اذا كنت تدين فرض الحصار علي المحكمة الدستورية للتاثير بالسلب علي قضاتها عند نظر قضية ما , فان الموضوعية تقتضي ان تكون ضد الاحتشاد حول المحكمة للتاثير بالايجاب علي القضاة عند نظر قضية اخري.
والاصل في الموضوع ان القضاء ينبغي ان يمارس مهمته المقدسة بعيدا عن التشويش الشعبي و الصخب الجماهيري , ومن هنا فان ارهاب القضاء يتساوي مع تشجيع القضاء , لان جلسة انعقاد المحكمة تختلف تماما عن مباراة كرة قدم , لا يكون لها طعم او معني بدون الحشد الجماهيري.
وكما اعلن قضاة الدستورية امتعاضهم وغضبهم من حصار المحكمة من قبل مجموعات تنتمي للاسلام السياسي قبل نحو شهرين , فان عليهم ان يرفضوا ايضا منطق العمل في جلسة اليوم تحت ضغط الجماهير المؤيدة و المدافعة عنهم , خصوصا مع انتشار دعوات التظاهر عند المحكمة لدعم القضاة وتشجيعهم مع نظر الدعاوي الخاصة بحل مجلس الشوري و الجمعية التاسيسية.
ان احدا لم يوافق علي حصار الدستورية حين زحف اليها الاسلاميون في مشهد اسال الدموع علي هيبة القضاء , وجعل القضاة يتوقفون عن عملهم , ووصل الامر الي تدويل الازمة باستدعاء بيانات الادانة من المحاكم الدستورية حول العالم , تاسيسا علي ان القضاء ينبغي ان يكون بعيدا ومرتفعا ومترفعا عن معارك السياسة وصراعات القوي الحزبية.
وازعم انه بالمنطق نفسه وبالمعيار ذاته ينبغي ان ينسحب هذا المبدا علي كل الحالات وفي كل الظروف , بحيث لا يكون الحشد و الاحتشاد حول المحكمة مرفوضا ومكروها وكريها في موقف , ثم يكون مقبولا وجائزا بل ومطلوبا في موقف آخر.
ومعلوم من الممارسة السياسية بالضرورة هذه الايام ان كل حشد ينتج عنه حشد مضاد , فماذا لو تداعت قوي سياسية اليوم للتظاهر عند الدستورية , فردت عليها قوي اخري بحشد آخر في المكان ذاته؟ ساعتها سنكون امام لعب بالنار , وانتاج لحالة من الصدام , احسب ان احدا لن يربح من ورائه , لا القضاء , ولا القضية نفسها.
والامر ذاته ينطبق علي حصار مدينة الانتاج الاعلامي , الذي رفضه واستنكره الجميع في المرة الاولي , ويلوح تيار سياسي باعادته مجددا في ذكري الثورة , وهو الامر الذي رد عليه تيار آخر بالدعوة للتطوع احتشادا عند المدينة في مواجهة التيار الاول , وهذا ايضا لعب بالنار , ينذر باوخم العواقب , وما جري عند ' الاتحادية ' ليس بعيدا عن الذاكرة.
ان هذه اللحظة تستوجب من العقلاء في كل التيارات ان يتحلوا باقصي درجات المسئولية السياسية , في ظل ما يتردد عن استعدادات يشوبها التوتر و التشنج لاحياء يوم 25 يناير القادم , فلا احد يرفض استكمال مسيرة الثورة وتحقيق غاياتها , غير انه لم يعد مطلوبا ولا مقبولا ان تسيل دماء جديدة في لعبة سياسية مجنونة.
فليستمر الغضب النبيل , ولترتفع المطالب بتحقيق مطالب الثورة , وتصحيح مسارها , لكن دون اسالة دماء او اشعال حرائق عبثية لن ينجو منها احد .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق