اعادة كتابة تاريخ الثورة لتبرئة مبارك و ادانة الاخوان فهمي هويدي


الآن تعاد كتابة تاريخ الثورة المصرية من جديد. فاحدث طبعة من ذلك التاريخ تقول ان مبارك كان بريئا ومظلوما. وانه لم يكن متجها لتوريث السلطة لابنه , ثم انه كان متفهما ومتعاطفا مع الشباب الذين خرجوا الي ميدان التحرير , اما العادلي ومعاونوه فهم ابرياء من دماء الثوار الذين قتلوا في الميدان , لان الاخوان هم الذين اعتلوا الابنية وميليشياتهم هي التي قتلت الثوار , وهي التي دبرت ما سمي بموقعة الجمل.

اما المعلومة الاهم التي طالعناها اخيرا في الطبعة الجديدة فهي ان الذين خرجوا الي ميدان التحرير واسقطوا النظام لم يكونوا كلهم من الثوار المصريين , ولكن رجال حماس كانوا هناك ايضا , بل ان لهم الفضل فيما تحقق. و الدليل علي ذلك انهم تمترسوا وراء المتحف المطل علي الميدان وجهزوا ' مقلاعا ' كان له دوره في حسم الموقف.

هذا الكلام ليس هزلا ولا هو افتراء من جانبي , لكن بعضه ورد في حوار منشور اجري مع محامي الرئيس السابق و البعض الآخر تضمنته نصوص لمكالمات هاتفية نشرتها صحيفة المصري اليوم , وادعت انها تمت بين قيادات الاخوان وبين عناصر من حركة حماس. لا يهمنا الجزء الاول الذي يخص مبارك واعوانه , لان الشعب الذي عزل الرجل واسقط نظامه كان قد ادانه وقلب صفحته , وبالتالي فان اي محاولة لتبرئته وتبييض صفحته تعد من قبيل الهزل الذي لا ينبغي ان يؤخذ علي محمل الجد , اما الذي يستحق ان نرده فهو ذلك العبث الذي استهدف تشويه الثورة وبخسها حقها , بما يعطي انطباعا بانها مجرد مؤامرة دبرتها حركة حماس مع الاخوان. وهو ما يعد اهانة للثورة واهدارا لدماء الشهداء واستخفافا بآلاف المصابين و المعاقين , الذين قدموا ما قدموا من تضحيات دفاعا عن كرامتهم وحريتهم.

ادري ان هناك من يرفضون الاخوان ويكرهون حماس , و الرفض حق لكل احد , ولكن كراهية حماس التي غرسها ورعاها نظام مبارك لاتزال غير مبررة او مفهومة. ذلك انه ما من كارثة او مصيبة باتت تحل بمصر الا ويحاول البعض الزج بحماس فيها. وحين لا تكون هناك نازلة من هذا القبيل او ذاك فاننا لا نعدم اخبارا تسرب الي الصحف متحدثة عن اعمال تخريبية تنتوي حماس القيام بها في البلد , بواسطة مندسين يتسللون عبر الحدود و الانفاق. ورغم غزارة التقارير و الاخبار التي تحدثت عن شرور حماس ومؤامراتها فاننا لم نصادف اعلانا رسميا او تحقيقا قضائيا جادا ايد التهم و المزاعم التي يجري الترويج لها بين الحين و الآخر.

لقد اعتدنا علي الكذب و التلفيق في التعامل مع ذلك الملف , لذلك ما عادت تزعجنا امثال تلك الممارسات من حيث المبدا , لكن ما يثير القلق حقا هو تدهور مستوي الكذب و التلفيق. افرق هنا بين الكذب المتقن الذي ينم عن حرفية واتقان , و الكذب المفضوح الذي يكشف مدي خيبة صاحبه وتدهور مستواه. و المكالمات السرية التي جري ابرازها و التهليل بها اخيرا من ذلك الصنف الاخير الذي يؤدي الي فضح الفاعلين , باكثر مما يسيء الي الذين اريدت الاساءة اليهم.

اذ لم تكن موفقة فكرة الزج بحماس في ميدان التحرير ومن ثم تجريح صور الثوار المجتمعين فيه. ولم تكن مفهومة مسالة الاستعانة ' بالجيران ' في غزة , خصوصا ان الذين تحدثت عنهم المكالمات المزعومة احضروا معهم من غزة ' مقلاعا ' لاداء مهمتهم. و المقلاع لمن لا يعرف اقرب واكبر مما نسميه في مصر ' النِّبلة ' التي يتم بها اصطياد العصافير. وكان مستغربا ان تنسب احدي المكالمات لقيادي اخواني قوله لنظيره الحمساوي ان الفضل لهم في انجاح الثورة , كما انه ليس مالوفا ان يختم القيادي الاخواني اتصاله مع نظيره الفلسطيني بقوله سلام , فيرد عليه الآخر بنفس الكلمة : ' سلام ' . وهو ما لا ينطق به ' سلفيو كوستا ' !.

يطول الحديث اذا ما رصدنا مظاهر التدني في مستوي التلفيق , الذي لا يليق بكذوب محترم وما لا ينبغي له ان يغيب عن المسئولين في اي جريدة محترمة , لكن التلهف علي الوقيعة و الاصرار علي اعادة كتابة تاريخ الثورة باي كلام كانا فيما يبدو وراء التسرع في نشر المكالمات المزعومة دون اية قراءة متمعنة فيها.

في 17 سبتمبر عام 2010 لعبت جريدة الاهرام في صورة منشورة علي الصفحة الاولي. حين اعادت تركيبها ووضعت مبارك متقدما علي اوباما و الملك حسين ومحمود عباس ونتنياهو , اثناء توجههم للاجتماع في شرم الشيخ. وكانت الفضيحة التي ترددت اصداؤها في صحافة العالم. وما حدث مع المكالمات الملفقة يكرر نفس الفضيحة , الامر الذي لا تفسير له سوي ان مدرسة مبارك الصحفية لاتزال ثابتة ' العهد ' , فلم تغير شيئا من مناهجها او مقاصدها.

ليست هناك تعليقات :