هدية من السماء الى مهرج السيرك وائل قنديل
نزل مشروع قانون السلطة القضائية كهدية من السماء علي مجموعة محترقة سياسيا ومعنويا فاخضرت واينعت واستردت الروح التي كادت تزهق بايدي اصحابها ممن استمراوا ممارسة النزق السياسي الي ابعد مدي.
ومن حيث اراد مقدمو المشروع الذين لا مجال للشك في ثوريتهم ووطنيتهم حماية مسيرة الثورة من طحالب وثعالب الثورة المضادة ، فان ما حدث في واقع الامر ان هؤلاء تلقوا قبلة الحياة ، ولم يفوتوا فرصة صناعة كتلة كثيفة من الغيوم يدارون فيها سوءاتهم.
سياسيون كانوا علي حافة الافلاس و الموت الاكلينيكي دبت في اوصالهم الحياة فجاة فنفضوا عن ملابس الزعامة و النضال الغبار وامتشقوا سيوفا من خشب ، او من حديد صدئ واطلقوا صيحات الكفاح وامتطوا ظهور الخيل التي سئمت عجزهم وقلة حيلتهم ، وتصرفوا وكان كلا منهم عنترة العائد بالنوق العصافير.
وشخصيات قضائية مطلوبة للعدالة ، تمثل فخر صناعة مسبوكات نظام مبارك وجدتها فرصة للفرار من اتهامات بسرقة الاراضي واستغلال النفوذ و التخفي في غابات النضال السياسي الحنجوري رافعة شعارات الاستقلال و العزة و الكرامة ، بالطريقة ذاتها التي استخدمها كبيرهم الذي علمهم الفهلوة النضالية حين هرب الي السياسة وموالد الانتخابات الصاخبة فقط من اجل الاختباء من الملاحقة القضائية.
اذن في محصلة الامر فقد صنع مشروع القانون من الارانب اسودا هصورة ، وضخ في شرايين المومياوات المحنطة الدماء فانطلقت تتقافز وتصيح وتجري هنا وهناك ، و الاخطر ان اسبغ علي كائنات تغذت علي القبح و الفساد هالة ثورية مزيفة جعلتهم يتكلمون ويسلكون باعتبارهم فرسان الحق.
وتبقي عدة حقائق ثابتة في هذه الشبورة الكثيفة ، اولها ان السلطة القضائية وباعتراف القضاة المحترمين انفسهم تعاني من امراض خطيرة ، بعضها موروث من عصور مضت ، وبعضها استجد ونما وترعرع في تربة الثورة المضادة ، وهذه الامراض لابد لها من علاج حرصا علي مكانة القضاء ومهابته ، بقدر الحرص علي مصالح البلاد و العباد وارساء عدالة حقيقية.
وثانية هذه الحقائق ان الممثل الوحيد للسلطة التشريعية الآن هو مجلس الشوري ، بصرف النظر عن الظروف الحتمية التي جعلته ' تشريعيا ' رغم انفه وانف الجميع ، وان من حق هذا المجلس التشريعي ان ينظر فيما هو مطلوب من تشريعات.
والحقيقة الثالثة ان مشروع القانون لم يصدر عن رئيس الجمهورية ، الذي هو وفق منصبه الحكم بين السلطات او بنص الدستور الجديد ' يراعي الحدود بين السلطات ' ، ومن ثم وبما ان هناك بوادر صدام بين السلطتين التشريعية و القضائية ، فانه حري بالرئيس ان يدعو كل اطراف الازمة للتشارك في وضع قانون للسلطة القضائية ، التي تتطلب اصلاحا وتنظيما جديدين ، من خلال حوار يقوم عليه شيوخ القضاء ، للنظر في مشاريع قوانين جري اعدادها طوال السنوات الماضية ولم تر النور ، منها ما هو مقترح من منظومة القضاء الحالية ، ومنها ما توصل اليه رموز استقلال القضاء ' الحقيقي وليس المزيف ' .
وحسنا فعل الدكتور عصام العريان ممثل الاغلبية في مجلس الشوري باقتراح يطلب فيه من المجلس الاعلي للقضاء تقديم مشروع قانون للسلطة القضائية للمجلس التشريعي و النظر في مناقشته واصداره ، ومثل هذا المقترح يصلح كبداية لوضع الازمة علي مائدة الحل ، وقطع الطريق علي اولئك يريدونها مشتعلة وضبابية بما يكفي لاخفاء مهازلهم و الظهور في ثياب لم تكن يوما صالحة لهم ، ولم يكونوا مناسبين لها.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق