الشحن الاعلامي الذي نطالعه هذه الايام في مصر يبعث الينا برسالة خلاصتها ان يوم 25 يناير سيكون يوم حسم الحرب الاهلية المستعرة في المحروسة , او عند الحد الادني يوم الفوضي الذي يمهد لحسم تلك الحرب. هكذا تدل العناوين التي تتصدر الصفحات الاولي للصحف ومنها علي سبيل المثال ما يلي : المواجهة تتصاعد مصر تنتظر 25 يناير الاحتقان يتصاعد ساعة المواجهة تقترب الغضب الساطع آت الالتراس يهدد بالدم الاقنعة السوداء تعلن : سنحافظ علي الثورة و سنتصدي وزير الداخلية : اخشي من عنف يؤدي الي انهيار الدولة حرب شوارع في الاسكندرية بروفة ل 25 يناير بالثغر 52 حزبا و حركة ثورية تحتشد في الميادين و 6 ابريل تحذر الجماعة من النزول -- .الخ .
علي هذا المنوال استمرت عملية الشحن و التعبئة التي تقول لنا بصريح العبارة انه لا يراد لذلك اليوم ان يمر علي خير. وهو انطباع خالفتني فيه صحفية لبنانية كانت لها قراءة اخري , اذ اعتبرت ان تلك التلويحات من علامات الحيوية و الفوران الذي لم يهدا في الشارع المصري رغم مضي سنتين علي الثورة. ودللت علي ذلك بما يجري في الساحة اللبنانية التي لا تكف الجماعات و الاحزاب السياسية فيها عن الاحتراب الاعلامي طول الوقت. وهو احتراب يتجاوز التراشق اللفظي واطلاق التهديدات و الاتهامات , ولكنه لا يخلو من اشتباكات يحتكم فيها الي السلاح بين الميليشيات الحقيقية المدربة و الجاهزة , و التي تنتظر الاشارة في اي وقت. وعلقت علي هذه النقطة الاخيرة قائلة بان مصر لم تعرف الميليشيات بعد. و البلطجية الذين يظهرون في المظاهرات هم في احسن حالاتهم مجرد هواة ومبتدئين اذا ما قورونوا بالحاصل في لبنان. صحيح ان هناك اختلافا كبيرا بين التركيبة و الطبيعة السكانية في البلدين , ولكن اكثر ما يميز مصر ان فيها دولة وجهاز ادارة ثابتا ومستقرا منذ امد بعيد , لان ضعف الدولة في لبنان كان من العوامل التي ساعدت علي تقوية دور الميليشيات فيها , حتي اصبحت تشكل اكثر من دولة اخري موازية.
لا تطمئننا ولا تبهجنا هذه المقارنة , لاننا اذا احترمنا خصوصية الحالة اللبنانية وقدرنا فضائلها , فلا اظن ان الثورة قامت لكي تتفوق الميليشيات فيها علي نظيرتها هناك. ذلك ان ما يسمي بميليشيات عندنا فيه من الوهم اكثر مما فيه من الحقيقة ومبلغ علمي انها سُبَّة يتم التراشق بها اثناء احتدام الخلاف بين الفرقاء , وفي كل الاحوال فان الشائعات المثارة في هذا الصدد لم تؤيدها اي تحقيقات او بيانات رسمية , قضائية او غير قضائية. حتي البلطجية الذين يظهرون في التظاهرات لايزال امرهم غامضا , بحيث اننا لم نعرف بعد هل هم مجرد عاطلين واصحاب سوابق , ام انهم مجندون لاداء مهام معينة , وهل هم جسم واحد ام جماعات متفرقة. ثم اننا لم نعرف بعد من يقف وراءهم , رغم تواتر الاشارات في التصريحات و التقارير الاعلامية الي انهم مدفوعون وممولون من جانب عناصر لم تتحدد هويتها , وان ذكر فلول النظام السابق بينها.
ان اخشي ما اخشاه ان يستسلم العقلاء للانفعال فلا يقاومون ضغوط التعبئة و التحريض , ثم نجد انفسنا في نهاية المطاف وقد صرنا ازاء حالة من الانفلات تحقق لدعاة الفوضي وهدم المعبد علي الجميع غرضهم. وكاي مشهد للعنف او حريق فانه ما ان تطلق الشرارة الاولي حتي تنفتح الابواب علي كل الاحتمالات , بما فيها الاخطر و الاتعس.
ادري ان بعض العقلاء الذين ايدوا الخروج يوم الجمعة حذروا من العنف واستبعدوا فكرة اسقاط النظام , وقالوا ان في البلد رئيسا منتخبا ديمقراطيا , وللديمقراطية آليات تسمح باقصائه حين تنتهي مدته. الا ان من الواضح ان حملة التعبئة و الاثارة و التحريض كانت اعلي , حتي خفتت الي جوارها اصوات العقلاء , و العناوين التي سبقت الاشارة اليها تشهد بذلك , حيث قرانا فيها الجموح و الاثارة , باكثر مما قرانا صدي العقل و المسئولية.
ان مغامرة التحريض علي العنف , واعتبار اقتحام واحراق محكمة جنايات الاسكندرية ' بروفة ' لما يمكن ان يحدث في 25 يناير كما قالت احدي الصحف بمثابة لعب بالنار. اذ تعبر عن خفة تفتقد الي المسئولية , وتعكس مزاجا خطيرا يزايد به البعض علي الجميع , ويبدون استعدادا لاحراق البلد لتصفية الحساب مع الاخوان ورئيس الدولة , هذا اذا لم يستهدفوا ايضا اجهاض الثورة برمتها.
ان الخلاف مقبول في كيفية الاحتفال بذكري قيام الثورة , وقد تتباين اجتهاداتنا بشان ما ينبغي ان يرفع من شعارات او يوجه من نداءات في هذه المناسبة , الا ان كل المختلفين الذين لديهم حد ادني من العقل و المسئولية ينبغي ان يتفقوا علي شيء واحد علي الاقل , هو الاصرار علي رفض العنف وقطع الطريق علي اي منفذ له كيف؟ احاول الاجابة عن السؤال غدا باذن الله .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق