أمعاء خاوية انتصرت داخل القضبان فهمي هويدي
انتصر الاسير سامر العيساوي علي سجانيه الاسرائيليين ، حين اجبرهم علي تحديد موعد اطلاق سراحه. وبذلك انهي اطول اضراب في التاريخ. اذ ظل ممتنعا عن الطعام طوال تسعة اشهر ، احتجاجا علي اعادة اعتقاله بغير وجه حق. امس نشر القرار الاسرائيلي بعدما قرر سامر ان يمتنع حتي عن شرب الماء ايضا لكي لا يري سجانيه ، وتحول الي هيكل عظمي قعيد ، لا يملك سوي ارادة جبارة ظل يتحدي بها الاحتلال بكل سلطاته وهيلمانه. وكانت التقارير الطبية قد ذكرت ان صحته دخلت طور الخطر الشديد.
كان العيساوي ' 33 سنة ' قد اعتقل اول مرة في سنة 2002 لمجرد انه عضو في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وبسبب نشاطه السياسي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثين عاما. امضي منها عشر سنوات في السجن ثم اطلق سراحه ضمن صفقة استعادة الجندي الاسرائيلي الاسير جلعاد شاليط. ولكن السلطات الاسرائيلية ظلت تتربص به طوال الوقت ، اذ ظل يتم ايقافه كل شهر عدة مرات في القدس ، ويحتجز في مراكز الشرطة لساعات طويلة قد تصل الي عشر ، ثم يسمح له بالعودة الي بيته بعد ذلك.
لم يتخل سامر عن كبريائه وعناده. ولا غرابة في ذلك. فهو ابن اسرة فلسطينية دفعت ثمن بقائها تحت الاحتلال. فجدَّه كان من الرعيل الاول الذي انضم الي منظمة التحرير ، وجدته استشهدت في الانتفاضة الاولي. وابوه وامه جربا الاعتقال. وله شقيق قتل في مذبحة الحرم الابراهيمي ، وشقيق آخر حكم عليه بالسجن 19 عاما ، اما شقيقته المحامية فانها امضت عاما تحت الاعتقال. لم يبال سامر بالملاحقات الامنية التي ظل يتعرض لها بعد اطلاق سراحه اذ كان يعتبر انه اخرج من السجن الصغير ليدفع ثمن بقائه في السجن الكبير.
بعد عام من اطلاق سراحه تم اعتقاله وهو في طريق عودته من رام الله ، وكانت تهمته انه خرق بنود اطلاق سراحه التي تمنعه من دخول الضفة الغربية. كان ذلك في السابع من شهر يوليو عام 2012. قدموه الي محاكمة عسكرية قضت بان يستكمل عقوبته الاصلية التي كانت 30 عاما. بمعني ان يقضي العشرين سنة الاخري في السجن ، وبنت المحكمة قرارها بناء علي شبهات ومعلومات سرية لم يتح له او لمحاميه الاطلاع عليها.
في اول اغسطس ، بعد المحاكمة مباشرة اعلن اضرابه عن الطعام احتجاجا علي اعادة اعتقاله واعادة محاكمته استنادا الي معلومات سرية. فشلت محاولات اثنائه عن الاضراب ، ورفض بعناد شديد كل المساومات التي عرضت عليه. وظل مصرا علي ان يتحدي سجانيه وحكام اسرائيل بمعدته الخاوية ، وهي السلاح الوحيد الذي بقي له ، بعدما تخلت عنه السلطة الفلسطينية ، التي كان غاية ما فعلته انها نصحته بالاقلاع عن الاضراب عن الطعام. اذ كان ذلك هو الرد الذي سمعته امه حين ذهبت الي مكتب ابومازن وطلبت منه ان يتدخل لانقاذ ابنها البرئ. وكان رد الرجل كما ذكرت الام انه نصحها بدعوة سامر لفض الاضراب حتي يسمح لابومازن بتسوية الموقف!
رفض العيساوي اقتراحا اسرائيليا بتخفيض مدة العقوبة من 20 الي 16 عاما. ورفض ايضا عرضا ان يخفف السجن الي 5 سنوات. وحين فشلت مثل هذه العروض فانهم عرضوا عليه ابعاده الي قطاع غزة لمدة عشر سنوات ثم الي احدي الدول الاوروبية بعد ذلك. لكنه رفض ذلك العرض ايضا واصر علي ان يعود الي قريته العيساوية في شمال شرقي القدس. ازاء ذلك العناد الاسطوري لم تملك الحكومة الاسرائيلية سوي ان تقرر اطلاق سراحه بعد ثمانية اشهر ، مشترطة ان يبقي في القدس الشرقية ولا يغادرها ، والا يدخل الي الضفة الغربية وان يمتنع عن الاتصال بعناصر المقاومة الفلسطينية. وهي الصفقة التي قبل بها سامر. واعتبرتها الحكومة الاسرائيلية صيغة تسمح لها بتجنب الآثار المحلية الدولية التي يمكن ان تترتب علي وفاته التي باتت محتملة في ظل استمرار اضرابه عن الطعام و الشراب ، علما بان قضيته وصلت الي الساحة الدولية حتي طالب الاتحاد الاوروبي اسرائيل باطلاق سراحه.
لايزال في السجون الاسرائيلية نحو 5 آلاف فلسطيني آخر بعضهم امضي اكثر من عشرين عاما تحت الاعتقال التعسفي ، وبعضهم يعاني من امراض مزمنة وخطيرة ، وقد مات احدهم اخيرا ' ميسرة ابوحمدية ' الامر الذي فجر احتجاجات محلية ودولية واسعة ضد اسرائيل. واضطرت اسرائيل لاطلاق سراح آخر ' محمد التاج ' بسبب تدهور حالته الصحية وخشية تعرضه للموت وهو وراء القضبان. وجميعهم يشكلون ملفا مسكوتا عليه لم يعد لاصحابه من سلاح للدفاع عنه سوي امعائهم الخاوية.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق