قراءة تحليلية في الواقع السياسي الحالي : التزوير سيعيد اشعال الثورة و سيناريو الجزائر الخطر الأكبر


كان من المفترض أن يكون اليوم موعد وصول قطار الانتخابات الرئاسية إلي محطته النهائية , وفقا للجدول الزمني للانتخابات الرئاسية المصرية , إلا أن لجنة الانتخابات الرئاسية أعلنت في وقت متأخر أمس تأجيل النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية , لأنها ما زالت تنظر في الطعون التي قدمها المرشحان محمد مرسي و أحمد شفيق اللذان أعلن كل منهما فوزه , و قال الأمين العام للجنة الانتخابات المستشار حاتم بجاتو , إنه لا يمكن تحديد وقت الاعلان عن نتائج الانتخابات لأن اللجنة في الوقت الحالي تستمع إلي ممثلي المرشحين .

و أصدر بجاتو بيانا رسميا جاء فيه ' قررت اللجنة الاستمرار في نظر طعون المرشحين و استكمال فحصها مع ما يستلزمه ذلك من الاطلاع علي بعض المحاضر و الكشوف المتعلقة بالعملية الانتخابية و هو ما يتطلب مزيدا من الوقت قبل إعلان النتيجة النهائية ' .


و كان الحديث عن احتمالات تأجيل النتيجة قد فسره قطاع واسع من الرأي العام كمقدمة للعبث بنتيجة الانتخابات , وصولا إلي تزويرها لمصلحة أحمد شفيق , المرشح المقرب للمجلس الأعلي للقوات المسلحة و آخر وزراء الحكومة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك , لكن الحدث الأهم في هذا الشأن هو مؤتمر صحافي عقدته مجموعة قضاة من أجل مصر أمس , و أعلنت خلاله نتائج فرز اللجان , ليتبين أنها مقاربة جدا لما جاء في الكتيب الذي وزعته جماعة الإخوان المسلمين , و الذي أشير فيه إلي حصول مرسي علي 51.7 في المئة من الأصوات مقابل 48.3 بالمئة لشفيق , و هو ما جعل عضو مكتب الإرشاد في الجماعة , مصطفي الغنيمي , يؤكد أن إعلان مرسي رئيسا لن يكون ' إلا تحصيلَ حاصل ' , لكن هذه الثقة لم تمنع قطاعا واسعا من الرأي العام من توقع إعلان فوز شفيق , مستندين إلي مظاهر الانتشار المكثف للشرطة  , و وجود مكثف لعدد من الآليات العسكرية المتمركزة في مدخل القاهرة ' , يضاف إلي ذلك , أنباء أخذت حملة أحمد شفيق تبثها , عن فرض لحظر التجوال اليوم .


إلا أن الغنيمي وصف الأنباء عن حظر التجوال برغبة جهات معينة في إغراق البلاد في بحر من الشائعات , محذرا من أن جماعته تري الخيارات كلها مفتوحة أمامها في تلك الحالة , و أضاف ' في هذا الصدد لا أعتقد أبدا أننا نقف وحدنا , فالشعب المصري كله لا يمكن أن يقبل أن يقف مكتوف الأيدي حيال تزوير إرادته مجددا , و لا يمكن أن يكون رد فعله في هذه الحالة إلا إعادة إنتاج الثورة ' .


فعلي مدي الأسابيع الماضية , تواترت الأحداث جاعلة من شرعية جماعة الإخوان المسلمين علي المحك , واضعة إياها أمام احتمالين : إما العودة إلي اللقب المفضل للنظام السابق ' المحظورة ' , أو اكتسابها مسمي جديدا يضاف إلي مكتسبات الإخوان من الثورة ' الجماعة الحاكمة ' , فبين عشية و ضحاها جردت المحكمة الدستورية العليا , الجماعة من أغلبيتها البرلمانية , في الوقت الذي لجأ فيه خصوم الجماعة إلي القضاء للطعن في شرعيتها , مستفيدين من أن الجماعة لم تقنن وضعها حتي بعد نجاح ثورة ' 25 يناير ' .


من جهتهم , لم يجد الإخوان أمامهم سوي استغلال قدرتهم علي الحشد و التأثير علي الناس , لا بسبب شعارهم التاريخي ' الإسلام هو الحل ' فقط , بل مستعيرين شعارا جديدا هو حقوق الشهداء و أهداف ثورة 25 يناير بإسقاط نظام مبارك , كل ذلك لضمان بقائهم و عدم عودتهم إلي لقب ' المحظورة ' .


و رغم أن جهود الجماعة لم تذهب هباء , فقد أظهرت مؤشرات فرز نتائج جولة الإعادة تفوق مرشحهم علي شفيق , إلا أن المجلس العسكري لم يمكن الإخوان من الاطمئنان , و لو للحظات , فباغتهم بإصدار إعلان دستوري مكمل يجعل من الرئيس الجديد مجرد موظف يتلقي تعليماته من رئيس المجلس العسكري , لتتراجع من جديد تطلعات الجماعة .


من جهته , رفض القضاء حسم 10 دعاوي قضائية تطالب بحل جماعة الإخوان المسلمين و الحزب الناطق بلسانها ' الحرية و العدالة ' , قبل شهر أيلول المقبل , إلا أنه واقعيا لن ينتظر الإخوان أكثر من اليوم حتي يعرفوا مصيرهم .


و يبقي التحدي الأكبر أمامهم هو حشد القوي الثورية ضد إعلان المجلس العسكري في محاولة لإعادة الانفراد بالسلطة من جديد , استعدادا لأغلبية برلمانية مرتقبة . 


عضو الجماعة و أحد محاميها ناصر الحافي , قال إن الجماعة لا تسعي إلي أن تكون جماعة حاكمة , و إنه يجب الفصل بين الجماعة و دورها السياسي الذي يعبر عنه حزب الحرية و العدالة , و اتهم المجلس العسكري بتعمد اغتصاب صلاحيات الرئيس المنتخب , و خالف كل المبادئ الدستورية بحل البرلمان , و استحوذ علي سلطته في التشريع , و أكمل ' الجماعة لن تقبل علي الإطلاق تطبيق الإعلان الدستوري المكمل و تحويل رئيس الجمهورية إلي مجرد موظف يعمل لحساب المجلس العسكري , و إنما ستواصل الثورة علي النظام السابق و أعوانه لضمان عدم الانقلاب علي الديموقراطية التي عبرت عنها صناديق الاقتراع '  .

و رغم الكلام الفضفاض لعضو الجماعة , إلا أن وصول مرشح جماعة الإخوان للرئاسة يبقي الضمانة الوحيدة لاستمرار وجود الجماعة على الأرض .


لكن في حال حدوث المفاجأة و تصاعد أسهم شفيق في اللحظات الأخيرة , فمصير الجماعة إلي زوال بلا شك , و هو ما من شأنه أن يفقد مصر ثورتها السلمية و يصبغها بلون دموي , وفقا لرئيس قسم التاريخ في الجامعة الأميركية في القاهرة خالد فهمي , و الذي أوضح أن المجلس العسكري استخدم القانون بدلا من الدبابات لإحداث انقلاب عسكري , لافتا إلي أن الظروف الراهنة تبعث علي القلق , مرجحا حدوث مواجهة دموية بين العسكر و الإخوان في الأيام المقبلة .


و رغم تخوف البعض من سيناريو 1954 و سيناريو الجزائر 1991 , تبقي إطاحة الإخوان و الزج بهم في السجون هي الخيار الأكثر تبادرا إلي الأذهان في الوقت الحالي , و لا سيما مع توارد أنباء , حرصت الجماعة علي نفيها , عن تورط العقل المدبر للجماعة , خيرت الشاطر , و أبرز قيادييها محمد البلتاجي , في قضية اختراق المطابع الأميرية و تسويد بطاقات الانتخاب لمصلحة مرشح الجماعة محمد مرسي , و هو ما يمكن أن يستغله المجلس العسكري في الاطاحة بالجماعة و مرشحها في وقت واحد .

ليست هناك تعليقات :