فرنسا حينما تنسى الدروس التي علمها لها تاريخها الأسود نادر بكار


تطورات الاحداث في جمهورية مالي لا يمكن تفسيرها فقط وفق تسلسلها الزمني وانما يشتبك اكثر من عامل في تقديم رؤية كاملة لن تكفي السطور القادمة لفك اشتباكها وعرضها منفصلة , لكنها حتما تنذر بان ثمة موجة جديدة من الحملات الاوروبية يجري الاعداد لها علي قدم وساق لاستعادة النفوذ القديم في افريقيا بكامل عنفوانه امام نفوذٍ امريكي وآخر صيني يتسع نطاقهما في القارة الافريقية يوما بعد آخر.

التدخل الفرنسي الاوروبي في الشان الداخلي لمالي اخذ اكثر الصور فجاجة ورعونة . فآثر تبني فلسفة المحافظين الجدد الامريكية التي اباحت لنفسها تغيير اي واقع في اي دولة تطولها من دول العالم باستخدام آلة عسكرية لا تبقي ولا تذر , وللاسف الشديد فان تكريس هذه النظرية امر كارثي ينذر بتعميق حالة الفوضي في العالم باسره ويقرر منطق البلطجة الدولية وشريعة الغاب التي تعطي الدول القوية حق العبث بشئون الاقل قوة وقدرة فقط اذا ما هددت مصالحها , اما حقوق الانسان و المواثيق الدولية فانفض يديك منها!

حتما ستتسع مساحة الكارثة المترتبة علي العدوان الفرنسي الاوروبي , ولن تقتصر فقط علي قتل المدنيين الابرياء وتدمير البيوت الآمنة وتشريد العائلات و الاطفال و النساء و التسبب في ماساة انسانية عالمية جديدة , بل ستمتد لتنشر رقعة الفقر و المجاعة علي نطاق افريقي واسع , وتنشر معها ثقافة العنف العشوائي المضاد __ وهذه تحديدا من جملة دروس التاريخ التي استعصي علي الفرنسيين فهمها!

واذا كان المبرر المعلن للحملة العسكرية هو الانحياز للشرعية و التدخل لصالح الشعب المالي فلماذا لم تهب فرنسا مذعورة لنجدة شعب كامل يختطفه مجنون سادي ازهق ارواح مائة الف او يزيدون ودك مدنا علي رءوس اصحابها , ام ان استغاثة السوريين لم تجد من يفك شفرتها في قصر الاليزيه حتي هذه اللحظة ؟

و صحيح ان الاسلام لا يجيز خطف او قتل او الاعتداء علي المدنيين افرادا كانوا اوهيئات ومنشآت ماداموا موجودين في دول المسلمين بالطريقة المشروعة , لكن في الوقت نفسه من قال ان استخدام القوة العسكرية سيفلح في حل المشكلة؟ فضلا عن انه يزيدها تعقيدا .

وحده الحل السلمي السياسي المعتمد علي المصالحة الوطنية و التفاهم و التحاور سيمثل المفتاح السحري لنزع فتيل ازمة مالي , وانا علي يقينٍ ان هذا الحل لايزال ممكنا اذا صدقت النيات واستبعد التدخل الاجنبي بكل صوره , واجزم ان هناك اطرافا عديدة علي استعداد لتغليب صوت العقل و الحكمة و القبول بالمصالحة الوطنية و التحاور للوصول الي حل سلمي عادل مرضٍ لجميع الاطراف .

و بالمناسبة اين دور الخارجية المصرية في استغلال موقف كهذا لاعادة توصيف دور مصر القيادي الرائد بكل ما يستند اليه من ثقل لتقديم مبادرة او القيام بدور وسيط؟ هل ادمنت الدبلوماسية المصرية ان نكون في ذيل القائمة في الوقت الذي يتباري فيه الآخرون لتضخيم دورهم بشتي الصور ؟

ليست هناك تعليقات :