لم تخفُت هيبة المنبر في قلوب المصريين ولا للحظة ٍواحدة . لكنه اي المنبر استعاد بعد خطبة ' العريفي ' كثيرا من رونقه . اذ ان ' العريفي ' ببساطة ضرب المثال الاروع للداعية المستشعر خطرا داهما يحدق بامته . وقدم النموذج لخطيب المنبر المتمكن من ادوات صناعته . سواء اكانت لغة فصيحة او ترتيب افكارٍ او حسن عرضٍ او شمولية َ نظرة ٍاو اداء صوتيا ولغة جسد ٍمتناغمين مع فقرات الخطبة -- لذلك فان اغلب الدعاة في مصر يحتاجون الي دراسة خطبة ' العريفي ' بنظرة متفحصة ليتداركوا ما فاتهم ويعالجوا خللا واضحا في خطابهم جعل الجماهير عطشي لمثل خطاب ' العريفي ' .
خطبة ' العريفي ' افسدت حالة الذعر و الارجاف التي تضافرت كثير ٌ من القنوات الفضائية علي بثها بعد نتيجة الاستفتاء بيومين فقط وحتي وقتنا الراهن . افسدت التكالب غير الطبيعي و التزايد المحموم غير المبرر للطلب علي ' الدولار ' .
قنوات وجرائد ومواقع انترنت ميزانياتها مجتمعة قد تكسر حد المليار جنيه . لم تكلف نفسها عناء تقديم مبادرات او اقتراح حلولٍ او انتقادٍ موضوعي . انما هي فقط تنتقل من حالة الشماتة و التشفي الي حالة اللطم و العويل بانتظامٍ ومثابرة . فاتت خطبة واحدة لتحوي التضامن و العرفان بالجميل وشحذ الهمم وتوحيد الصف ووضع افكار الخروج من المازق موضع التنفيذ -- فاي صنيعٍ ينقمه الناقمون علي ' العريفي ' ؟
ما الذي يجعلنا ننقم علي ' العريفي ' ؟ هل كانت دعوته طائفية تعمق الخلاف وتزيد حالة الانقسام ام انها كانت دعوة تجميع ٍ وحرصٍ علي واد الفتن ولملمة للصف المبعثر؟
هل قدح في جبهة المعارضة مثلا وشكَّك في انتمائها ونعتها بالخيانة؟ ام انه وصفها بالاحزاب الوطنية وشملها بدعوته للاتحاد ونبذ الفرقة؟
هل تكلم بنبرة استعلاءٍ عن افضال بلاده مثلا واختال بمالها وثرواتها؟ ام انه ظل علي مدار ساعة ٍكاملة يتغزل بمصر وفضلها وسبق ريادتها ويمتدح اهلها ويشار الى اياديهم البيضاء علي العرب كافَّة؟
هل اساء ' العريفي ' الي مسيحيي مصر تلميحا او تصريحا . او حتي استثناهم من حديثه فلم يعرهم انتباها؟ ام ان الرجل قد تعمد ذكرهم بالطيب من القول اكثر من مرة؟
هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ ام اصبح العرف عندنا ان يُقابل الاحسان بالجحود و النكران؟
ولنسرح بخيالنا بعض الشيء وننظر هل لو كان بابا الفاتيكان مثلا زار مصر وقدم خطابا مشابها اكانت الدعوات ضده ستخرج من نفس الذين يعيبون اليوم علي ' العريفي ' ؟
والحق ان شيخ الازهر له من العرفان بالجميل نصيب ٌوافر اخشي ان ينساه المنصفون في غمرة انشغالهم . فشيخ الازهر هو الذي استضاف ' العريفي ' واكرم نُزله وقدمه ليعتلي منبر عمرو بن العاص . وآثر بعد ذلك البعد عن تصدر المشهد . وكذا يكون نهج القادة و الرواد.
نُكران الجميل وجحود الفضل صفات ٌ غريبة علي اهلنا وشعبنا . لذا تجد السواد الاعظم من شعبنا قد استقبل ' العريفي ' وخطبته استقبالا حسنا وبادلوا الرجل ودا بودٍ . ولكاني بهم يطبقون حديث ' ومن اتي اليكم معروفا فكافئوه , فان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتي تعلموا ان قد كافاتموه ' .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق