اكتب اليوم عن فرنسا لان فيها ما يستحق التامل ثم اعود لواقعنا المصري ببعض الاستنتاجات.
الحكاية لها جذور , كان الرئيس الفرنسي قد وعد اثناء حملته الانتخابية بتبني قانون يسمح بزواج المثليين وبحقهم في تبني الاطفال. وواضح ان معظم احزاب اليسار التي دعمت الرئيس الفرنسي متمسكة بالمشروع باعتباره احد التعهدات التي قطعها الرئيس فرانسوا اولاند خلال حملته الانتخابية , وهو ما تعكسه تصريحات اعضاء الحكومة وكان آخرهم وزيرة العدل كريستيان توبورا التي اكدت ان الحكومة ستبقي علي مشروع القانون المتعلق بزواج مثليي الجنس , بغض النظر عن المسيرات المرتقبة اليوم.
وقد اعطوا للمشروع اسما جذابا وهو ' الزواج للجميع ' .
وقد دعا البابا بنديكتوس السادس عشر , الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية الي اسماع صوتها ' دونما هوادة وبتصميم كبير ' .
وتظاهر في باريس 70 الف شخص وفق السلطات , و200 الف وفق المنظمين في اطار ' التظاهرة من اجل الجميع ' كرد علي فكرة ' الزواج للجميع ' . وشارك عدة مسئولين منتخبين وشخصيات من المعارضة اليمينية في التظاهرات في باريس ومدن اخري. واتحد اتباع الديانات السماوية الثلاث في التظاهر ضد مشروع القانون وبداوا في حملة توعية لرفض مشروع القانون وبيان مخاطره.
والمثير للتامل ان احد استطلاعات الراي نشرت نتائجه مؤسسة ' ايفوب ' قال ان 61 في المائة من الفرنسيين يؤيدون اتاحة امكانية الزواج للمثليين , الا ان 48 في المائة فقط يؤيدون تبني هؤلاء الازواج اطفالا.
ولتمرير هذا القانون هناك احد مسارين : اما ان يُعرض علي الاستفتاء الشعبي كما تنادي بعض الاطراف المعارضة له باعتبار ان الشعب الفرنسي سيكون اكثر محافظة من نوابه او ان يمرر بشكل تقليدي من قِبل البرلمان بغرفتيه ' الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ ' , ويسيطر عليهما في لحظة تاريخية نادرة اليسار الفرنسي.
طيب ماذا عن مصر؟
اولا , هناك التزامات علي الرئيس وعد بها في الفترة الانتخابية ينبغي ان يلبيها بعد ان يصل الي السلطة. و الرئيس الذي يتعهد ويلتزم ولا ينفذ , فسيفقد جزءا من مصداقيته وبالتالي تتراجع فرص اعادة انتخابه او انتخاب مرشح آخر من الحزب الذي ينتمي اليه.
ثانيا , الشعب هو الحكم في تقرير مصيره , وهذا جزء من الفلسفة الديمقراطية التي رسخها جان جاك روسو حين دافع عن الديمقراطية ' وبني كثير من المنظرين فكرهم علي كلام روسو فيما يتعلق بالديمقراطية المباشرة القائمة علي الاستفتاءات و اللامركزية السياسية ' . وكان روسو محبا للحرية المطلقة ولكنه كان يعرف انها مستحيلة في مجتمعات بحاجة لقوانين تحكمها. لذا قارن بين حالة ما قبل الدولة ' سماها حالة الطبيعة الاولي ' حيث كان الانسان يعيش بلا قوانين فكان حرا بشكل تلقائي وطبيعي وبين وضع ما بعد الدولة بكل ما فيها من قيود , لذا راي ان الحل الوحيد كي يحتفظ الانسان بحريته هو ان يعيش وفقا للقوانين التي ارتضاها هو لنفسه. ومن هنا كن دفاعه عن الديمقراطية في وقت كانت الارستقراطية ' اي حكم نخبة النبلاء ' و الاوليجاركية ' اي حكم نخب السطوة و القوة ' هما المسيطرتان علي اوروبا.
ثالثا , مؤسسات الدين تلعب دورا في الاحتجاج علي مشروع القانون ليس باعتبارها مشرعة باسم الرب ولكن باعتبارها جزءا من نسيج المجتمع وباعتبارها جماعة ضغط قوية لها تاثيرها علي مسار الاحداث , ولكن في النهاية المشرع المنتخب ' البرلمان ' او جموع الناس ' حالة الاستفتاء ' هي التي تقرر.
رابعا , عندهم استطلاعات راي مستقلة وجادة ومعتبرة , عجيب و الله عجيب!
خامسا , البوليس الفرنسي لم يسجل اي حالة القاء مولوتوف او فقع عين او تعرية فتاة. ماذا نقول : مجتمع فرنسي متخلف؟ المفروض ياتون الينا للاستفادة من تجاربنا الاحتجاجية العظيمة في التباري في الاسفاف اللفظي و الخلقي و المادي.
سادسا , الفرنسيون اختاروا في انتخابات يوليو الماضي ان يعطوا كل مفاتيح الحياة السياسية لليسار : الرئيس واغلبية البرلمان بمجلسيه. وعلي هذا لم يعد لليمين المحافظ القدرة علي وقف التشريعات التي سيقررها الرئيس و البرلمان. و الرسالة واضحة للمصريين : التوازن بين السلطات او تركزها قرار يتخذه جموع الناخبين , فلا ينبغي الاستهانة بهذا الامر .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق