرة تلقي نفس الانذار من ان اي محاولة للتدخل ستواجه بالضرب بيد من حديد.
وان الجيش لن يسمح بدخول حمساوي واحد , سواء من البر او الجو او الانفاق. ولو حدث فسيكون مصيره الموت.

الغريب و المدهش في الوقت نفسه ان هذه الاكاذيب و الافتراءات الخطيرة تصدر عن اشخاص باسمائهم وتنسب الي القوات المسلحة و المخابرات العامة , ثم تقابل بصمت من الاطراف المعنية , التي لا تصوب او تكذب شيئا منها , الامر الذي يشيع قدرا لا يُستهان به من التسميم و البلبلة و الادراك المغلوط.

4
الملاحظ في كل ذلك ان مؤسسة الرئاسة تعتصم بهدوء غير عادي و تقف متفرجة علي ما يجري , و كانها ليست طرفا في المشكلة , في حين انها الطرف الاساسي المعني بالموضوع بل الطرف المستهدف من كل ما يجري , صحيح انها اطلقت دعوة الي الحوار لم تحقق المراد منها , كما انها تعول علي المبادرات الاعلامية المتمثلة في الاخبار المقترحة التي توزع علي الصحف القومية وتتصدر عناوينها الرئيسة , الا انه من الواضح ان ذلك ليس كافيا لازالة الغضب في الشارع المصري , ولا لتخفيف هذا الاحتقان بين القوي السياسية المتصارعة.

واذا وضعنا في الاعتبار ان الاجهزة الامنية لها حدود في الحيلولة دون انفجار الوضع واشاعة الفوضي في 30 يونيو , فسيبقي امامنا مخرج واحد نعول عليه في تجنب تلك المخاطر يتمثل في المبادرات السياسية.

واذا كان من الواضح ان احزاب المعارضة ليس لديها تصور تقدمه في هذا الصدد وما لديها حتي الآن مجرد شروط تستقوي بالاجواء الراهنة غير المواتية في ظاهرها , فان ذلك لا يعفي مؤسسة الرئاسة من مسؤولية المبادرة باعتبار موقعها علي راس السلطة.

وباب المبادرات الساعية الي التلاقي و الوفاق مفتوح علي مصراعيه . اما طبيعتها فهي متروكة لتقدير الرئاسة , التي لا يعيبها ان تتخذ خطوات الي الوراء لتحقيق ذلك الهدف , لان المعارضة في هذه الحالة ستكون مطالبة باتخاذ خطوات مماثلة ,  اما اذا عاندت و رفضت مؤثرة الانقلاب علي النظام و ليس التوافق معه لتحقيق المصالح العليا للوطن , فان ذلك سيسحب من رصيدها و يشهر افلاسها امام الراي العام .

بقيت بعد ذلك نقطتان , هما :
 ان الرئاسة اذا ما اتخذت خطوة او اكثر الي الوراء فان ذلك لايعد بالضرورة ضعفا , لانه قد يعبر عن الثقة و التضحية من اجل التوافق واعلاء المصالح العليا. وعلي اسوا الفروض فان الاقدام طواعية علي تلك الخطوة اذا اعتبر ضعفا , فانه يصبح افضل كثيرا من الاضطرار الي اتخاذها تجنبا للانفجار وتحت وطاة الانكسار وعدم القدرة علي مواجهة ضغوط الغاضبين و المحتجين. < ان الطرفين المتصارعين حين يطول امد المواجهة بينهما وينشغل كل منهما باقصاء الآخر وتصفيته , فانهم يضعفون الوطن ويهدرون مصالحه العليا التي هي فوق هذا الطرف او ذاك. وازعم ان الصراع الحاصل في مصر له اثره في اضعاف موقف الحكومة المصرية في ملف سد النهضة الاثيوبي , الذي اشك ان حكومة اديس ابابا كان يمكن ان يكون لها موقف مختلف لو انها وجدت في مصر نظاما قويا ومستقرا ومرهوب الجانب. ان اطفاء الحريق المرتقب بات مرهونا بشجاعة المبادرة التي يمكن ان تصدر عن مؤسسة الرئاسة. ولا غضاضة في ان تاتي المبادرة متاخرة , فان ذلك افضل من الا تاتي ابدا , لان الوطن اهم وابقي من الجماعة ومن الرئاسة.

لماذا يستمر تعيين المحافظين ؟ فراج اسماعيل


تغيير المحافظين لن يعني شيئا اذا لم يقدم لنا ثورة في الادارة المحلية وتفكيك المركزية التي جعلت كل المحافظات مرتبطة بزر في القاهرة لا تتحرك الا بواسطته. مصيبة مصر طوال تاريخها انها تقف وراء قاطرة اسمها القاهرة , تتاثر بمشاكلها وتنام علي تثاؤبها. هذه المركزية يجب ان تتوقف لتتنافس المحافظات في العمل و الانتاج وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي و الابداع في الحلول. نريد محافظين يملكون قرارهم فلا يرجعون للقيادة السياسية في كل شيء. ذلك لن يكون يسيرا او قابلا للتطبيق في ظل نظام التعيين الحالي , فالانتخاب يمنحهم القوة و الشعبية ويجعل كل محافظ تحت امر الشعب الذي انتخبه وليس تحت امر رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة. بعض المحافظين نجحوا في الماضي في ادارة محافظاتهم وتقديم نموذج جيد من الحكم المحلي , الا انها مواهب شخصية انتهت برحيلهم وليست ناتج عمل مؤسسي وبذلك فقد كان النجاح استثناء و الفشل هو القاعدة المستدامة. كنت اتمني ان تمتد الديمقراطية الجديدة التي اتاحت انتخاب رئيس الجمهورية الي المحافظات ايضا حتي يتدرب الجميع عليها فلا نفاجا بشباب صغير يتمرد عليها باسم ' تمرد ' او بعواجيز طامعين في كرسي الرئاسة فيثيرون الشعب ويدفعونه الي المقتلة وسفك الدماء. الديمقراطية تدريب وخبرات يتعلمها الناس ويتصرفون معها بسلاسة وروح رياضية عندما يعتادون عليها. المحافظ المنتخب هو مشروع رئيس جمهورية قادم لانه يكتسب من الخبرات الادارية و السياسية ما يجعل منه رئيسا واعدا. المحليات مدرسة تخرج الحكام الاكفاء. رجب طيب اردوغان كان رئيسا منتخبا لبلدية اسطنبول وفيها تعلم فن الحكم و الادارة و الابداع ومن خلال تعامله مع مشاكلها اليومية صار سياسيا بارعا. متي نري ذلك في مصر؟ -- انها امنية غالية ليست بعيدة المنال , فقط تحتاج جراة وشجاعة اتخاذ القرار دون حساسيات. بعد قيام ثورة يناير ترددت فكرة انتخاب المحافظين وتداولها البعض , الا انها تاهت ولم يعد احد يتحدث عنها مع انها اولي من امور اخري كثيرة جري بها نهر السياسة خلال المرحلة الانتقالية. صحيح انها ستقضي علي مركزية القاهرة واهميتها كمركز قيادة , لكن القاهرة الآن مريضة وصحتها لا تساعدها علي حل مشاكل محافظات مترامية بعضها لا يسمع عنها سكان العاصمة ولا يعيرها اهتماما بل ويبدي تبرمه من ملايين ياتونها يوميا ليضايقونه في المرور و المعيشة و التنفس و المواصلات. الهجرة الي القاهرة قد تتحول الي هجرة عكسية اذا نجحت المحافظات في ادارة شئونها وحل مشاكلها و التعامل مع امورها كانها مناطق شبه مستقلة.

غير الحديث عن الثلاثين من يونيو و ماذا فيه و ماذا بعده أيمن الصياد


اعرف ان احدا ليس لديه استعدادٌ ان يسمع او يقرا غير عن ' الثلاثين من يونيو ' , ماذا فيه -- ثم ماذا بعده. ولكنني احسب ' وسط كل هذا الضجيج ' ان العطش او الظلام لن يفرق بين مصري وآخر. كما هو الموت , حين يردنا جميعا الي التراب , ثم يردنا الي الواحد الاحد فيحكم بيننا ' -- فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ' . لذا اخترت ان استكمل ما بداته الاسبوع الماضي عن ' النيل ' الذي اضعناه استهانة واستعلاء واستكبارا , ثم ها نحن بعد ان استهان من استهان ' بوحدة الجبهة الداخلية ' , التي هي شرطٌ لابديل عنه لمواجهة التحديات الخارجية نتخبط في طريق , بدا وكاننا لا ندرك حدودَه او ابعادَه.

_ _ _

لا اعرف ان كان هناك من يدرك حقا حقائق العصر ' وادواته ' فلم يكتف بخطب تهديدٍ لن يتجاوز ' فعلُها ' واقعيا المدي الذي يمكن ان تصل اليه مكبرات الصوت. ولكن هناك مشكورا ' وهو دبلوماسي دولي رفيع ' من ارسل الي برابطٍ لحوار تليفزيوني مهم اجرته شبكة تليفزيونية اثيوبية مستقلة مع السيدة Lori Pottinger وهي رئيسة تحرير لعدد من المطبوعات المتخصصة المهمة , بينها International Rivers’ quarterly وWorld Rivers Review و الحوار الذي يكشف مخاطر السد من وجهة نظر علمية ' محايدة ' , يستوجب اهتمامنا , كما قد يحتاج الي مقال مستقل يعرض ما فيه.

ولكنني ردا علي من تفضل , تعليقا علي مقال الاحد الماضي بالسؤال عن الجوانب القانونية للموضوع ' وحجج الطرفين ' , عدت الي جون ووتربري John Waterbury وهو استاذ للعلاقات الدولية في جامعة برنستون Princeton , تعلم العربية في مصر. وعاش في منطقتنا عشر سنوات كاملة وله كتابان ربما كانا الاهم في الموضوع. الاول : Hydropolitics of the Nile Valley, 1979 و الثاني : The Nile Basin : National Determinants of Collective Action 2002

قبل ان يوضح لنا الاكاديمي ذو الشعر الابيض ' عمره 84 عاما ' التاريخ القانوني للمشكلة , ذات الطابع السياسي و الاقتصادي بالدرجة الاولي , ينبهنا الي حقيقة ان دراسة العلاقات الدولية تركز منذ وقت طويل علي الظروف التي قد تدفع دولا ذات سيادة ' للتعاون فيما بينها ' لايجاد حلول لقضايا مثل تلوث الهواء او البحر , او منع التسلح , او انبعاثات غازات الدفيئة , او ادارة الانهار التي تجري عبر الحدود -- الخ. وكيف يمكن للسياسة ان تحسن اوضاع اصحاب الحصص دون لجوء للحرب او للخسارة الاقتصادية.

يشير ووتربري الذي يلح علي ان ' التعاون ' اصبح السبيل الوحيد الواقعي للتعامل مع الازمة , الي ان اعادة التفاوض علي اتفاقية 1959 قد يمثل طريقا للخروج من المعضلة , خاصة وان هناك تاريخا معروفا لتعديل الحصص. فحتي عام 1929 لم يكن هناك اي ميثاق يحكم استخدام مياه النيل بين اصحاب الحصص الرئيسيين. وكانت مصر صاحبة حق لا يناقش ' لكل ' التدفق الطبيعي للنهر. اي ان مصر في ذلك الوقت كانت تحصل عمليا علي 100 في المائة من مياه النيل حسب مقياسها في اسوان.

في مايو 1929 بعد اربع سنوات من اغتيال المصريين للسردار السير لي ستاك قائد القوات المسلحة السودانية _ المصرية المشتركة , بدا البريطانيون الذين كانوا يحكمون مصر و السودان في تطبيق اتفاقية مياه النيل. فيما بدا وكانه نوعٌ من العقاب علي حادث الاغتيال -- وقد قدرت الاتفاقية ان المياه المسموح باستخدامها من النيل ستكون بمعدل 52 بليون متر مكعب كل سنة , وحدد حق مصر المكتسب عند 48 بليون متر مكعب و السودان 4 بلايين متر مكعب. اي ان مصر اكتسبت حقا يمثل 92 في المائة مقابل 8 في المائة للسودان.بعد ذلك بثلاثين سنة اعيد التفاوض لتحصل مصر علي 55,5 بليون متر مكعب بنسبة 66 في المائة من المياه القابلة للاستغلال وارتفعت حصة السودان الي 22 في المائة . وحدد 12 في المائة من المياه القابلة للاستغلال للفقدان بالتبخر و التسرب في خزان السد العالي. كما قضت الاتفاقية بان اي زيادة عن معدل التدفق الطبيعي ' او نقصان ' يجري قسمتها مناصفة بين الدولتين. ثم كان ان تنبا المتفاوضون حول الاتفاقية ' 1959 ' انه اذا طالبت دول اعالي حوض النيل بحصتها من المياه فان ' الخسارة ' سوف تقسم مناصفة بين الدولتين.

ويري ووتربري استاذ العلاقات الدولية ان السياسة تعرف دائما ان هناك مساحة للحركة بين التاويل القانوني الجامد للحقوق المكتسبة وبين تاويل ياخذ في اعتباره دعاوي الاستخدام العادل. وان السياسة اذا اتسمت بالحكمة تنظر بالضرورة الي ماهو ' ابعد من انفها ' . وهكذا كان عندما اعطي المصريون في حينه ' 1959 ' قيمة لعلاقات ودية وطبيعية مع سودان كامل السيادة.

_ _ _

يبدو الامر اذن وكانه صراعٌ بين حقائق الجغرافيا وميراث التاريخ. فقانونا هناك مبدآن متناقضان فيمايسمي القانون العرفي للمياه الدولية. احدهما يسمي ' الحقوق المكتسبة ' و الآخر ' الاستخدام العادل ' . الحقوق المكتسبة ينادي بها اصحاب الحصص الذين طال استخدامهم لمصدر مائي -- وهو مبدا تاريخي يلخص احيانا بمقولة : الحق الاول للمستخدم الاول. وهي المقولة التي تمثل حجر الزاوية في الحجة المصرية. فقد كانت مصر المستخدم الاول من ايام الفراعنة. ولا احد بوسعه ان يجادل في هذا. ثم انها ولمدة اربعين سنة استخدمت 5.55 بليون متر مكعب.

علي الناحية الاخري , فان اثيوبيا و السودان يجادلان في الاستخدام العادل و التطور المحتمل , فحقائق الجغرافيا تقول ان لديهما مساحات هائلة من الارض التي لم تستغل بعد او كان استغلالها بدائيا. وتقول اثيوبيا طوال الوقت ان عرقلة تطورها بالحد من حقها في مياه النيل هو مسالة غير عادلة وان الحقوق المكتسبة ينبغي ان تفسح الطريق للقسمة العادلة.

وترد مصر عادة بان هذه الدول , بعكس مصر غزيرة الامطار. وان بامكانها الاعتماد علي امطارها في تطوير الزراعة. الا ان هذه الحجة رغم صحتها كانت تصطدم كل مرة برد اثيوبي يشير الي ان بناء السدود و الخزانات يكون ايضا لتوليد الطاقة الهيدروليكية. كما ان سقوط الامطار موسمي وغير متساو في توزيعه. مما يقتضي بناء سدود لتخزينه.

وحسب جون ووتربري فمن الممكن لمصر قانونا , وتطبيقا لمبدا ' الحقوق المكتسبة ' ان تظل متمسكة بالامر الواقع , ولا تقدم اية تنازلات لدول المنبع. ولكن , واقعيا يمكن ايضا لدول المنبع خاصة اثيوبيا ان تتصرف بدون موافقة مصر. وهذا قد يعني اقامة مشروع او اكثر لتوجيه المياه للزراعة او الطاقة الهيدروليكية او كليهما. في القانون الدولي وفي التطبيق , الافعال احادية الجانب التي تؤثر علي دول المصب غير مقبولة. وبالتاكيد لن يمول البنك الدولي مشاريع لا تنال رضا كل الدول المتشاطئة. ولكن بعض الدول قادرة علي تمويل مشاريعها من مواردها الخاصة. كما ان هناك دولا راغبة في تمويل مشاريع كجزء من اتفاقيات تجارية اوسع حتي في غياب قبول دول الحوض. ويجب ملاحظة ان ' القبول ' في القانون الدولي له حدود. كما لا يوجد حق مطلق للفيتو في احواض الانهار الدولية.

خلاصة القول اذن , كما ذكرنا في مقال الاحد الماضي ان السياسة لم تكن ابدا قانونا فقط. , بل مكان ' ومكانة ' . وان العامل الحاسم في المعادلة هنا لم يعد مقياس النيل ارتفاعا وانخفاضا , او بندا في اتفاقية هنا او معاهدة هناك. وانما ' قدرة ' كل طرف علي ان يصل الي اهدافه. ولهذه القدرة عوامل ومعايير نقراها في كتب التاريخ , ونرسمها في خرائط الجغرافيا -- ويعرفها اساتذة العلاقات الدولية.

_ _ _

وبعد --

فقد حمل لنا شريط الاخبار هذا الاسبوع , ان اديس ابابا بادرت بتصديق برلمانها ' بالاجماع ' علي اتفاقية عنتيبي التي تنهي زمن ' الحصص التاريخية ' لدولتي المصب , مصر و السودان. كما خرج يوري موسيفيني , الرئيس الاوغندي داعيا الدول الافريقية ان تحذو حذو اثيوبيا , ويقول : ' انصح القاهرة ان تكف عن هذه التصريحات الاستعلائية ' , كما ورد بجريدة ' الشروق ' بالامس.

_ _ _

ربما يذكر البعض رائعة احمد شوقي التي غنتها ام كلثوم ' 1949 ' و التي استفتحها بسؤاله المعجَب المندهش : ' مِن اَيِّ عَهدٍ في القُري تَتَدَفَّقُ؟ ' فهل يا تري جاء علينا زمن سنضطر فيه الي تعديل ' له دلالته ' في السؤال ليصبح قلقا : ' الي اَيِّ عَهدٍ في القُري تَتَدَفَّقُ؟ ' -- ' ؟ ' .

فهمي هويدي يكتب عن مفاجآت الانتخابات الرئاسية الإيرانية


الانتخابات الرئاسية الايرانية قدمت لنا حزمة من المفاجآت لم تخطر علي بال احد. فالسكوت الذي ران علي الساحة السياسية طوال الاشهر الماضية تحول الي صخب عالي الصوت في الاسبوع الاخير. و التقديرات التي تحدثت عن عزوف البعض عن التصويت بسبب غياب الاسماء الكبيرة عن المرشحين , خصوصا بعد استبعاد الشيخ هاشم رفسنجاني كذبها الاقبال الجماهيري الكبير علي مراكز الاقتراع الذي تجاوز 80 في المائة في المتوسط. و التاكيدات التي تحدثت عن حتمية الاعادة بين اثنين من المرشحين , بعدما بدا ان فرص الفوز متقاربة بين اربعة منهم علي الاقل تراجعت بعد اعلان النتائج الاولية للفرز , حيث تبين ان الشيخ حسن روحاني متقدم بفارق كبير عن بقية المنافسين , الامر الذي رجح احتمال فوزه في السباق من الجولة الاولي. علي الاقل حتي كتابة هذه السطور ظهر امس. و التقديرات التي سبق ان تحدثت عن ترجيح كفة الدكتور علي ولايتي باعتباره من القيادات التاريخية للثورة ووزير خارجية الامام الخميني الي جانب انه مؤيد من جانب علماء قم , وتلك التي راهنت علي تاييد حرس الثورة لقائده السابق محسن رضائي , او راهنت علي مساندة الباسيج ' قوات التعبئة ' للدكتور سعيد جليلي باعتباره رجل المرشد الذي اشترك في القتال وفقد ساقه في احدي المعارك , هذه المراهنات كلها لم تصمد امام الاقبال الشعبي الجارف الذي رجح كفة حسن روحاني رجل الدين الوحيد بين المرشحين. وفي حين تواترت في اوساط الباحثين مقولة ادعت ان السيد محمد خاتمي سيكون آخر رئيس معمم في الجمهورية الاسلامية فان الانتخابات نسخت هذه الفكرة وقدمت لنا نموذجا لرئيس معمم ولكن من طراز آخر , لان الشيخ روحاني الذي يجيد 4 لغات درس العلوم الاسلامية في حوزة قم ثم درس القانون في طهران وحصل علي الدكتوراه في القانون من جامعة جلاسجو في ايرلندا.

ما الذي حدث حتي غير من التوقعات الي تلك الدرجة؟ اذا حاولنا الاجابة علي السؤال فستظهر لنا عدة عوامل هي :

ان المحافظين توزعت اصواتهم علي ثلاثة مرشحين مما ادي الي اضعافهم جميعا. الثلاثة هم الدكتور علي ولايتي و الدكتور سعيد جليلي ومحسن رضائي. اما الاصلاحيون فانهم اصطفوا وراء مرشح واحد هو الشيخ حسن روحاني , بعدما تنازل له المرشح الاصلاحي الآخر محمد رضا عارف , الذي كان مساعدا للرئيس السابق محمد خاتمي.

ان الراي العام الايراني الذي صدم لاستبعاد الشيخ هاشم رفسنجاني من بين المرشحين الامر الذي فتح الباب للحديث عن شيوع السخط وقدر البعض انه سيكون سببا في ضعف الاقبال علي التصويت , هذه الشرائح جري استنفارها وسارعت الي التصويت حين اعلن الرئيسان السابقان رفسنجاني وخاتمي تاييدهما لروحاني. وهو الاعلان الذي تم في الايام الاخيرة للحملة الانتخابية واسهم في انقلاب المعادلات و الحسابات.

ان الذين صوتوا لصالح روحاني قوة تصويتية وسطية ظهرت وتبلورت بعد مضي 34 سنة علي الثورة. الامر الذي تجاوز تاثير قواعد حرس الثورة و الباسيج. وتجاوز ايضا دور مدينة قم في الحياة السياسية. وهي القوي التقليدية التي ظلت الاقوي تاثيرا بعد قيام الثورة.

احد الاسئلة التي يثيرها تقدم او انتخاب روحاني ينصب علي تاثير ذلك علي السياسة الايرانية. وللاجابة علي السؤال ينبغي ان نلاحظ ان رئيس الجمهورية في ايران ليس من يرسم السياسة الخارجية التي هي مع الامن من الملفات التابعة لمؤسسة المرشد. لكن ذلك لا يلغي تماما دور رئيس الجمهورية الذي يظل دوره حاسما في الشان الداخلي ونسبيا في الشان الخارجي.

في هذا الصدد لابد ان تستوقفنا التركيبة الوسطية في شخصية ومشروع الدكتور روحاني الذي هو ابن الحوزة الدينية وفي قُم , وفي الوقت نفسه , ابن جامعة جلاسجو في ايرلندا ' التي حصل منها علي الدكتوراه في القانون ' . وهو العضو المؤسس في منظمة الروحانيين المناضلين ' المحافظة ' كما انه محسوب علي الاصلاحيين ومؤيد من جانبهم. وهو مندوب المرشد في مجلس الامن القومي رغم ميوله الاصلاحية جنبا الي جنب مع الدكتور سعيد جليلي المحافظ الذي يمثل المرشد ايضا في المجلس. وهو ابن الجمهورية الاسلامية الحريص علي نظامها , لكن له تحفظاته علي سياساتها الخارجية. حيث يدعو الي مرونة اكبر في التعامل مع الغرب , وقد رفع عدد من انصاره اثناء حملته لافتات دعت الي التركيز علي ايران بدلا من غزة ولبنان. وهي رسالة تثير علامة استفهام حول حقيقة موقفه ازاء السياسة الخارجية خصوصا ما تعلق منها بالتدخل الايراني في سوريا وموقف حزب الله في ايران. صحيح انه من المبكر الاجابة علي السؤال الآن. الا ان المقدمات تستدعيه الي الواجهة بعدما غيبته ممارسات السنوات الثماني الاخيرة. مع ذلك فانني اتوقع ان يتبني الرئيس المنتخب خطابا جديدا عند الحد الادني , حتي اذا لم يستطع ان ينتهج سياسة جديدة.

أحمد منصور يكتب عن فضائح السقوط المدوي لاعلام الغرب في تركيا


' ارجو ان تتوقف عن الكلام -- ارجو ان تتوقف عن الكلام -- المقابلة انتهت -- المقابلة انتهت ' -- بهذا الاسلوب الذي يخلو من كل قواعد الاحترام و المهنية انهت مقدمة البرامج في محطة سي. ان. ان الاخبارية كريستيان امان بور مقابلتها يوم الثلاثاء الماضي 11 يونيو مع كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي رجب الطيب اردوغان الدكتور ابراهيم كالن حينما سالته عن العنف المفرط الذي استخدمته الشرطة التركية ضد المتظاهرين الذين هاجموا مقر رئيس الوزراء التركي في اسطنبول و انقرة , حيث قال لها كالن ' ما الذي يمكن ان يحدث في الولايات المتحدة حينما يهاجم متظاهرون البيت الابيض بقنابل المولوتوف ؟ و لماذا يسمي هؤلاء متظاهرين حينما يهاجمون مقر رئيس الوزراء التركي , و يسمون ارهابيين حينما يهاجمون السفارات او المؤسسات الامريكية ' حينها فقدت امان بور صوابها و انهت المقابلة بهذه الطريقة التي تخلو من كل قواعد الاحترام للضيوف لاسيما اذا كانوا في منزلة سياسية رفيعة , و ابراهيم كالن يقوم بنفس الوظيفة التي كان يقوم بها وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو قبل ان يصبح وزيرا للخارجية , و قد زرت ابراهيم كال في مكتبه في مقر رئاسة الحكومة في العاصمة انقرة وهو اكاديمي يتمتع برؤية ثاقبة وعمق سياسي واحد الذين يعتمد عليهم رئيس الحكومة التركية في قراراته , ورغم اني معروف باني اعتمد الحدة و المواجهة في حواراتي التليفزيونية الا اني استطيع ان افرق بوضوح تام بين الحدة و الوقاحة , وقد كانت امان بور وقحة الي حد بعيد , بعد هذا الحوار كنت اتابع عند منتصف الليل من انقرة ما كان يحدث في اسطنبول حينما كانت الشرطة تفض الاعتصام في ميدان تقسيم , وكان يعلق علي الاحداث فريد زكريا رئيس تحرير مجلة ' نيوزويك ' السابق , الذي كان يصف ما يحدث في تركيا بانه حرب ثقافية تشبه الحروب الثقافية التي وقعت في الولايات المتحدة , وقد اتصلت علي احد الزملاء الذين يقيمون في المانيا علي اعتبار يعيش فيها اربعة ملايين تركي فقال لي : ' لم اكره الاعلام الالماني كما كرهته في هذه الايام بعنصريته وكراهيته لاردوغان وحكومته وكل ما هو مسلم لقد افتقد الاعلام الالماني في هذه التغطية الي ابسط القواعد المهنية ' , لقد سقط الاعلام الغربي بجدارة في تغطيته للاحداث التي وقعت في تركيا خلال الاسبوعين الماضيين , وبدت الكراهية الشديدة لحكومة العدالة و التنمية ورجب الطيب اردوغان علي وجه التحديد , وقد رد اردوغان بقوة علي انتقادات الاوروبيين ومطالبتهم باجراء تحقيق في استخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد المتظاهرين وقال لهم ' لماذا لم تغضبوا حينما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع و العنف المفرط في تفريق مظاهرات حركة احتلال وول ستريت في الولايات المتحدة , و الاحتجاجات المماثلة في بريطانيا وفرنسا والمانيا و اليونان , ورغم ان هؤلاء اعضاء في الاتحاد الاوروبي الا انهم كيف فضوا هذه الاحتجاجات وكيف تعاملوا معها ' واتهم اردوغان الاتحاد الاوروبي بانه يكيل بمكيالين , كما شن هجوما علي التغطيات الاعلامية التي لم تقل في ازدواجيتها عن التصريحات السياسية وقال غاضبا ' اذا كانت هذه هي الصحافة فلعنة الله عليها ' .