عمرو خفاجي ... منذ ان وعيت علي هذا العالم , وانا اسمع عبارة ' الدعم لا يصل الي مستحقيه ' , انها عبارة خالدة ولدت وعاشت معززة مكرمة علي ارض مصر , منذ ان انطلق نظام دعم بعض السلع الاساسية لمحدودي الدخل في زمن عبدالناصر ' بالمناسبة اليوم ذكري ميلاده ' , واستمرت العبارة راسخة شامخة في كل العصور التي تلت زمن ميلادها , السادات حاول مداعبتها فهاجت عليه الدنيا فالتزم بالدعم لمستحقيه وغير مستحقيه , ومبارك جعلها شعارا لنظامه ' تعلم من درس سلفه ' وظل يرفض اي حلول تواجه النص المقدس ' الدعم لا يصل الي مستحقيه ' بنص اكثر قداسة ' لا مساس بالدعم ' , حتي وصلنا الي نظام جديد لا يحتاج لاي جهد للايمان بفكرة المقدسات في الدعم , فزاد الدعم وانتعش ' غير مستحقيه ' الذين اعتقدوا لبعض الوقت ان الثورة ستقضي علي ما كانوا يكسبون , لكن الله سلم , واثبتت لهم ' الثورة ' بقيادة النظام الجديد حسن نواياها وعظيم عطاياها , ولم تدع احدا يشك في كرمها.
وعبارة ' الدعم لا يصل الي مستحقيه ' تكشف بجلاء عن فشل الانظمة و الحكومات المتعاقبة , في القيام بمهماتهم وواجباتهم , بتوصيل الدعم الي مستحقيه , ولم يلتفت اي نظام او قائد او زعيم او رئيس , الي ان ترديد هذه المقولة , هو اعلان رسمي عن فشله في الحكم , وتعثر ارادته , امام بعض الصغار من التجار و الموظفين , الذين يلتهمون عشرات المليارات سنويا من موازنة الدولة , في حراسة ' لا مساس بالدعم ' , اللهم الا اذا كان هؤلاء الصغار من التجار و الموظفين , شركاء او وكلاء لاصحاب النص المقدس ' لا مساس بالدعم ' .
المشكلة الكبري , ان الجميع يعتقد , ان هذا الدعم هو دعم للفقراء من شعبنا , الذين يزدادون فقرا وعددا يوما بعد يوم , وان هذه المليارات هي تنازل من السادة الاثرياء لاشقائهم الفقراء , وهنا علينا جميعا ان نصمت ولا نعترض علي حقوق الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم الا بهذا الدعم , فويل للذين يعترضون , وهنا ايضا اكتشفنا ان هذا الدعم هو دعم للكبار , ودعوة للثراء علي حساب الفقراء , عن طريق الحصول علي المقررات التموينية ' غذائية وبترولية , واحيانا دولارية لان الدولة كانت تدعم الدولار ' باسعارها المدعومة , واعادة بيعها , تحت نظر وبصر وسلطة الدولة , باسعار تقترب من اسعارها الحقيقية , فتتحقق الارباح الخيالية لقلة قليلة علي حساب شعب كبير فقير.
ولا اعتقد ان اي مسئول قادر علي نفي ما اقول , او حتي يعترض الي ما ذهبت اليه , لانه سبق واعترف بان ' الدعم لا يصل الي مستحقيه ' , وبالتالي يصل بالضرورة لمن لا يستحق ليتم اهدار المال العام علانية وصراحة في مشهد فاضح علي مسمع ومراي , بل وموافقة , الجميع.
ان وظيفة الدولة , اذا ما قررت , دعم البعض من ابناء شعبها , ان تحافظ علي هذا الدعم لمن يستحقه , واذا لم تفعل , فهي شريكة في سرقة كبري , طبعا يمكن ان تتسرب نسبة ضئيلة الي من لا يستحق , غالبا لا تتعدي الهوامش المئوية المتعارف عليها دوليا , ثم -- اذا سلمنا بان هذا كان يحدث في ازمنة فاسدة , فما الذي يمنع الانظمة الثورية الربانية من وصول الدعم الي مستحقيه؟.
اعلموا ان الله سيحاسبكم , علي اثراء الاغنياء علي حساب الجوعي , قبل ان تحاسبكم القوانين , ولا تقولوا لنا , ان هذا نتاج العهد البائد -- فلم يعد مسموحا بمثل هذه الاعذار الكريهة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق