في زمن الحرب العالمية الثانية , تعرضت بريطانيا للقصف العنيف في صباح احد الايام , فاجتمع ونستون تشرشل رئيس الوزراء مع قادة الحرب و الاركان , وسالهم عن محكمة تقع بالقرب من منطقة القصف وعن ما اذا كانت تواصل عملها ام لا , فاكدوا سلامتها وسلامة العمل بها , فاكد لهم تشرشل سلامة مستقبل بريطانيا , وقال قولته الشهيرة و التي باتت من الماثورات : طالما ان القضاء بخير فان بريطانيا بخير وسنفوز بمعركة المستقبل.
نفس الامر قاله الجنرال شارل ديجول , مؤسس فرنسا الحديثة القوية , في ذات الزمن , لان امور الحرب و المعارك تتبدل فيها المواقف , اما القضاء و القانون , اذا ما تعرضا للقصف فستكون البلاد كلها الضحية.
ونحن الآن في مصر , نفعل العكس تماما , مما فعله تشرشل وديجول , ليس فقط علي مستوي الادارة العليا للدولة او علي مستوي الذين في يديهم دفة الامور , بل علي كل المستويات , من قمة السلطة , انتهاء باصغر مواطن يلقي حجرا علي محكمة , ومن الاختلاف علي القوانين التي تحكمنا , وليس انتهاء بهيبة القضاء و المحاكم , واحترام القاضي واحكامه.
واذا كان يمكن تقبل فكرة الاستقطاب في السياسة او حتي الاقتصاد لبعض الوقت , فانه لا يمكن تقبلها ولو للحظة واحدة , عندما يتعلق الامر بالقضاء و العدالة , وهذا بالضبط الخطر الذي نتعرض له جميعا , وهو خطر علمنا التاريخ انه سيضرب البلاد في مقتل , خاصة عندما تكون القوي المهيمنة في البلاد راغبة في تفصيل القوانين علي هواها , وتطبيقها بالطريقة التي تروق لها.
قد يفرح البعض بحكم هنا , وقد يغضب البعض من حكم هناك , و الجميع , حينما يكون الحكم في صالحهم فيصفون القضاء بانه عادل ويهتفون : ' يحيا العدل ' , اما اذا جانب الحكم ما كانوا يصبون اليه هتفوا باعلي الصوت : ' الشعب يريد تطهير القضاء ' .
الاستقطاب الحاصل في البلاد , وضع القضاة و القضاء في ميزان الساسة و السياسة , وهو بالضرورة غير ميزان العدل و العدالة , ووضعنا جميعا في مازق لا نجاة منه , الا بالابتعاد الكامل عن القانون و القضاء و القضاة واحكامهم , واعلان استقلال القضاء من جديد , وتقديسه كما كان , ومنحه الفرصة ليطهر نفسه بنفسه , كما كان يفعل , من اجل صالح البلاد و العباد.
الي الذين يحاصرون المحاكم , و الذين يستهزاون بالقانون , و الذين يهاجمون القضاة , و الذين يرهبون العدل -- الي رئيس الدولة ورئيس الوزراء و الوزراء , الي الاخوان و السلفيين و الليبراليين و اليساريين , الي قادة الاحزاب الي الزعماء و القيادات , الي الثوار انفسهم والي شباب الالتراس , الي الاعلام بصحفه وقنواته الي الصحفيين و الاعلاميين -- الي المتهمين و الضحايا -- الينا جميعا : سنندم لو خرج القضاء عن قضبان الاستقلال التام , وربما لن نجد الوقت حتي لنندم.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق