عندما تقاد الثورة من ملوثها شفيق وائل قنديل


ها هو الجنرال الهارب يطل بوجهه مرة اخري -- هذه المرة يتحدث باعتباره الراعي الرسمي لما وصفه من قبل بانه ' الثورة علي يناير ' و ليس استكمال ثورة يناير , و الجديد هنا انه يطور اداءه من التمسح و التمحك الي الارشاد و الرعاية وادعاء المشاركة في القيادة و الحشد.

ومرة اخري لا يجد هذا الذي توعد بسحق الميدان لو انتقض ضد فرضه رئيسا علي البلاد , لا يجد من يسكته او يلقمه حجرا ويقول له لست من هذه الثورة وهي ليست منك او لك او بك او معك -- الكل يكرر التجربة التي اثبتت فشلها من قبل , تجربة الحشد الرقمي و الكمي دون انتباه للكيف و النوعية -- تجربة فتح ميادين الثورة لاستقبال جمهور الثورة المضادة مادام يحمل تاشيرة كراهية للاسلام السياسي ولرئيس الجمهورية المنتخب.

لقد كانت الثورة وستظل ابداعا شعبيا مصريا , وليست صناعة ضاحي خلفان ومن يوفر لهم مظلة العبث الآمن.

ان احدا لا ينبغي ان يلتزم الصمت امام اخطاء وخطايا وقعت فيها قوي الاسلام السياسي , او يمتلك رفاهية السكوت علي اداء يري انه لم يكن علي مستوي توقعات وتطلعات الثورة , غير ان ثمة فارقا جوهريا بين الغضب و الاحتجاج من اجل تصحيح المسار , وتحقيق الردع الشعبي للانحراف عن الهدف و الانفراد بالقافلة , وبين كراهية عمياء مسكونة بفيروسات الارتداد عن قيم يناير قد تقود الي هدم الدولة وليس اسقاط النظام الحاكم.

واكرر هنا ما قلته من قبل : ان الذين يسلكون وكانهم في نسخة مطابقة من ' جمعة الغضب ' الخالدة يوم ٢٨ يناير ٢.١١ , يتناسون انها ما كانت لتخلد في التاريخ لولا انها كانت جمعة بلا اعلام او شارات حزبية وتصنيفات فكرية , بل كانت جمعة كل المصريين , ولم تكن مفردة ' النخبة ' قد احتلت قاموسنا السياسي بعد , اذ كان الشعب كله في حالة صعود الي قمة الحلم الجمعي.

وليس معني اجترار هتافات وشعارات ' جمعة الغضب ' هنا وهناك , اننا امام جمعة غضب حقيقية , فالحلم لم يعد واحدا , و الجمع صار طوائف وجماعات متناحرة متناثرة.

لقد حذرت في هذا المكان غير مرة من اختفاء الفواصل و الحدود بين ' المنصة ' و ' ميدان التحرير ' ومع الاقرار بان المسئول عن ذلك هو نظام الرئيس محمد مرسي ذاته , الا ان ذلك يتطلب من القوي الثورية ان تظل يقظة وحريصة من تسرب مكونات فلولية الي الساحة , ففي ذلك قمة الامتهان لكل القيم النبيلة التي يغضب من اجلها المصريون.

واعيد التذكير ' ان اخطر ما يمكن ان تصاب به المعارضة المصرية الحقيقية ان تسمح بعلاقات تجاور و التقاء مع معارضات اخري فاسدة ومزيفة , لمجرد ان الخصم واحد , لان المهزوم في هذه الحرب غير المقدسة لن يكون النظام الحالي ولا الاخوان ولا الاسلام السياسي , بل ستكون مصر كلها هي المهزومة , وستكون ثورة يناير هي وقود الحرب واشلاؤها ودماؤها , لينفتح مشهد النهاية علي عودة النظام القديم بكامل عداده وعدته.

اقول قولي هذا واستميح الثورة عذرا لي ولكم.

ليست هناك تعليقات :