كان حوارا في وضح النهار __ شفافا ومعلنا وبلا اهداف شخصية , لا انتخابية ولا حزبية , هكذا دارت عجلة الحوار مستهدفة كبح جماح آلة العنف و القتل المتبادل , وترويض الاندفاع و الانقضاض علي كرسي الحكم , ولو فوق جثث المصريين.
كان الهدف محددا في ضمير المجموعة المحترمة التي طرحت موضوع الحوار كفريضة واجبة في تلك اللحظة المشحونة بالجنون انطلاقا من قاعدة اخلاقية بسيطة مضمونها ان دم المصري علي المصري حرام.
في ذلك الوقت كان الفريق المؤيد للرئيس مسكونا بيقين ان الهدف من هذه الاحداث هو السطو علي مقعد الرئيس , فيما استقر في مخيلة الفريق الآخر ان اسقاط الرئيس ونظامه علي مرمي حجر , حتي ان احد قادة المعارضة رد علي دعوة شخصية مستقلة للحوار بانه لا رجوع لانه ' كلها ٤٨ ساعة ويسقط النظام ' متوهما ان كل الجهات الرسمية تبارك تحركهم وتدعمه.
ولعلك تذكر انه في تلك اللحظات تكررت تصريحات لبعض قادة المعارضة مبطنة بتلميحات تستدعي الجيش مرة اخري الي المشهد , الامر الذي علقت عليه في هذا المكان وقتها بالقول ' ما يدور في مصر الآن صراع سياسي حامي الوطيس , ينبغي ان يظل محصورا في هذا النطاق , دون التلويح بتدخل الجيش او مغازلته من هذا الطرف او ذاك , لان في ذلك مفسدة للجيش ومحرقة لمصر ستاكل الاخضر و اليابس ' .
وقلت ايضا ' ومن عجب ان بعضا من الذين اطاح بهم المجلس العسكري خارج المشهد , علي كثرة ترددهم عليه و الجلوس بين يديه هم الذين يستدعون المؤسسة العسكرية للحضور في الازمة القاتمة الراهنة , دون ان ينتبه احد الي ان هذه الثورة انفقت ثلاثة ارباع عمرها تناضل وتقاوم لاخراج المجلس العسكري من الملعب السياسي حفاظا عليه وعلي الثورة ' .
وفي تلك الاجواء المخيفة بدا الحوار ليبطل مفعول قنبلة الاعلان الدستوري ' الديكتاتوري الفرعوني __ الخ ' الذي اثار كل هذه الدوامات من العنف و الفزع , واتاح فرصة للحالمين بالقفز علي سطح القصر الرئاسي ولو سقط الف مصري ومصرية وقودا لهذه المعركة العبثية.
وانعقدت الجلسة الاولي للحوار وانتهت الي ' الغاء ' الاعلان الدستوري وقد استغرقت المناقشات اكثر من ثماني ساعات للتوصل الي كلمة ' الالغاء ' ولو لم يكن لهذا الحوار من نتائج الا هذه الخطوة فكفي بها انجازا اخرج مصر من نفق مظلم لو دخلته ما كانت قد خرجت منه قبل عقود.
وكان اللغم الثاني علي سلم المخاطر هو ما اسميته امس ' المواد القابلة للاشتعال في وثيقة الدستور ' وقد تم التوافق بين جميع الاطراف علي ضرورة تعديلها , وفي ذلك شاركت جبهة الانقاذ في الخفاء وبالمراسلة حيث بعث اعضاء قياديون فيها بتصوراتهم لهذه المواد.
واكرر انه حوار في نور الشمس , وليس في ظلام الغرف المغلقة , كما يجري الآن سرا بين صقور من المعارضة المستحدثة وشخصيات من احزاب الاكثرية المشاركة في الحوار الوطني.
وشتان بين حوار انعقد نهارا جهارا ولا يزال حماية للدم المصري , وحوار بدا سرا في الظلام للتفاوض علي مقاعد البرلمان القادم.
حوارنا لم يكن يهدف الي مصلحة شخصية , كما يطنطن ذلك النائب السابق ' الثورجي الكاجوال ' ولو كان كذلك لقبل المشاركون فيه التعيين في مجلس الشوري , بينما حواره يبدا و ينتهي عند فرصته في الحفاظ علي مقعده البرلماني عبر صفقة انتخابية .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق