العنف القبيح يطل برأسه على مصر فهمي هويدي


يصدمنا قتل اربعة من الشيعة في احدي قري الجيزة , وتتضاعف الصدمة اذا ادركنا انّ الجريمة التي وقعت يوم الاحد 23/6 هي احدي حلقات مسلسل العنف الذي تشهده مصر في الوقت الراهن , من مذبحة استاد بورسعيد الي احراق منازل البهائيين في قرية الشورانية بسوهاج , الي عنف المتظاهرين حول قصر الاتحادية بمصر الجديدة ومقر الاخوان بالمقطم , الي وقوع 25 حالة سحل للخارجين عن القانون خلال الاشهر الستة الاخيرة , الي ظهور ما سمي بجماعة ' بلاك بلوك ' وشيوع استخدام قنابل المولوتوف في المظاهرات العادية , وقتل احد متظاهري الاخوان في الفيوم و الهجوم علي المحال التجارية لاعضاء الجماعة في كفر الشيخ ومحاولة اقتحام وحرق مقر حزب النور في المحلة الكبري.


الي غير ذلك من القرائن التي سبقها اعتداء البعض علي كنائس الاقباط , وكلها تشير الي انّ العنف بصدد ان يصبح ظاهرة جديدة بصدد التشكل في المجتمع المصري الذي تتعرّض قيمه لاهتزازات عدة في الوقت الراهن.

قصة قتل الشيعة التي تحدث لاول مرة في مصر نموذج يستحق الدراسة و التحليل , ذلك انّ احد الذين اعتنقوا المذهب من ابناء بلدة ابو النمرس بمحافظة الجيزة فرحات عمر خطاب , شهرته شحات وهو عامل بياض عمره 45 سنة , دعا الي اجتماع في بيته ضم 34 شخصا من المتشيعين , بينهم احد قيادييهم , اسمه حسن شحاتة 70 سنة.

وسواء كان الهدف من الاجتماع هو الاحتفال بذكري ميلاد امام الشيعة الغائب محمد حسن العسكري ام لا , فالشاهد انّ الامر اثار حفيظة اهل القرية وبينهم عدد غير قليل من السلفيين ,

وحسب المعلومات الامنية فانّ نحو خمسة آلاف شخص من اهالي القرية هاجموا البيت واعتدوا بالضرب بصورة وحشية علي المجتمعين انتهت بسحل سبعة اشخاص , قتل منهم اربعة , وحاول آخرون احراق البيت بالقاء قنابل المولوتوف عليه الاّ انّ الحريق جري احتواؤه بسرعة.

شريط الفيديو الذي سجّل الاعتداء ظهرت فيه قسوة وفظاظة المعتدين , حيث بدا جليا انّهم يختزنون قدرا هائلا من المرارة و الغضب ازاء المجموعة المحتجزة ,

ولا شك انّ هذا الذي حدث في بلدة ابو النمرس ليس مقطوع الصلة بحملة التعبئة و الكراهية واسعة النطاق التي شنّها الدعاة السلفيون ضد الشيعة عبر مختلف المنابر و القنوات خلال الاسابيع التي خلت ,

وهم الدعاة الذين ادّعوا انّ عقائد اهل السنّة المصريين مهددة بالاختراق الشيعي , وزعموا انّ الشيعة اشدّ خطرا علي الامة من الاسرائيليين , وروّجوا لفكرة انّ حزب الله حين ارسل قواته الي القصير فانّه كان يمثّل احتشادا شيعيا علويا في مواجهة اهل السنّة في سوريا , يتوازي مع عملية الاستقطاب الحاصلة في العراق , و التي قسمت البلدين الشيعة و السنّة و الاكراد.

عملية الشحن هذه عبّات قطاعات غير قليلة من عوامّ المصريين بمشاعر النفور و الكراهية للشيعة , وقد ذهبت الابواق السلفية في ذلك الي مدي بعيد , وكان للقنوات التليفزيونية التي تبثّ احاديث شيوخها دورها المؤثر في ذلك , ذلك انّها اسهمت بدور فعّال في اشاعة الكراهية.

وقد سمعنا انّ احد مشاهيرهم في المهرجان الذي حضره الرئيس مرسي في الاستاد وهو يصف الشيعة بالروافض الانجاس , وهو الوصف الذي شاع في خطب بعض ائمة المساجد.

حين يعبّا العوام علي ذلك النحو , فانّهم عندما يهاجمون بيتا اجتمع فيه نفر من الشيعة فاغلب الظن انّهم يعتبرون فعلتهم خدمة للاسلام وتطهيرا لساحته من اولئك ' الروافض الانجاس ' .

سنحتاج الي وقت اطول ودراسة اوفي واعمق كي نقرر انّ سلوك المصريين قد تغيّر وانّ العنف صار ظاهرة متوطنة في بلادهم ,
لكننا نستطيع ان نسجّل عدة عوامل ارجّح انّها اسهمت في التاثير علي السلوك الجمعي في المرحلة الراهنة منها ما يلي :

تراجع قيمة التسامح في المجتمع , غياب لغة الحوار بين الفرقاء السياسيين وتقديمهم التقاطع علي التواصل , ولجوؤهم الي استخدام العضلات و الحناجر في حسم خلافاتهم ,

غياب سلطة القانون وتراجع حضور الشرطة مع ارتفاع منسوب الجراة في المجتمع ,

تراجع هيبة الدولة في ظل ضعف اداء وحضور الحكومة جراء الممارسات غير المنضبطة لقيم الحريات العامة ,

اختفاء المؤسسات و الاوعية التي تمثّل المجتمع وتسهم في ترشيد سلوك المواطنين و التعبير عنهم , الامر الذي دفع كثيرين الي محاولة تحصيل حقوقهم او تصفية حساباتهم بانفسهم , بطء التقاضي بسبب الاثقال الهائلة التي يتحمّلها ذلك المرفق الذي يعمل به ما بين 16 و17 الف قاض , مطلوب منهم الفصل في نحو 16 مليون قضية.

يعرف اهل الاختصاص انّ ثمة بيئة سياسية واجتماعية تستخلص من الناس افضل ما فيهم , واخري مناقضة تستخرج منهم اسوا ما فيهم.
واخشي ان يطول بقاؤنا في تلك الحالة الاخيرة.

وقد صادفنا ظروفا مواتية تحدّثنا فيها وتحدّث غيرنا عن فضائل المصريين , الاّ انّنا نحتاج الي قدر من الثقة و الشجاعة يسمح لنا بنقد رذائلهم التي جعلت العنف يطلّ بوجهه القبيح في جنبات ' ام الدنيا ' .

ليست هناك تعليقات :