رهان ليبرالي خاسر لاقصاء الاسلاميين عن السلطة


مقال مرسل لحديث العرب من الكاتب الصحفي السعودي الدكتور
عبد المجيد الجلال ... لم يعد خافيا علي كل ذي رايٍ وبصيرة , ذلك العبث السياسي الذي تمارسه بعض النُّخب العربية باسم الليبرالية و الديمقراطية , وباسم الحريات السياسية , وحقوق الانسان , وهي لا تعدو ان تكون دعاوي زائفة , واقاويل باطلة , اتُخذت غطاء لممارسات سياسية انتهازية ضيقة الافق , تُغذيها المصالح الخاصة , و المنافع الخاصة , و الاهواء العابثة , تتمترس خلف اطارٍ ليس باطارها , واهدافٍ ليست باهدافها , ولا غاياتها .

في المشهد المصري انموذجا وواقعا , تبدو بعض القوي السياسية التي تُصنّف نفسها بالليبرالية و المدنية , في حالة من الهشاشة و الفوضي الفكرية و السياسية و السلوكية , علي وقعِ الرصيد الشعبي للقوي الاسلامية , ونجاح الاخيرة في الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية و الرئاسية. هذا الامر افقدها التركيز و الوعي السياسي , فاخذت تتمرغ اكثر في وحل الانتهازية , عبر التحالف مع قوي سيئة السمعة , لا رصيد لها في الشارع المصري , وفي مقدمتها : فلول النظام السابق , واصحاب المال و الاعلام و الفن الفاسد في محاولة محمومة ومستميتة لاقصاء القوي الاسلامية , و الاستئثار بالسلطة و النفوذ السياسي , وباي ثمن , وعبر اساليب وادوات غير مقبولة , من ابرزها : الاستقواء بالاجنبي , وافتعال الاحداث و المشكلات , وتحريض المؤسسة العسكرية للانقلاب علي الشرعية وارادة الشعب , واثارة النَّعرات الطائفية و الفئوية , وبث الشائعات لخلخلة الامن و الاستقرار. و العمل وفق منهجية محددة لضرب الاستقرار الاقتصادي , وتعطيل دوران عجلة الانتاج و التنمية , وصولا الي افشال برنامج النهضة الذي يتبناه الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي. ومن ثمَّ افشال التجربة الاسلامية في الحكم , و القضاء عليها في مهدها. كل ذلك يتم دون ادني اعتبار للمسؤولية الوطنية , او قواعد اللعبة الديمقراطية.


ولا شكَّ انَّ هذه السلوكيات الانتهازية , وادواتها وآلياتها , وهذا التناحر و التناكف السياسي , لن يفضي الا لمزيد من التعقيدات في المشهد السياسي المصري , والي استدامة المشكلات و الصعوبات الاقتصادية و الاجتماعية الراهنة.


ومن ثمَّ فانَّ الامر يحتاج الي وعيٍ مجتمعي ونخبوي باهمية الاعتراف و القناعة معا باللعبة الديمقراطية , مهما كانت نتائجها , و العمل علي تهيئة البيئة المولِّدة لاُطر وقواعد الممارسة السياسية الايجابية , التي تعتمد الشفافية و المنافسة البناءة , وتضع في مقدمة اهدافها تغليب مصالح البلاد و العباد , وخدمة اهداف الاستقرار و التنمية. فالرضا و القناعة بما تفرزه آلية الانتخاب , وصناديق الفرز , هي الضامن لحراكِ سياسي فاعل يؤدي الي تداول سلمي للسلطة , وتوطين مناخ صحي لهذه الممارسات , في اطار التعددية السياسية و الحزبية القائمة. 


امَّا ما يحدث الآن في مصر الكنانة , من قبيل فصيلٍ سياسي يفتقد زخم الشارع , فهو في تقديري سباحة ضد التيار , ولا يخدم معطيات الاستقرار و التنمية , بلْه يستهدف تفريغها من مضمونها وكنهها الاساسي.


علي ايَّة حال فانَّ الرِّهان في هذه المرحلة التاريخية المازومة , سيكون حتما علي وعي المجتمع المصري وحسه الوطني و الديمقراطي. واقرار الدستور المصري باغلبية مريحة , يؤكد صوابية هذا الرِّهان , و القدرة العالية لمخزون هذا الوعي في التمييز بين الغث و السمين , و الحق و الباطل , و الصالح و الفاسد , و الوطني و الانتهازي. وفي النهاية , وكما يقال لا يصح الا الصحيح.

كلمة اخيرة : لا تتوفر علي المستوي المجتمعي العربي , علي الارجح , ثقافة اللعبة السياسية الديمقراطية , وادواتها , وآلياتها , او حتي البيئة القانونية و التشريعية الحاضنة لها , التي تحفظ لها عنفوانها وشفافيتها , بعيدا عن الممارسات الخاطئة , و المصالح الضيقة.

حِكمة : الحقُّ اَبْلَجُ وَالبَاطِلُ لَجْلَجٌ‏.

ليست هناك تعليقات :