شيء جيد ان يحاسب المسئولون عن كارثة تسمم طلاب المدينة الجامعية التابعة لجامعة الازهر. اما الاجود ان نعتبر الكارثة التي راح ضحيتها نحو 500 طالب كاشفة لحقيقة الترهل و الفساد وانعدام المسئولية بين العاملين في الاجهزة الحكومية. واذا كان لما جري من فضيلة فربما تمثلت فيما اطلقته الحادثة من اجراس عالية الرنين وضعت ازمة تدهور اداء القطاع الحكومي علي اجندة الهموم التي ينبغي ان تمتد اليها يد الاصلاح.
لقد شغلنا منذ قامت الثورة بمطالبات التوظف وتحسين اوضاع واجور العاملين , وغير ذلك مما اعتبر حقوقا ومظالم ينبغي ان تعالج , لكننا لا نكاد نسمع مطالبات مماثلة بما يقابل ذلك من واجبات ينبغي اداؤها لتحسين الاداء و الارتقاء به. وكانت النتيجة ان صوت المطالبات صار عاليا وصاخبا , في حين ان احدا لم يتطرق الي الواجبات التي بقيت ساحة مسكوتا عليها , الامر الذي ابقي علي كل مظاهر الفساد المتراكم كما هي , كما كانت عليه قبل الثورة.
لا استطيع ان اقلل من اهمية توفير الحقوق للعاملين في القطاع الحكومي , الا انني ازعم ان استحقاقات تلك الخطوة تحمل موازنة الدولة في الغالب باعباء مادية قد لا تكون قادرة علي احتمالها في الوقت الراهن بسبب الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. مع ذلك فان انتهاج سياسة تتدرج في تحقيق ذلك الهدف حسب الامكانيات المتاحة يعد امرا لازما لطمانة العاملين الي ان املهم في تحسين اوضاعهم قائم وفي الحسبان. في ذات الوقت فان فرصة تحسين اداء الواجبات تظل افضل , من حيث انها تكاد تحمل الموازنة الحد الادني من الاعباء. علي الاقل فذلك ما توحي به خبرات دول اخري حققت ذلك الهدف , في المقدمة منها تركيا وماليزيا , وقد تلقيت رسالة في هذا الصدد من الدكتورة رشا ماضي خبير تنمية الموارد البشرية وتطوير المؤسسات في ادنبرة ببريطانيا. ذكرت فيها ان البلدين عالجا تدهور الادارة في الاجهزة الحكومية من خلال انشاء اقسام جديدة لمكافحة الفساد الاداري داخل كل مؤسسة , ودربت موظفيها علي استخدام الادوات الحديثة لقياس الموارد و الاصول وتقليل الفاقد و المهدر , وتفعيل قوانين عدم تضارب المصالح. و التزاما بالشفافية حددت الحكومتان في البلدين معايير جودة خدمات المواطنين علي كل موقع مؤسس الكتروني , وووفرت ادوات تقييم لمحاسبة الموظفين علي الالتزام بها. الامر الذي استدعي تخصيص اقسام في داخل كل مؤسسة تعمل علي متابعة تطبيق معايير جودة الاداء.
بانشاء اقسام جديدة وثقافة جديدة وتوفير دورات تدريبية للعاملين انخفضت معدلات البطالة بصورة نسبية , جراء ما تطلبته تلك الاقسام من تعيينات بمهارات جديدة. وكان ذلك وراء آليات التطوير وارتفاع معدلات التنمية في كل من تركيا وماليزيا , خصوصا انه تمت مراعاة مبدا التخصصية , بحيث لم يعد يعمل في اي مجال من لا يفهم فيه. بالدراسة او بالخبرة , مع توفير التدريب التحويلي لكل من اراد العمل بمجال جديد.
لقد عالج البلدان مشكلة المطالبات و المظاهرات الفئوية من خلال مراجعة هيكل الاجور لكل مؤسسة , لتقليل الفجوات بما يتناسب مع موارد المؤسسة وطبيعة الوظيفة , الي جانب اتباع سياسات مالية خصصت جزءا من الحوافز لتحسين الاهداف الوظيفية. اذ ارتبط جزء من الزيادات بالانتاجية وتحسين الاداء , وذلك حفز العاملين علي الانضمام الي منظومة التطوير و الاقبال علي الدورات التدريبية. وهو ما ترتب عليه تحسن الاداء الاقتصادي وتحسن معه المستوي المعيشي للمواطن التركي و الماليزي.
بالتوازي مع كل ذلك فان الخطاب الجماهيري لكل من طيب اردوغان ومهاتير محمد ابتعد تماما عن الصيغ الانشائية , وركز علي صياغة الاهداف ووضوحها , وتم ذلك باسلوب علمي يحدد اهدافا اقتصادية تنموية رقمية يمكن قياسها , وتحديد الاطار الزمني لتحقيقها وكيفية تطبيقها وتقييمها.
فعلتها تركيا وماليزيا , ليس بتغيير الادارات و الوجوه , ولكن بادارة التغيير في ظل وضوح الرؤية وتحديد الاهداف , وفي ذلك قدم البلدان درسا بليغا وقدما نموذجا للتغيير يمكن ان يستلهمه كل بلد جاد في الخلاص من التخلف و اللحاق بالعصر وبمسيرة التقدم لكن السؤال هو : من يعي الدرس و يتعلم منه ؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق