عندما تصبح قناة الحافظ تحض علي الرذيلة و الهام شاهين رمز للفضيلة !


جمال سلطان ... لست من المتابعين لقناة الحافظ الدينية ولا اشاهدها الا لو نبهني احد لشيء مهم او استثنائي , ولكني توقفت بدهشة كبيرة امام حكم محكمة القضاء الاداري قبل ايام المتعلق بالقناة و الذي قضي بغلقها لمدة ثلاثين يوما , ومنع مذيع بها و الداعية عبد الله بدر ثلاثين يوما من الظهور في اي وسيلة اعلامية اخري , علي خلفية انتقادهم العنيف للممثلة الهام شاهين في مساجلة شهيرة وقعت بين الطرفين وكانت مثار جدل في الراي العام , و الحكم غريب جدا , كما ان منع مواطن مصري من الحديث في اي وسيلة اعلامية لمدة شهر او سنة او اكثر او اقل محير جدا ويحتاج الي نقاش واسع حول مساحة الاجتهاد في العقوبات التي يملكها القضاء الاداري و التي تتيح لقاضٍ تعطيل الحقوق الدستورية للمواطنين , غير ان اكثر ما حيرني في هذا الحكم هو الحيثيات التي قدمها القاضي , و التي شعرت فيها انني امام شخصية فكرية وايديولوجية تنحاز لنمط فكري وثقافي معين اكثر منها شخصية قضائية , قرات اكثر من مرة الفقرات التي قال فيها ان قناة الحافظ ' تحض علي الرذيلة وتعصف بكيان الاسرة ' بنقدها لالهام شاهين , ووجدت ان ' تاويل ' القاضي المحترم للمعني الذي دفعه لهذا الكلام العجيب يحتاج الي ' قفا عريض ' لكي يستوعبه , قناة الحافظ تحض علي الرذيلة والهام شاهين هي التي تحض علي الفضيلة! الله ينور يا سيادة القاضي , خطبة القاضي ' السياسية ' العصماء وصلت الي حد التنديد بعبد الله بدر بدعوي انه ' ادعي انه يملك خزائن رحمة الله ويملك مفاتيح الجنة و النار ' , وهذه العبارة تحديدا تكشف ان القاضي يستمع كثيرا لحوارات الدكتور محمد البرادعي ويتاثر بتنظير عمرو حمزاوي و الداعية الشهيرة لميس الحديدي , لان هذه العبارة هي جزء تقليدي من التراشق السياسي و الايديولوجي بين الاحزاب الاسلامية و الاحزاب الليبرالية الذي نسمعه في الفضائيات و الصحف و الندوات , فعندما تاتي من منصة يفترض انها للقضاء , فاننا نكون امام قضاء مسيس بامتياز , ولطالما حذرنا من خطورة الاستقطابات التي تحدث في مؤسسة العدالة هذه الايام , ولطالما حذرنا من اندفاع القضاة في مواقف فكرية وسياسية تمزق الوطن هذه الايام , ايضا قال القاضي الهمام في حيثياته ان ما قاله الداعية الاسلامي ' يعد ايذاء لمشاعر المشاهدين من خلال سماعهم تلك الالفاظ النابية ومشاهدتهم مشاهد قبيحة ' , وانا لا اعرف كيف استباح لنفسه ان يتحدث باسم المشاهدين , انت مشاهد وحيد ان كان لا يعجبك كلام الرجل غير القناة , ولكن لا يجوز لك ان تغلقها بالكامل لان جنابك لم يعجبك ما فيها , كما لا يجوز لك باي منطق او عقل او عدالة ان تتحدث نيابة عن المشاهدين , فلم يوكلك الملايين ان تتحدث باسمهم او ان تفرض نظرتك للقبيح و الحسن عليهم , دع الناس تقرر وتحدد , كما كان من المفارقات العجائبية في تلك الحيثيات اعتباره ان ما قام به عبد الله بدر هو من باب ' التعرض للحياة الشخصية لافراد الناس ' , حسب نص كلامه , وانا لا افهم كيف يكون تعليق احد علي افلام ممثل ومشاهد سينمائية هو من قبيل التعرض للحياة الخاصة او الشخصية للافراد , هل كان يتحدث عن بيتها وابنائها , ان كان لها ابناء , او علاقتها بزوجها مثلا , ان كان لها زوج , يا حضرة القاضي الرجل يتكلم عن افلام وسينما ولا يتحدث عن الحياة الخاصة , فهل يليق ان نذكرك كقاضٍ بالفارق بين الاثنين , وقد عاد القاضي المدهش لكي يندد بما قاله الداعية الاسلامي لانه حسب نص كلامه ' يمثل اعتداء علي السكينة العامة التي يتعين ان يتمتع بها المواطن واسرته لدي مشاهدة البث التليفزيوني ' , ومرة اخري جعل من نفسه متحدثا باسم ملايين المصريين وملايين الاسر , واعتبر ان الكلام يمثل اعتداء عليهم , يا عمي انت تتكلم في خصومة مع الممثلة , تحدث عن الاعتداء علي الممثلة ولكن ما دخلك بالاعتداء علي الناس؟ انت لست زعيما سياسيا ولست نقيبا للممثلين ولست عضوا في البرلمان , انت قاضٍ امامك خصومة يتوجب احترام محدوديتها ووقائعها واطرافها , من جعلك وكيلا عن المشاهدين , ومن فوضك للحديث عن مشاعرهم وتقديراتهم للامور , -- الحقيقة ان هذا الحكم وحيثياته يمثلان نموذجا صريحا لتداخل السياسي بالقانوني , و الانتماء الفكري و الايديولوجي وتاثيره علي منصة القضاء , وهو حكم منذر بدخول البلاد في حالة من التيه و الضلال و التعسف في استعمال ادوات السلطة ومنصات القضاء لتصفية خلافات في جوهرها سياسية.

ليست هناك تعليقات :