دراسة أمريكية ترصد الاسلاميين بعد الحكم : الاخوان تفكر بعقلية الضحية و السلفيون يلعبون السياسة باستهتار
ذكرت دراسة حديثة لمركز ' كارنيجي ' للسلام الدولي ، ان القوي الاسلامية في مصر يعاد تشكيلها ، بما في ذلك جماعة الاخوان المسلمين ، و الاحزاب السلفية ، بشكل جذري وغير متوقع.
واشارت الدراسة التي جاءت تحت عنوان ' الاسلام السياسي في مصر الثورة ' الي ان الانتفاضة الشعبية في مصر ، و التي قامت باسم الخبز و الحرية و العدالة الاجتماعية ، تمخضت عن تغيرات جذرية في بنية السياسة المصرية ، ومع ذلك ، يعبر الكثيرون ممن شاركوا فيها عن قلق وخيبة امل بالغين من نتائجها ، فقد كانت الخطوات التي اتخذَت لتحقيق الاهداف المنشودة ، للحشود الثورية محدودة ، في احسن الاحوال ، بينما اتخذَت بعض الخطوات الاخري في الاتجاه الخطا.
وقالت الدراسة التي قدمها ' ناثان براون ' ، استاذ السياسة بجامعة ' جورج واشنطن ' ، ان ثمة تغير اساسي يحدث الآن بلا ريب ، حيث يؤدي الاسلام دورا اقوي في الحياة العامة المصرية.
واضافت ، ان هناك العديد من التغييرات المتنوعة وغير المحددة التي تجري الآن داخل الحركات الاجتماعية و السياسية ، مثل جماعة الاخوان المسلمين ، و الحركة السلفية ، ومجموعة من مؤسسات الدولة ، ذات الصلة بالاسلام ، بيد ان هناك سمة اساسية واحدة تغلب علي جميع تلك التغييرات ، و التي تتمثل بالنتائج غير المقصودة ، اذ تخوض القوي الاسلامية بيئة جديدة غير قادرة علي السيطرة عليها ، وغير مدركة لبعض الوسائل التي تغيرها من خلالها.
واشارت الدراسة الي ان جماعة الاخوان المسلمين باتت تسيطر الآن علي الرئاسة ، ويبدو انها مستعدة لازالة العراقيل امام انخراط اعضائها في مجموعة من مؤسسات الدولة ، بدءا من وسائل الاعلام وربما وصولا الي الجيش ، فقد امكن للجماعة توجيه العملية الدستورية ، ولم تواجه بعد ندّا لها في صناديق الاقتراع ، لكن قادة الجماعة مستمرون في مخادعة احساس قوي بانهم لا يزالون محاصرين ، علي الرغم من ثقتهم بان جماعة الاخوان المسلمين تمثل الارادة الشعبية. فالجماعة ممزقة بين ماضيها بوصفها ضحية ومستقبلها المرتقب كحزب حاكم ، ففي الماضي ، وبينما لم يكن قادة الجماعة يخفون شعورهم بالقدرة علي تولي السلطة السياسية ، فانهم لم يكونوا مهياين تماما للقيام بذلك بسرعة ، فهم لا يزالون يتحاشون الحديث ، كما لو كانوا لم يسعوا الي السلطة ، بل كما لو ان الشعب المصري هو الذي استدعاهم.
وعلي المدي القصير ، ولد المزيج المربك المتمثل في تسلم الاخوان مقاليد السلطة في الوقت الذي كانوا لا يزالون يشعرون بانهم يتعرضون الي حملات تشكيك وارتياب بهم ، كما تعترضهم بعض العثرات السياسية. بيد ان التحديات لا تزال اكثر صعوبة من اللغة و التكتيكات . فهي تدخل في عمق ايديولوجية الحركة وتنظيمها.
وتشير الدراسة الي ان قرار جماعة الاخوان المفاجئ بتسجيل الجماعة كمنظمة غير حكومية في اطار القانون القائم منذ عهد مبارك سيضعها امام التزام قانوني بتنحية السياسة جانبا ، وفي ظل التداخل القوي بين الجماعة و الحزب ، من المرجح ان يعتمد حزب الحرية و العدالة علي انصاره الاساسيين من الاخوان لسنوات عديدة مقبلة ، بيد ان الامتثال للقانون قد يخلق بعض التمايز التنظيمي الذي يعد لازما من اجل تجنب تزويد الخصوم بالادلة القانونية التي تدعم حجتهم.
واضاف انه اذا ما ارادت الحركة اللجوء الي اعضائها الاساسيين فقط ، فلن يتمكن الاخوان من الفوز في الانتخابات ابدا. اذ قدر مراقبون موثوقون لجماعة الاخوان في حوار شخصي حجم تاييدها الاساسي ، بحوالي 4 ملايين ناخب ، وحتي في الانتخابات التي لا يشارك فيها سوي ثلث الناخبين المؤهلين للادلاء باصواتهم ، تباينت نسبة الاقبال كثيرا ومن الصعب جدا تقديرها ، ومن شان هذا المستوي من الدعم ان يجعل جماعة الاخوان تفوز بربع المحصلة النهائية فقط.
واشار الي انه ربما يكون هذا كافيا لتشكيل اكبر كتلة برلمانية وارغام اي مرشح رئاسي علي خوض جولة حاسمة ، الا ان ذلك غير كافٍ في اي من الحالتين للفوز ، واذا ما ارادت الحركة كسب المزيد من الاصوات ، فسيتعين عليها جذب من هم اقل ولاء للتنظيم الذين قد يصوتون بخلاف ذلك للسلفيين او للاحزاب غير الاسلامية.
وقالت : تبقي الحقيقة المتمثلة في ان جماعة الاخوان المسلمين لم تؤسس في الاصل لخوض غمار السياسة ولا لتولي الحكم بالتاكيد ، فقد تبين ان هذه الحركة تتمتع بقدرة فائقة علي ادارة الانتخابات ، ولكن ليس بصورة مقصودة بالضبط ، حيث تمكنت من الاعتماد علي سمات وخصائص حركة اصلاح ايديولوجية ودينية في الترشح و الفوز مرارا وتكرارا.
واشار براون في دراسته الي ان قادة السلفيين يصرون اليوم علي ان المراقبين اساءوا فهم غيابهم عن المجال السياسي وارجعوه الي دوافع دينية او ايديولوجية ، مؤكدين : انه لم يكن هناك مجال كبير لهم في ظل الدولة الاستبدادية ، وربما ينطوي هذا علي قدر معقول من الحقيقة ، غير ان في وسع المشككين الذين يرون وجود تحول واضح ، الاشارة الي الطريقة التي اظهر فيها بعض القادة البارزين في الماضي ليس مجرد عدم اكتراث تجاه الحاكم السابق ، بل اظهروا شعورا ايجابيا بالولاء له ، وناوا بانفسهم عن الثوار.
واضافت ، بالفعل ، يواصل العديد من القادة السلفيين البارزين الي يومنا هذا التعامل مع السياسة باستهتار. ويؤكد الاخوان مثل هذه الاتهامات ، زاعمين ان النظام السابق سمح للسلفيين بان يترعرعوا بتمكين دعاتها من احتلال الفضاء الاجتماعي ، وبغض النظر عن السبب وراء ناي السلفيين عن السياسة ، لم يستغرق الامر سوي بضعة اشهر بالنسبة الي بعض السلفيين لاغتنام الفرص الجديدة بحماسة ، وقد خاضوا غمار السياسة عبر دعم الاستفتاء الدستوري الذي جري في مارس 2011 باعتباره وسيلة لحماية البند الذي ينص علي ان مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع في الدستور المصري.
وخلص براون الي ان السلفيين لا يستطعون حتي الآن تحديد موقف بين التزامهم الصارم بتطبيق الشريعة و التنازلات الضرورية في السياسة الديمقراطية ، لذا فهم بحاجة الي تعلم كيفية تشكيل منظمات ذات قيادة سياسية وليس دعاة وواعظين دينيين.
واشارت الدراسة الي ان المصريين استطاعوا ان يكتشفوا بعد الثورة كيف حافظ العديد من مؤسسات الدولة في ظل نظام مبارك علي شيء من الاستقلالية المحدودة. لا بل اثبت الجيش انه قادر علي التخلي عن الرئيس في نهاية المطاف ، وتمكنت قلة من المؤسسات الاخري من الوصول الي هذا الحد ، حيث اظهار قدر محدود من الاستقلال في اتخاذ القرارات الداخلية ، و الشعور بالهوية و الرسالة المشتركة ، ووضع بعضها مجموعة من المعايير المهنية. وقد اتاح لها هذا ان تعمل من تلقاء نفسها عندما ارغم الرئيس علي التنحي ، وقد كان هذا هو حال العديد من المؤسسات الدينية الهامة ، فقد احتفظ الازهر علي وجه الخصوص بشعور قوي بانه المدافع عن مقاربة مميزة تجاه الاسلام ، وبانه يتحمل مسؤولية تجاه المجتمع المصري وحتي تجاه العالم السني باكمله ، غير ان اعتماد الازهر المالي علي الدولة المصرية ، وحقيقة ان شيخ الازهر كان معينا من الرئاسة ، ازعجت بعض العلماء كثيرا من داخل المؤسسة وخارجها.
و أضاف ، ان الثورة قدمت للكثير من هذه المؤسسات فرصة للتخلص من الاغلال الرئاسية و الضغط من اجل الحصول علي استقلال اشمل ، واصبح في وسع المؤسسات المقموعة ان تتكلم الآن بحرية اكبر ، وفي ظل سيطرة القوي الاسلامية علي الرئاسة وما تبقي من الغرفة العليا من البرلمان ، مجلس الشوري ، يبدو ان هذه لحظة مناسبة للمضي قدما. ففي الواقع ، لم يكن الازهر مضطرا حتي الي الانتظار ، وهو يري ان الجيش قد منحه قدرا هائلا من الاستقلال الداخلي في واحد من آخر اعماله التشريعية في عام 2012 قبل ان يبدا البرلمان اعماله ، لكن بدلا من ان تتحول الي ادوات تحكيم مستقلة ، قد تجد مؤسسات مثل الازهر نفسها عرضة الي خطر ان تصبح ' ملاعب سياسية محتملة ' .
ومع تزايد اهمية هذه المؤسسات ، تصبح فرص السيطرة عليها اكبر ، اذ ليس من الواضح مدي قدرتها علي التمتع بوضعها القانوني المصحح ، و المدي الذي ستصبح فيه ضحية لذلك الوضع ، فالازهر هو جوهرة تاج المؤسسات الاسلامية في مصر ، وهو مجمع مترامي الاطراف من الكليات الجامعية و المدارس الابتدائية و الثانوية ، وهيئات البحث ويراسه الآن خريج جامعة السوربون احمد الطيب.
وقد اثمرت فطنته السياسية ، جنبا الي جنب مع ليبراليته النسبية ضمن التراث الازهري ، بشكل رائع منذ الثورة. فقد تمكن الطيب من اعادة الازهر الي ما يراه معظم موظفيه بوصفه دوره الصحيح : المدافع عن ضمير مصر الاسلامي وصوت المصلحة الاسلامية العامة.
واشار الي ان البعض ينظر الي احتضان جماعة الاخوان المسلمين للازهر ، كمشروع مكشوف لاخضاع الازهر للسير في طريقها ، كما يتوقع البعض داخل الازهر بان الاحترام السلفي للمؤسسة ، و الذي كشف النقاب عنه بشكل غير متنوع في صياغة الدستور ، هو نذير محاولة تهدف الي التسلل الي صفوفها ، ربما بدءا بالجسم الطلابي ، وستكون النتيجة المحتملة لكل ذلك هي جعل التعيينات البارزة في الازهر اشبه بما آلت اليه التعيينات في المحكمة الاميركية العليا.
واكد ان الثورة المصرية لا تسير في نفس المسار الايراني ، ولا وجود لعملية اعادة بناء منهجية للدولة وليس ثمة شيء يشبه ولاية الفقيه ، فالنظام السياسي في حكم مرسي ليس حكم العلماء و الآليات الديمقراطية لا تزال تعمل ، مهما تكن فجة وضيقة الافق في كثير من الاحيان ، غير ان النموذج الايراني يعلم درسا يجب ان يستوعبه الاسلاميون المصريون وهو عندما يدخل الدين ميدان السياسة فانه نادرا ما يبقي من دون تاثيرات تدخل عليه يوما ما قد يخلص الذين يريدون استغلال سلطة الدولة لبناء مجتمع اكثر تدينا الي انه كان عليهم ان يكونوا اكثر حذرا مما كانوا يتمنون.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق