بين نهضة مصر المنتظرة و تجربة الصين الرائدة أحمد منصور


بهرني تاريخ الصين بحروبه وعائلاته الملكية وعوامل النهضة و التقدم و السقوط و التراجع فيه ومصر الآن بحاجة الي ان تستلهم تجارب الآخرين حتي تنهض بعد كبوتها وتترجم ثورة الشعب الي نهضة عظيمة في كافة جوانب الحياة ، لذلك وجدت تاريخ الصين مدرسة عظيمة لمن اراد ان يتعلم فن القيادة و الحكم ويرسم طريق النهضة و البناء ، واهم شيء اكتشفته ان النهضة التي تعيشها الصين الآن ليست الاولي ، وانما هي تكرار لعدة حضارات قامت في الصين خلال اكثر من ثلاثة آلاف عام وقد حرصت علي ان اعرف تاريخ الصين من داخله فذهبت الي مدينة شاوسينج حينما علمت انها اقدم مدن الصين التي مازالت قائمة حيث يزيد عمرها علي الفين واربعمائة عام ، مشيت في شوارعها اشم رائحة التاريخ وعبق الحضارات الغابرة حيث الانهار التي مازالت تجري في طولها وعرضها منذ اقدم العصور و التي يزيد مجموع طولها عن 1900 كيلو متر ، وفي كل مكان تجد من يعرض عليك ركوب المراكب التقليدية القديمة التي ترتب لك جولة تتعرف من خلالها علي المدينة وتاريخها وكيف نشات الحضارة الاولي فيها من خلال صفحة المياه في هذه الانهار ، ولولا رائحة التوفو المؤذية التي تنبعث من المطاعم وتملا الشوارع وهي اكلة يحبها الصينيون لها رائحة كريهة لبقيت فيها اياما اكثر.

من اهم ماوقفت عنده هو عوامل النهضة في العهود الملكية الصينية المختلفة طيلة هذه القرون ، كان اول ازدهار للحضارة الصينية في حقبة تشين حيث نجح ملكهم بينغ تشنج في سنة 221 قبل الميلاد في توحيد ممالك الصين السبع تحت سلطته واقام سور الصين العظيم وبني الطرق و القنوات ووضع الحروف الابجدية واقام نظام الاوزان و المقاييس لكن حقبة تشين لم تدم طويلا بسبب القسوة علي الشعب و النظام الاقطاعي الاستبداي الذي اقاموه ، مما ادي الي ثورة الفلاحين عليهم واسقاطهم وبداية عهد الهان ، حيث قامت للهان سلالتان شرقية وغربية اسقط الفلاحون الشرقية مرة اخري بعدما حكموا الصين من 225 قبل الميلاد الي 8 بعد الميلاد ، وكان لابد من الحروب مرة اخري لتوحيد الصين وقد حكمت سلالة الهان الشرقية الصين بعد ذلك بين عامي 25 الي 220 بعد الميلاد ، وكان من الطبيعي لحكام الهان الذين اخذوا بعوامل النهضة آنذاك ان يحققوا نجاحات كبيرة علي الصعيد الاقتصادي و العلاقات الخارجية ، فالصين التي تملك كميات هائلة من الملح تكفيها لآلاف السنين عرفت منذ ذلك الوقت بتجارة الملح عالميا وكان موردا رئيسا من موارد الدولة ، وكذلك الحديد الذي تملك الصين حاليا من احتياطاته 44 بليون طن وهي بذلك تعتبر واحدا من اكبر احتياطيات الحديد في العالم ، عرفت في ذلك الوقت قبل حوالي الفي عام بتجارة الحديد وكانت الدولة تحتكره وقد ادي مع الملح الي موارد مالية واقتصادية هائلة ساهمت بشكل مباشر في نهضة البلاد آنذاك ، فقام الامبراطور تشانج تشيان بايفاد المبعوثين الي الدول واقامة العلاقات معها ، وامن طرق التجارة ، فامتدت تجارة الحرير و المنسوجات التي تشتهر بها الصين حتي الآن عبر القوافل التجارية من الصين الي الاسكندرية في مصر ومنها الي اوروبا عبر طريق الحرير الذي وصل طوله آنذاك الي سبعة آلاف كيلو متر ، ومن خلال طريق الحرير نقلت الصين تجارتها وحضارتها التي كانت متقدمة نسبيا الي الامم الاخري ، وكان التجار في طريق عودتهم يحملون معهم غرائب الامم و الحضارات التي كانوا يتاجرون معها او يمرون بها ، واذكر خلال تغطيتي للحرب الافغانية ابان الاحتلال السوفيتي بين عامي 1987 و1990 انني مشيت في بعض ممرات هذا الطريق مرافقا لرحلات المجاهدين الافغان آنذاك ايضا علي البغال و الخيل التي سبقتنا قبل آلاف السنين وكانت تملا هذه الجبال صهيلا وجلجلة وكم تخيلت تلك القوافل و الدروب الطويلة التي كانت تسلكها عبر الجبال و السهول و الهضاب شتاء في الثلوج وصيفا بين جمال الطبيعة وسحرها ، ولم يكن اختيار هذا الطريق عبثا ولكن السر فيه يكمن في عيون الماء علي طول الطريق التي مازالت حتي الآن تروي ظما القوافل منذ آلاف السنين ، وقد بهرني جبل مواز لطريق الحرير في احد اودية محافظة لوجر في افغانستان يمتلئ بعيون الماء التي تتفجر من جميع جوانبه وتشكل في سفحه نهرا صغيرا وجدته يروي معظم مناطق الوادي ، وكنت وقتها ارافق كلا من البروفيسور برهان الدين رباني وعبد الرسول سياف وكليهما كانا من قادة المجاهدين آنذاك وكانا في رحلة تاريخية مشتركة داخل افغانستان من اجل توحيد الفصائل ، قال لي رباني وكان اديبا وبليغا في اللغتين العربية و الفارسية : نحن نسميه الجبل الباكي من كثرة عيون الماء فيه يا احمد -- . نكمل يوم السبت.

ليست هناك تعليقات :