فكرة علبة المسامير القديمة محمد عبد المنعم الصاوي

يبدو ان حكام مصر جميعا ما زالوا متاثرين بفكرة ' علبة المسامير القديمة ' , وهي تلك العلبة الصدئة التي تستخدم للاحتفاظ بالمسامير القديمة لحين الاحتياج اليها في اصلاح ضلفة شباك او مفصلة باب او رجل كرسي او جانب صندوق الطاولة , او تعليق صورة ' جدو ' علي الحائط , تكريما لجدو واخفاء لتساقط ' البياض ' نتيجة لرشح الحمام.
لم تنجح الثورة في القضاء علي ثقافة ' علبة المسامير القديمة ' , علي الرغم من كل التضحيات التي قدمها المصريون بحثا عن التغيير!! يصر الحكام علي استخدام المسامير القديمة , علي الرغم مما بها من اعوجاج ظاهر , نتيجة لعملية ' استعدالها ' بالطَّرق عليها علي بلاطة قديمة او ' درابزين ' السلم المعدني -- يصرون عليها متجاهلين الصدا الذي اعتلاها , بل واخترقها في كثير من الاحيان!
مستخدمو المسامير القديمة يفعلون ذلك من منطلق ' الشاطرة تغزل برجل حمار ' , وهو منطق غير مقبول الا لمواجهة ظروف خاصة ولمدة زمنية محدودة , فلا اظن هذه الحكمة الا اختصارا للنص الاصلي : ' الشاطرة تغزل برجل حمار , حتي يصلحوا لها نول الغزل ' , اما ان نظل متمسكين بالبحث في علبة المسامير العتيقة , فهذا _بلا شك_ لن يؤدي بنا الي اي تقدم او ازدهار.
نعم , اتحدث عن اختيار كبار المسئولين من اعضاء الحكومة و المحافظين ورؤساء الهيئات و المجالس و المؤسسات وغيرها من المواقع التي يعلق الشعب آماله الطموحة و المتواضعة عليها.
اتساءل بصدق : لماذا نصر علي البحث داخل الصندوق القديم؟ الم يحن الوقت لنستفيد من المسامير القوية اللامعة , المسامير المعتدلة التي لم يسبق الدق علي رؤوسها ولا سحلها بالكماشة او ظهر الشاكوش؟ اتمني ان تتغير ثقافة متخذي القرار في مصر , ويبحثوا خارج الصندوق , لعلهم يكتشفون ان طاقة الصندوق محدودة بحجمه , اما طاقة مصر فلا يحدها الا طموحات واحلام وآمال ابنائها , وكلها منطقية ومشروعة , ولا تحتاج الا الي جهد واعٍ وعمل جاد وخاضع للرقابة.
ادعو الي انتهاز فرصة اي تغيير في المناصب القيادية للاستعانة بالشباب تمشيا مع الاتجاه العالمي , و الذي ثبت نجاحه الكبير في كافة الانحاء.
حقّا -- لا احد اصغر مما يجب , اذا كان قد عاش في بيئة منفتحة . سمحت بوصول مختلف موارد الفكر و المعرفة اليه , وسعي هو بنفسه لحسن استقبال التراكم الثقافي الانساني الذي يتجاوز عمره آلاف السنين , وتناقلته الاجيال منذ بدا تسجيل التاريخ و الاحداث و الاختراعات علي الجدران و الجلود و العظام و الزجاج و الخشب , ثم ظهر الورق و الطباعة , من بعدها علوم تسجيل الصوت و الصورة التي ما زالت في حالة تطور لا يتوقف.
لا احد اصغر مما يجب لتحمل المسئوليات و التعبير عن ارادة الجماهير -- لا بد لنا _بعد الثورة_ ان نستفيد من طاقات الشباب التي لم تفرغ شحنتها كسكان علبة المسامير القديمة , واسمحوا لي باستراحة صغيرة اذكركم فيها بنكتة عبَّر بها المصريون ذات يوم عن كراهيتهم الفائقة للممارسات المستبدة التي ارتبطت في ذاكرتهم بامن الدولة -- تقول النكتة : بلغ احد كبار الجهاز سن المعاش , واصابه الملل الشديد من البقاء في المنزل محروما من السطوة و القوة و البطش الذي اعتاده -- شاهد مسمارا قديما في احد اركان الغرفة , فناداه بطبقة صوته الجهورية المخيفة : ' تعالي هنا ' -- لم يحضر -- كرر النداء -- لم يحضر -- نظر حوله , فوجد علبة المسامير القديمة , فتناول ' كبشة ' منها , والقي بها في اتجاه المسمار المختبئ في الركن , وقال : ' هاتوووه ' !
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق