يتحدث رموز المعارضة المهجنة عن سقوط الشرعية السياسية للرئيس و نظامه , هذا حقهم في ان يروا ما يرونه , لكن هل يواجه هؤلاء انفسهم و يدركون انهم ايضا فقدوا الشرعية الثورية و الاخلاقية حين احتضنوا الثورة المضادة و ادخولها في جوف الليل الي غرف الغضب ؟
لقد بحت الاصوات منذ وقت مبكر في التحذير من ابتذال الثورة والقاء المعارضة علي شواطئ الاسفاف , غير ان الذين اكتووا بسياط العكشنة صاروا عكاشيين حتي النخاع , حين اعتمدوا ذلك الخطاب المهترئ القائم علي قصف دماغ المصريين بقنابل الكذب العنقودية , وحشو امعائهم بكل ما طالته ايديهم من ملوثات اعلامية , وممارسة حروب الدعاية السوداء , و الانعتاق التام من المنطق ومن الضمير وايضا من المهنية.
وهكذا دخلت مصر حربا لا اخلاقية , بعد ان هيمنت نوازع الاقصاء وتحكمت غرائز الازاحة و الرغبة في افناء الآخر , الذي كان شريكا ثم تحول الي عدو , فرخصت الدماء وهانت الارواح , وصار القتل علي الهوية عملا عاديا لا يزعج ضمير احد من امراء الطوائف المتحاربين.
غير انه في البدء كان الابتذال , حين صارت ازمة الشهيدة الهام شاهين هي قضية حرية الفن و الابداع , وصار ذلك الكائن العكاشي الطافح علي الفضائيات مدخلا لقضية حرية التعبير -- اي بؤس هذا الذي تعيشه مصر , كما تساءلت في مقال هنا في سبتمبر الماضي لا باس من استعادة فقرات منهه في هذه الايام السود التي نري فيها انفارا وخادمات عائلة مبارك في هيئة الثوار المناضلين.
لقد كنا نتصور ان الثورة حررتنا من زمن الفوتوشوب , ذلك الزمن الذي كانت تتلون فيه الحقائق وتتبدل الوقائع علي هوي من بيده لوحة المفاتيح , فكان يمكن ان تري الفار جبلا وكشك السجائر هرما , فتبتذل المعاني و المفاهيم وتغرق المصطلحات في امواج الاسفاف.
ان ذلك الذي ظهر في هيئة الشيوخ واهل الفتوي و الفقه وفتح صنبور الشتائم و السخائم علي الممثلة الهام شاهين قدم لها ما لم تستطع ماكينات النقد الفني و التلميع , المجانية منها و المدفوعة , ان تسديه لها طوال مسيرتها الفنية , فنقلها من منطقة ممثلات السينما التجارية , الي البطولة المطلقة في فيلم هابط ومبتذل اسمه ' حرية الفن و الابداع ' وتحولت بين يوم وليلة الي شهيدة لهولوكست الفتاوي و الآراء الخادشة للحياء , حتي وان حاولت التمسح بالدين و الحديث باسمه.
لقد كانت هذه ' الحادثة ' واحدة من العلامات الظاهرة علي دخول الثورة المصرية عصر الاسفاف التام , ذلك الذي بدا بتعبئة ائتلافات ثورية مزيفة في ورش المجلس العسكري , وامتد لنجد احزاب مبارك وصفوت الشريف تطل علينا الآن في عبوات جديدة وانيقة في اسمائها , ليتحول الاستقلال من قيمة نضالية الي علامة تجارية , وتستخدم الحركة الوطنية عنوانا لمعسكر الانتقام من ثورة الوطنية الخالصة كما تجلت في ٢٥ يناير ٢٠١١ , واختلط الخطاب السياسي الجاد بالمونولوج الاعلامي الغارق في تهتكه واهترائه , وصار العداء للمقاومة الفلسطينية وحماس مساويا وربما مقدما علي العداء للعدوالصهيوني , وتعطلت لغة الكلام وطفحت ابجدية المولوتوف , وسقطت الثورة في جب البلطجة -- و ' تعكشن ' الذين كنا نتعامل معهم باعتبارهم شموس الضمير و ' تزندد ' الذين عينوا انفسهم حراس المهنية و العقلانية.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق