تعب الرجلين و العقل معتز بالله عبد الفتاح



' يا محمد يا جميل , كيف حالك؟ ' سالت صديقي محمد الميكانيكي.

' زهقان آخر زهق , بقالي 5 ساعات بلف في البلد علشان اجيب موافقة علشان اجدد رخصة الورشة. لففوني من موظف لموظف ومن مكتب لمكتب وفي الآخر لقيت نفسي رجعت لنفس الموظف الاولاني خالص علشان يخلّص لي الورقة. عارف ليه؟ لم ينظر الي الورق بتاعي في الاول , فافتكرني باقدم علي رخصة ورشة جديدة مع اني فقط كنت اجدد الرخصة القديمة ' . قال صديقي وهو حزين.

قلت له : ' طيب ما هذا هو حال مصر كلها. نحن لدينا نخب سياسية شبه الموظف اللي حضرتك بتقول عليه ده . نخبة تجيد اضاعة الفرص و البكاء علي اللبن المسكوب وتحميل الآخرين مسئولية اخطائها ثم نكتشف اننا دفعنا ثمنا باهظا في ما كان يمكن ان نحققه بتكلفة اقل , لو اننا كنا خططنا خطواتنا. دارسو الادارة يقولون : التفكير قبل الفعل تخطيط . و التفكير بعد الفعل تبرير او عويل. ونحن اساتذة في التفكير بعد الفعل. وعلي راي المثل : ' من خف عقله تعبت رجليه ' . نحن مجتمع لديه نخبة بعض عقلها خفيف ولا تعرف كيف تخطط لنفسها وتعمل الحاجة بعد ما تكون تكلفتها ارتفعت جدا. خذ اي قضية كبيرة تكتشف اننا مجتمع خف عقله فتعبت رجلاه فعلا. مثلا البعض رفض تعديلات دستور 1971 في 19 مارس 2011 بحجة ان دستور 1971 ' لا يمكن ترقيعه وانه سقط بسقوط النظام , ولا يمكن ان نبني النظام الجديد علي القديم ' . ثم ياتي منهم من يقول انه معترض علي الدستور الجديد ويطالب بعودة الدستور ' الساقط المرقّع ' كي يكون دستورا لفترة انتقالية لمدة سنتين لحين كتابة دستور جديد. سبحان الله , ما هذه كانت فكرة تعديلات دستور 1971. طيب ما كان من الاول : لكن من خف عقله تعبت رجلاه. ويحدث الآن نفس الشيء . يصف الدستور الجديد بانه الدستور المشوه الباطل الطائفي الفاسد وهكذا. وكل ما يواجه مشكلة يجد لها اجابة في الدستور , يستعين به ويقول نطالب بتطبيق المادة كذا التي تقول ان النائب العام يقوم بتعيينه المجلس الاعلي للقضاء وفقا للدستور ' لكن عادة في هذا التوقيت لا يقول الفاسد الطائفي المشوه و الكلام ده ' . لما حدثت مشكلة منعت اصدقاءنا الاقباط من استكمال مبني خدمات ملحق بكنيسة في شبرا , وجدت محاميا قبطيا شهيرا ممن كانوا يعترضون علي الدستور بشدة باعتباره دستورا اخوانيا سلفيا طائفيا يطالب بحق المسيحيين في بناء دور العبادة وعدم التمييز ضدهم واقتبس مادتين من الدستور. وحين يشارك بعض المنتسبين الي الاخوان انفسهم الدستور ثم لا يستندون اليه اثناء اتخاذ القرارات المصيرية مثل تجاهل ان رئيس الجمهورية لم يعد مطلق الصلاحيات وفقا لنظرية ' اعمال السيادة ' وانما عليه ان يمارس صلاحياته من خلال وزرائه , فهذا يعني ايضا اننا لا نتعلم من اخطائنا واننا كمن خف عقله فتعبت رجلاه ' .

' طيب وبعدين يا زعيم , هنعمل ايه؟ ' سالني صديقي.

' لازم من نخبة جديدة تتميز بخمس صفات :

اولا , تعرف كيف تكسب القضية دون ان تخسر منافسيها. نخبة لا تحب ولا تكره مثل طلبة المدرسة الثانوي , نخبة تختلف وتتفق.

ثانيا , نخبة قادرة علي الحوار مع الذات ومع الآخرين , مع المنتمين لنفس الفصيل الايديولوجي ومع المنتمين للفصيل الايديولوجي الآخر بدون استدعاء الكبرياء الغاضب علي الآخرين و الغاصب لمفهوم الحقيقة المطلقة ومعاني الفضيلة المطلقة.

ثالثا , نخبة لديها نصيب من النجاح في مجالاتها غير السياسية , نخبة وراءها قصص نجاح في بناء شركات قطاع خاص قوية او مؤسسات مجتمع مدني متميزة . وبهذا ستتوفر لهم خبرة النجاح الدافعة لمزيد من النجاح وسيكون لهم القدرة علي العمل الجماعي , وهي ضرورة في مواجهة التحديات التي نواجهها.

رابعا , نخبة متواصلة مع العالم الخارجي , لان كتالوج التقدم في الكون تمت كتابته , ولكننا نحن الذين لا نجيد او لا نريد قراءته.

خامسا , ان تكون تعرف تقول : ' آسف ' حين تخطئ.

ساعتها سيحكمنا من ثقل عقله وحتي لو تعبت رجلاه , فهي في الاتجاه الصحيح.

' احلي كلام , بس مين اللي ينفذ؟ ' سالني صديقي , ووعدته بالاجابة.

ليست هناك تعليقات :