نسرع في طريقننا الى الندامة يوم 30 يونيو فهمي هويدي
ما عاد بمقدورنا في مصر الآن ان نجيب علي السؤال الي اين نحن ذاهبون , لكن غاية ما نستطيعه ان نحاول الاجابة علي السؤال في اي طريق نحن سائرون؟
' 1 '
كاننا في الطريق الي الطلاق , بعدما وقع الانفصال , وبدا ان الطرفين فشلا في نسج خيوط العيش المشترك. علي الاقل فذلك ما توحي به الاصوات التي تتردد في الفضاء السياسي , قائلة بوضوح وصراحة : اما نحن او هم. الامر الذي يعني اننا صرنا نعيش في ظل خطاب اقصائي بامتياز.
المعارضون يقولون ان النظام القائم استنفد اغراضه وفقد شرعيته , وليس امامه سوي خيار واحد هو الرحيل. و الصوت المرتفع في ساحة الاسلاميين اعتبرها معركة ضد العلمانيين في قول وبين الاسلام و الكفر في قول آخر. ادري ان حركة تمرد لم تطالب باكثر من تحديد موعد لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة , وان مطالب المعارضة تركزت حول تشكيل حكومة ائتلافية جدية. و التخلص من النائب العام , ادري ايضا ان خطاب الجماعات الاسلامية ظل تصالحيا بصورة نسبية مع قوي المعارضة , طوال السنتين الماضيتين , لكن ذلك كله تغير علي النحو الذي ذكرت توا.
هكذا فان مختلف الشواهد دلت علي ان الثقة باتت مفقودة ومنعدمة بين الطرفين , الامر الذي فتح الباب لتصعيد الخلاف السياسي , بحيث اصبح صراعا حول الوجود وليس تباينا في المواقف و الاجتهادات. واخطر النتائج التي ترتبت علي ذلك ان الطرفين انشغل كل منهما بالآخر باكثر من انشغالهما بالمصلحة العليا للوطن. وهو ما لاحظته صحيفة واشنطون بوست حين ذكرت ان اجواء الصراع الداخلي المحتدم في مصر , شجعت اثيوبيا علي الانفراد بخططها فيما يتعلق بتنفيذ سد النهضة و التوقيع علي اتفاقية عنتيبي.
' 2 '
من عناوين الصحف هذا الاسبوع : جمعة التكفير و التحريض علي القتل انصار الاخوان يقدمون العروض القتالية ويرفعون اللافتات بلاك بلوك للاخوان : سترون الجحيم اذا لجاتم الي البلطجية الغربية تهتف : رصاص برصاص مش هنقول سلمية خلاص الجيش يضع خطة انقاذ الدولة من السقوط امهات الشهداء يصفن الرئيس ' مرسي ' بالخائن المتظاهرون يطاردون الرئيس بالهتاف يا جبان يا خاين اشتباكات بالايدي وتراشق بالحجارة في الاسكندرية و الوادي الجديد متظاهرون احرقوا السيارة الخاصة لمحافظ كفر الشيخ امام بيته في المحلة الكبري والقوا عبوات المولوتوف علي اهل بيته ومنعوا سيارة الاطفاء من الوصول الي المكان استعراضات قتالية بالشوم و الدروع نشطاء يقفزون في النيل رفضا لحكم الاخوان متظاهرو الدفاع يهتفون : ياسيسي خد قرارك -- الشعب المصري في انتظارك قتل اخواني بالفيوم واحراق محلات اخوانية بكفر الشيخ واقتحام مقر حزب النور بالمحلة بيان يستنكر الاعتداء علي الملتحين و المنتقبات -- .الخ.
هذه مجرد نماذج للعناوين التي يمكن نشرها وتعبر عن اجواء المظاهرات التي يقول الجميع انها ' سلمية ' , في حين انها ترسم صورة للتصعيد و التلويح بالعنف المتبادل بين الطرفين. ثمة عناوين اخري لا استطيع نشرها لسبب بسيط هي انها مما لا يجوز تداوله في الصحف السيارة , ومما لا يجوز صدوره عن الثوار الحقيقيين , فضلا عن اهل التهذيب و المروءة.
رسالة العناوين واضحة في ان الاعداد للمظاهرات السلمية استصحب حديثا عن العنف مباشرا وغير مباشر , كان الحديث عن سلمية المظاهرات اطلق من باب الوجاهة السياسية وابراء الذمة , في حين ان ما يرتب علي الارض شيء مختلف وليس ذلك اسوا ما في الامر. لان الاسوا ان اللعبة السياسية الراهنة في مصر اصبحت بغير قواعد , وهو ما فتح الابواب علي مصارعها امام كل الاحتمالات , من اضعفها وادناها الي اتعسها واقصاها. ومن الواضح انه بعد انقطاع جسور الحوار وفي ظل فقدان الثقة المتبادل , فان التراشق الحاصل اصبح يتم عبر وسائل الاعلام من ناحية ومن خلال حشد الجماهير في الشوارع و الميادين من ناحية ثانية.
من المفارقات التي وقعت في هذه الاجواء ان السيد عمرو موسي احد القياديين في جبهة الانقاذ حين التقي في القاهرة نائب مرشد الاخوان خيرت الشاطر علي عشاء جمعهما , قامت الدنيا ولم تقعد , وثارت ثورة رموز المعارضة لان الاول اخل بالخصام المفروض وجلس علي طاولة واحدة مع القيادي الاخواني. وشاءت المقادير ان يزور السيد عمرو موسي رام الله قبل ذلك بايام , وهناك في بيت منيب المصري التقي اسرائيليين من الناشطين في بناء المستوطنات مع بعض رجال الاعمال الفلسطينيين في اجتماع ناقش موضوع السلام الاقتصادي في الضفة الغربية. لكن ذلك اللقاء لم يستوقف احدا من المعارضين في مصر , ولم يجدوا فيه ما يستحق الملاحظة او العتاب , وهو ما يجسد الموقف العبثي الذي بلغته الخصومة القائمة , حين اعتبرت اللقاء مع الاسرائيليين من المباحات , في حين قررت ان اللقاء مع القيادي الاخواني من المحرمات.
' 3 '
اطالب المخابرات الحربية و المخابرات العامة بالقاء القبض علي 1500 من عناصر حركة حماس و كتائب القسام , الذين تم تسكينهم في شقق بالقاهرة. عن طريق الاخوان من اجل التدخل في 30 يونيو.
هذا البلاغ اعلنه من خلال التليفزيون عبر برنامجه الذي تبثه احدي القنوات الخاصة , احد الاعلاميين الذين تربطهم علاقات قديمة بالاجهزة الامنية. وهو يعكس المدي الذي بلغته العبثية في المشهد الراهن , حين تم اقحام حماس في التفاعلات الداخلية المصرية منذ بداية الثورة , ورغم ان شيئا مما جري الترويج له لم يثبت من الناحية الرسمية , الا ان البعض اعتبروا ان معركتهم وخصومتهم للاخوان هي معركة ضد حماس ايضا , وهو موقف رحبت به واذكته الاجهزة الامنية في رام الله التي تخوض حربا سرية ضد حماس منذ عام 2007.
لم يكن جديدا الادعاء بتسرب آلاف الحمساويين الي مصر لاسباب تراوحت بين اتهامهم بالتخريب وبين مساندتهم للاخوان وحماية رئيس الجمهورية , علما بان احدا لا يجيب علي السؤال كيف دخلت تلك الالوف الي مصر دون ان تلاحظها او تحس بها الاجهزة الامنية. ذلك ان صاحبنا لم يكن الوحيد الذي وجه الاتهام لحماس , كما ان القناة الخاصة لم تنفرد بهذه اللغة , لان هذه اللغة شكلت خطابا اعلاميا محوريا في الاسبوع الماضي , واذا سالتني لماذا الاسبوع الماضي بوجه اخص , فردي انه الاسبوع الذي كان مقررا ان تشهد القاهرة في بدايته اجتماع المكتب السياسي لحركة حماس , الامر الذي اقتضي قدوم اعضاء المكتب من عواصم عربية عدة اضطرتهم الظروف المعروفة للانتشار فيها. هؤلاء الاعضاء الذين تجاوز عددهم نحو عشرين شخصا , جاءوا الي القاهرة ولم يلتقوا احدا من الاخوان , في حين قابل قادتهم رئيس الجمهورية ورئيس المخابرات العامة التي تمسك بالملف الفلسطيني. لحظهم فانهم وصلوا في الوقت الذي تصاعدت فيه مؤشرات التراشق و الخصام بين المعارضين و الموالين في مصر , لكن الخطاب الاعلامي المصري قدم وجودهم باعتباره اجتماعا للتنظيم الدولي للاخوان , وان هدفه تامين الرئيس مرسي وحماية نظامه. ومن ثم وصف وجودهم في القاهرة باعتباره تصرفا مريبا ومشبوها , كما اعتبر تدخلا من جانب الحركة في الشان الداخلي المصري , كما ان الهدف منه ترهيب المصريين وتخويفهم.
هذا الكلام لم يقل به بعض الصحفيين الذين تخلوا عن المهنة وتحولوا الي نشطاء سياسيين , وانما ردده كتاب مخضرمون واشخاص قدموا بحسبانهم خبراء عسكريين , وفنانين محترمين ' لماذا يقحم حسين فهمي في الموضوع؟ ' . حتي نشرت احدي الصحف ان محاميا رفع دعوي امام القضاء المستعجل طلب فيها منع قادة حماس من مغادرة مصر لحين انتهاء التحقيق معهم في الجرائم التي ارتكبتها المنظمة بحق امن وسيادة مصر.
هكذا , فانه في اطار التعبئة و الحشد المضاد استخدمت حركة حماس كفزاعة والقي بملفها في المحرقة السياسية. الطريف في الامر ان نائب رئيس المكتب السياسي للحركة , الدكتور موسي ابو مرزوق , كان قد حدد موعدا للاحتفال بعرس ابنه الطبيب المقيم في انجلترا هذا الاسبوع يفترض ان يحضر اهالي العروسين من بلاد الشتات لحضور المناسبة. لكنه تحت تاثير الحملة الاعلامية خشي ان يعتبر الاعلام المصري ان ذلك من قبيل الاحتشاد ليوم 30 يونيو , لذلك وجد انه من الاسلم و الاحكم ان يؤجل الموعد الي بعد عيد الفطر تجنبا للتاويل واطلاق الشائعات و الاكاذيب!
' 4 '
في ظل كثافة الضغوط السياسية و التحريض الاعلامي اليومي يبدو ان الصدور ضاقت بحيث ما عادت مستعدة لاستقبال المبادرات و المقترحات. حتي بدا الافق مسدودا وصرنا كما قيل بحق بازاء قطارين متقابلين يسيران علي قضيب واحد , لابد لهما ان يصطدما في اي لحظة. لدي مبادرات عدة تحاول تجنب ذلك الصدام وانقاذ ما يمكن انقاذه , اغلبها يتحدث عن اجراء انتخابات برلمانية في وقت قريب تستدعي برلمانا جديدا وتشكل حكومة جديدة و الاثنان يستطيعان ان يصوبا المسيرة ويعالجا الاخطاء التي وقع فيها الرئيس و التي كانت سببا لانزعاج وغضب القوي السياسية الاخري. و القائلون بذلك يستشهدون بما حدث في تونس حيث وقع ثلث اعضاء المجلس التاسيسي علي عريضة دعت الي سحب الثقة من الرئيس. ويستندون الي ادعاء القائمين علي حركة تمرد الذين قالوا انهم جمعوا توقيعات 15 مليون شخص , وقد سال اكثر من واحد! لماذا لا يشكل هؤلاء حزبا يستطيع ان يتحدي الرئيس مرسي وان يفرض عليه ما يريده محققا المصلحة العليا في مصر.
يبدو اننا تاخرنا وانه ما عاد هناك وقت ولا عاد هناك متسع لاطلاق اية مبادرات , وان صح ذلك فمعناه ان الصدام حاصل و الدم نازف لا محالة , وحين تواتر ذلك التقدير فانني اصبحت مقتنعا بان الجيش سيضطر الي التدخل لوقف نزيف الدم و الحيلولة دون سقوط الدولة , وهو راي كنت قد استبعدته في وقت سابق اعتمادا علي ما سمعته من مسئولين كبار في وزارة الدفاع , رفضوا باصرار نزول الجيش وانصرافه عن عملية اعادة البناء التي تمضي بقوة هذه الايام. لكنني لم اعد متمسكا بذلك الراي , وصرت اكثر استعدادا للقبول بفكرة احتمال تدخل الجيش حتي اذا كان كارها لذلك ومضطرا. وهو ما عبر عنه الاعلان او الانذار الاخير الذي وجهه وزير الدفاع لمختلف اللاعبين في الساحة السياسية , وطالبهم فيه بتسوية خلافاتهم خلال اسبوع , حتي لا يضطر الجيش الي التدخل. اما الذي سيحدث بعد ذلك , فالسيناريوهات متعددة , باختلاف درجاتها.
لايزال الغموض يكتنف احتمالات الاسبوع القادم , ولا يبقي امامنا الا ان نتوجه بمناشدتين , الاولي الي مؤيدي الرئيس مرسي نرجوهم فيها عدم النزول الي الشارع في وجود معارضيه , خصوصا انهم بمظاهرتهم يوم الجمعة الماضي وجهوا رسالتهم الي الكافة. وللمعارضين رسالة اخري من حقهم توجيهها بدورهم. علما بان اي نزول للموالين في تلك الاثناء سيوفر ذريعة للصدام واسالة الدماء , علي الاقل من جانب الذين يتحينون تلك الفرصة.
المناشدة الثانية نتوجه فيها بالدعاء الي الله سبحانه وتعالي قائلين : اللهم انا لا نسالك رد القضاء ولكن نسالك اللطف فيه.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق