جمال سلطان ... التيار الاسلامي بجميع روافده يحظي بقبول عام في المجتمع المصري كما في اي مجتمع عربي آخر , بحكم موجة الاحياء الديني التي غيرت وجه كثير من المجتمعات طوال العقود الماضية , و لا توجد اي مفاجاة في فوز التيار الاسلامي في اي نزال ديمقراطي , سواء كان انتخابات او استفتاءات , هي بديهيات سياسية يعرفها مواطنو بلداننا كما يعرفها مراكز الابحاث في الخارج وصناع القرار , و الذين يتحدثون عن تدخلات وتاثيرات او تزوير لتبرير خسارتهم النزال الانتخابي امام الاسلاميين هم اول من يعرف انهم يخدعون انفسهم و الناس , المعادلة شديدة الوضوح , وهي لم تاتِ عبثا , او خبط عشواء , او بدعوي استخدام الاسلاميين للشعارات الدينية , فالجميع يستخدمها , ولكن الناس لديها حاسة الفرز الفطرية , بين من يمثل عليهم بالدين ومن يتعايش معهم به علي مدار اليوم و الساعة في مناسباتهم الاجتماعية وفي همومهم وافراحهم واحزانهم ومصائب الدنيا وعاديات الزمن , بينما يشتغل الآخرون بمحاولات استثمار الدين طائفيا من باب النكاية السياسية , فتراهم في الكنائس اكثر مما تراهم في المساجد , لمجرد النكاية او الظهور ' الاعلامي ' بمظهر التسامحي و المنفتح , وهي ' حركات ' تصلح للتصدير الخارجي و الفضائي , ولكنها لا تصلح لبناء جسور ثقة او تصالح انساني حقيقي وصادق ومؤثر مع المجتمع , اضف الي ذلك ان الاسلاميين دفعوا ثمن صلابتهم السياسية و الاخلاقية و العقائدية من اعمار واجيال ذهبت علي اعواد المشانق او في اقبية السجون , فالاسلاميون يحصدون ثمار جهد اخلاقي وتعبوي دؤوب وعظيم قدموه علي مدار سنوات طويلة , بينما كان الآخرون يستدفئون بظل السلطة او يعملون في فنائها الخلفي او يؤثرون السلامة ويكتفون بنظرات الاحتقار و الاستعلاء في مواجهة الشعب المغلوب علي امره .
ومن ثم , فمن تحصيل الحاصل ان نؤكد ان الاسلاميين هم فرسان اي سباق انتخابي في مصر الآن ولعدة سنوات مقبلة , وخصوم التيار الاسلامي يدركون ذلك جيدا , ولكن رهانهم الحقيقي علي امكانية تآكل نفوذ الاسلاميين الشعبي مع الوقت ومع الممارسة السياسية التي يكثر فيها الخطا , وهو رهان حقيقي وعملي وممكن , ولكن يشترط له ان يكون هناك بالمقابل جهد شعبي حقيقي من قبل الآخرين, وتواصل مع جذر المجتمع واحترام لهويته وحساسياته الدينية و الاخلاقية , اما ممارسة السياسة عبر تغريدات تويتر و الاحتماء باستديوهات الفضائيات من غبار القري و النجوع و البوادي و الشوارع و الحواري و المصانع و الغيطان , اما ممارسة السياسة عن طريق التعالي و الاستكبار واحتقار قيم المجتمع وهجاء مقدساته , فهو يصلح للصالونات النخبوية المغلقة , البائع فيها هو المشتري , ولكنه لا يصلح للتواصل مع ملايين المصريين , فالتصالح مع الامة , و التصالح مع الناس , و التصالح مع المجتمع شرط اساس لتحقيق طفرة في العمل السياسي الديمقراطي الحقيقي و الجاد , واذا حدثت هذه المصالحة من قبل التيار ' المدني ' , فانها بالتاكيد ستؤدي الي مصالحة وطنية شاملة , لانها تقلل الفوارق الايديولوجية و الثقافية و القيمية بين التيارات المختلفة , وتجعل قاعدة المشترك اوسع كثيرا من مساحات المختلف فيه , وهو ما يمثل اهم ضمانة للسلام الاجتماعي وترسخ المشروع الديمقراطي علي اسس سليمة وثابتة , باختصار , التيار المدني بحاجة الي خطاب انساني جديد , ووعي سياسي وانساني نابع من عمق الخبرة المصرية , بعيدا عن الاستيراد او الاستنساخ او الاستسلام للكسل الفكري المدمر للابداع و البصيرة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق