ننشر أول مقال صحفي للمتحدث باسم الرئيس ياسر علي في جريدة الأهرام ' حضن الثورة '


يكتب الدكتور ياسر علي , المتحدث باسم رئاسة الجمهورية , أول مقالاته السياسية بجريدة الأهرام , في عدد اليوم السبت 8 سبتمبر , بعنوان ' الأهرام و حضن الثورة ' , و ينشر حديث العرب فيما يلي المقال كاملا :

أكتب اليوم كمواطن مصري من خلال هذه النافذة , أطل فيها علي مصر من جريدة‏ ' الأهرام ' التي كانت بالنسبة لي وعلي مدار عقود طويلة هي لسان حال الطبقة الوسطي , و التي كنت ومازلت‏ أحد أبنائها‏.‏

أذكر أنني كنت دوما في طفولتي أكرر أنني من مواليد ' الأهرام ' حيث ارتبط تاريخ ميلادي بتاريخ ميلاد جريدة ' الأهرام ' , وهو الخامس من شهر أغسطس , وكنت ولا أزال أعتبر جريدة ' الأهرام ' فردا من أفراد العائلة المصرية يزورها كل صباح مع وجبة الإفطار فيبدأ الجميع يومهم بالإطلالة علي مصر من هذه الجريدة , ولذلك لم أتردد في الكتابة من هذه النافذة ممتنا للدعوة الكريمة التي وجهت لي من أسرة التحرير.

ويتذكر معي القارئ الكريم كيف كان العمل الطلابي في الجامعات المصرية هو الوعاء الحاضن لحيوية الشعب المصري في مقاومته لكل صور الفساد و التبعية و الاستبداد --- وكيف كانت الجامعات مستودعا لقيم الحرية و الوطنية , وكان الجميع ولا يزال ينتظر دائما موقف طلاب الجامعات المصرية في مجمل القضايا العامة للوطن, وقد كنت و احدا من أبناء الحركة الطلابية الذين تعلموا في مدرسة الوطنية المصرية بالجامعة , حيث كنت عضوا في اتحادات الطلاب في جامعة عين شمس في مطلع الثمانينيات.

ولا يغيب عن ذاكرتي زيارة قمنا بها خلال الدراسة الجامعية_ لجريدة ' الأهرام ' التقينا فيها بالكاتب الكبير الأستاذ سلامة أحمد سلامة_ رحمه الله_ في مكتبه , وسمعت منه لأول مرة كلامه عن ' التخمر الثوري ' وأن التغيير المجتمعي لا يمكن أن يكون طفرة دون مقدمات حقيقية ودون نضال فاعل متصل وتضحيات مقدرة لشرائح مختلفة من كل أبناء الوطن وأن النضال الذي قاده المجتمع المصري و الحركة الطلابية المصرية في القلب منه سيثمر في نهايته شيئا مهما للوطن بشرط أن تستمر قوة الدفع عبر الأجيال وصولا إلي لحظة الإصلاح.
في جريدة ' الأهرام ' أيضا توالت اللقاءات_ ونحن في هذه المرحلة_ مع كثير من الأساتذة و المفكرين تمثل لنا زادا لاستمرار حمل قضايا الوطن وتبني قيم الحرية و النضال , وما زلت أذكر أيضا أنني قابلت في جريدة ' الأهرام ' لأول مرة المستشار الكبير طارق البشري في هذه الآونة ---

ففي إحدي قاعات المؤسسة العريقة استمعت من المستشار البشري إلي كلام بالغ الأهمية لا أنساه_ وكان كلامه شارحا لما سطره الكواكبي في كتابه المتفرد ' طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ' ولفت نظرنا يومئذ للقوانين التي تحكم حركة المجتمع في نضاله ضد الاستبداد و الفساد وصولا إلي لحظة الثورة و التغيير. ومن بين ما تناوله المستشار البشري في هذا اللقاء أن إحداث التغيير المطلوب لابد أن تتوافر له شروط ثلاثة , أولها أن يصل المجتمع المصري إلي قناعة كاملة بأنه لا أمل في الإصلاح أو ما اسماه يومها ' السخط العام '
هذا السخط العام لابد أن يشمل كل طبقات المجتمع لا يستثني طائفة من طائفة ولا ملة من ملة حتي يصل المجتمع كله إلي إرادة الثورة و التغيير , وأنه لا يمكن أن يصل مجتمع إلي اللحظة الثورية دون أن تتوافر هذه الإرادة. و الشرط الثاني هو الإصرار علي التغيير السلمي و الحفاظ علي النضال المجتمعي المصري بعيدا عن العنف وكل الأدوات التي تؤدي إليه , وآخر هذه الشروط هو وجود حادث ملهم أو مؤلم يجعل من هذا السخط العام وقودا لعملية التغيير و الإصلاح.

وعبر أجيال ممتدة من النضال الوطني وعبر حركات وأحزاب وجماعات وقوي وطنية وعبر نضالات استمرت أعواما بأدوات مختلفة في العمل الطلابي و الجامعي و العمل الحزبي و المجتمعي وعبر قوي كثيرة تخلقت في رحم هذا الوطن الكبير هذه الثورة العظيمة و التي ولدت في 25 يناير 2011 مع جيل من شباب مصر الذي حول بأدوات عصره ومع اكتمال الشروط الثلاثة حلمنا إلي و اقع حقيقي وتنادي معه كل الشعب المصري بكل أجياله صانعا وداعما لهذه الثورة العظيمة.

إنني أؤمن تماما بأن الثورة المصرية لابد أن يولد منها مشروع نهضوي كبير يحقق طموح المصريين في إعادة تخليق منظومة حضارية ترد الاعتبار لهذا الوطن وإلي تاريخه وترد للمواطن المصري حقه في حياة كريمة وفي دور عصري يتناسب مع طاقاته وإمكانياته --- كما أنني مقتنع بأن هذا المشروع النهضوي الشامل لابد أن يكون متعديا للأيدلوجيات و الحزبيات و الأفكار معبرا عن العقل الجمعي لكل أبناء الجماعة الوطنية المصرية مع الاحتفاظ بحق كل طرف في الاختلاف في بعض الأدوات و الوسائل و السياسات ---

وأدرك في آن و احد أن منظومة التنمية الغربية الشاملة في تخطيطها وتأسيسها تجاوزت نفس الخطوط وهو ما عبر عنه ناعوم تشاوميسكي عندما قال إن الأحزاب الغربية تآكلت أيديولوجيا وتعاظمت تنمويا حتي أصبح التباين بين الأحزاب المختلفة و القوي الفاعلة في هذه المجتمعات هو مقدار ما تسهم به من أفكار وسياسات وأدوات في إطار مشروع متكامل لنهضة شاملة وفي إطار الكفاءات البشرية التي تملكها وتؤهلها لقيادة خطط التنمية و النهضة.

إن الأمة المصرية مدعوة في هذه الفرصة التاريخية من دورات التاريخ للتشبث بهذه النهضة و العمل بكل طاقاتها لبناء وطن يتسع لكل أبنائه ويتسع لتنوعهم و اختلافهم في إطار هدف جامع وعمل متصل وصولا إلي محصلة حضارية ونهضوية حقيقية تقدم نموذجا متميزا في و اقع مصر الإقليمي وفي محيطها العربي و الإفريقي , ومصر قادرة علي ذلك , و المصريون بمخزونهم الحضاري ووعيهم المتجذر سيبحرون معا إلي شاطئ أكثر رقيا وأكثر أمنا --- لذلك فإن هذه النافذة في جريدة' الأهرام' ستكون مهتمة بقضية النهضة وشروطها وتوفير العمل اللازم لها. ودعم تكوين مشروع وطني جامع لمصر التي تستحق مستقبلا أفضل وتستحق من أبنائها عملا دؤوبا لتحقيق هذا الحلم.

هذه النافذة ستطل علي تاريخ الحضارات و النهضات وعلي الدراسات المقارنة التي تهتم بالعمل الحضاري عبر التاريخ و الأوطان و الأفكار , كما أنها ستحاول بسط التحديات وتحليلها ودعم كل جهد وطني جاد لتجاوزها.

أخيرا --- وكبداية لسلسلة من المقالات --- أؤكد أن كلماتي التي سأتواصل من خلالها بالقارئ المصري في هذه الزاوية تعبر عني كمواطن مصري مهتم بقضايا وطنه ولا علاقة لها بالمؤسسة التي أعمل فيها متحدثا رسميا.

ليست هناك تعليقات :