الخشية على مصر حين يتحزب اهلها و يتعصبون فتضيع منهم القضية


معتز بالله عبد الفتاح ... حين نطالع بعض كتب التفكير النقدي ' Critical Thinking ' نجد انها تقوم بالتفرقة بوضوح هذه المصطلحات الثلاثة مصطلحات وتربطها بشكل مباشر بمجالات السياسة و الاعلام و الدين لانها المجالات التي عادة ما يكون فيها مساحة كبيرة من الجدل و الصراع .

الفرق بين الموضوعي و المتحيز هو كالفرق بين الحقائق و الآراء , و يفترض ان الموضوعية هي التحييد التام للمشاعر و المصالح . فيكون الناطق او الكاتب بعيدا تماما عن اي تاثيرات شخصية او حزبية اثناء اصداره اي احكام.

اما المتحيز فهو من يغلب المشاعر ' بغض وحب ' او المصالح علي احكامه . فهو كمن يرتدي نظارة حمراء فيري الكون كله بهذا اللون , ويقف علي النقيض منه من يرتدي النظارة الزرقاء فيري الكون كله بهذا اللون.

وبين هؤلاء واولئك ولصعوبة الطرح الموضوعي غير المتاثر بالمشاعر و المصالح , ولاستحالة الوصول الي الحقيقة بالاستماع فقط الي الآراء المتحيزة , اخترع البشر فكرة ' التوازن ' في الطرح. وهي ان يفترض في الشخص , ان استطاع , لان الكثيريين قد لا يستطيعون ذلك بحكم التركيب الشخصي او نوعية التعليم الذي تلقوه , ان يرتدي النظارة الحمراء لبعض الوقت ليفهم كيف يفكر هؤلاء ثم يرتدي النظارة الزرقاء بعض الوقت ليفهم كيف يفكر اولئك ثم يصدر حكمه بعد الاستماع لكل الاطراف.

ولا غرابة في ذلك , فهذه هي مهنية القاضي النزيه الذي عليه ان يوازن بين الادلة المختلفة وصولا الي حكم عادل. وهو دور الحكام البارعين في مباريات الرياضة حيث يقررون بكل حيدة من ارتكب مخالفة ونوع العقوبة الموقعة علي اللاعب. ومن هنا جاء مصطلح ' نافخ الصفارة ' او ' whistleblower ' ليشير الي مجموعة من الاشخاص او الجمعيات المستقلة غير المنحازة سلفا و التي تقوم بدور ضمير المجتمع و المنبه له حال وقوع فساد من اي شخص او مؤسسة بغض النظر عن انتمائه السياسي او الديني او الاقتصادي.

السؤال كم شخصا او صحيفة او محطة تليفزيونية او مؤسسة مجتمع مدني تعمل في مجال حقوق الانسان في مصر تتصف بالتوازن ' ولن اقول الموضوعية ' ؟ اترك الاجابة للقارئ , لكن بالفعل نحن نواجه مشكلة اننا مجتمع من ' الهتيفة ' . كل واحد عنده اهله وعشيرته وانصاره الذين جمعوا خصال الخير كله ضد جماعة اخري ممن جمعوا خصال الشر كله. ولا يتصور عند اي من الفريقين ان يكون هناك بينهما اشخاص لا ينتمون لاي من الفريقين او لا يجعلون انتماءهم لاي من الفريقين يمنع عنهم قول الحق حتي لو كان في صالح الفريق المضاد.

ومع سيادة منطق ' الهتيفة ' فان الراي لا بد ان يكون باعلي صوت وباقل درجة من درجات اللياقة وكانها ساحة لتبادل السباب.

الامام مالك يقول : ' اذا رايت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب فاعلم انه معلول النية لان الحق لا يحتاج الي هذا ' . ويقول ديفيد هيوم : ' قوة المنطق لا بد ان تكون اقوي واكثر منطقية من منطق القوة , والا اختفي المجتمع ' . وكما قلت من قبل , لا اخشي علي مصر من اسرائيل او اي دولة اجنبية , اخشي علي مصر من بعض المصريين حين يضعون الشخص فوق المبدا , الذات فوق المجموع , النفس فوق العقل. نعم اخشي علي مصر من المصريين حين يفكرون بمنطق الثار وليس بمنطق العدل . بمنطق الماضي وليس بمنطق المستقبل , بمنطق العصبية وليس بمنطق التعددية.

اخشي علي مصر حين يتحزب اهلها ويتعصبون فتضيع منهم القضية. هل تتذكرون حينما خرج بعض المصريين منتصرين لسعد زغلول ورافضين لعدلي يكن حتي ولو كان علي حساب القضية رافعين شعار : ' الاحتلال مع سعد خير من الاستقلال مع عدلي ' ؟

هذه عصبية بغيضة ان تمكنت من قوم افقدتهم صوابهم , هي نفس العصبية البغيضة التي جعلت اتباع مسيلمة الكذاب يدافعون عنه لانه من قبيلة ' رَبيعة ' ولم يؤمنوا بالرسول محمد لانه من قبيلة مُضر قائلين : ' كذاب رَبيعة احب الينا من صادق مُضر ' .

و الكل يظن انه يحسن صنعا , و سيظلون مختلفين الي ان يحكم بيننا الله يوم القيامة .

ليست هناك تعليقات :