وائل عبد الفتاح ... في فترات الانهيار العظيم ترتفع الالقاب فوق السحاب , وقد سجل هذا شاعر اندلسي , اسمه ابن شرف , عاش في فترة من اسوا فترات الضعف و الهوان في تاريخ الاندلس حيث قال :
و مما يزهدني في ارض اندلس قول معتصم فيها ومعتضد
القاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الاسد
والعبارة توضح المعني ان الخلفاء اختاروا لانفسهم اسماء فخيمة من قبيل ' المعتصم بالله ' و ' المعتضد بالله ' في حين ان احدهم يؤمن بالله خالقا و يكفر به هاديا كما قال ابن خلدون , و الامر ليس بعيدا عما ذكره الجبرتي و هو يؤرخ للفترة السابقة علي الحملة الفرنسية مباشرة حيث انتشرت الفاظ من قبيل ' عالم علماء الديرة ' و ' عين اعيان البلد ' .
ان هذه الاسماء نفسها , و ما يرتبط عادة من متاجرة بها , دليل قاطع علي ان المجتمع يشهد انهيارا يعوضه بان يطلق علي حلاق الصحة ' الدكتور ' و علي الميكانيكي ' الباش مهندز ' .
و هنا تفقد الكلمات معناها و دلالاتها و تصبح مجاملات لتعويض الشعور بالنقص , هذا محلل استراتيجي , و هذا فقيه دستوري , و هذا ناشط سياسي و هكذا من القاب دلالتها غير واضحة الا علي سبيل المجاملة .
اريد ان نعود الي مصطلحات اقل غموضا واكثر تعبيرا عن حقائق و ليس امنيات او خدع زائفة , مثلا : فلان الفلان هو استاذ القانون الدستوري او القانون الجنائي او القانون الاداري في جامعة كذا ' هذا افضل كثيرا من مجرد : فقيه دستوري ' , وفلان الفلاني هو لواء اركان حرب متقاعد بالجيش المصري , وفلان الفلاني هو طبيب او محامٍ او مهندس ومن الداعين لمظاهرة كذا او مسيرة كذا.
الطبقة السياسية التي كانت حاكمة لمصر ما قبل الثورة اختفت اجمالا مع استثناءات قليلة , واخشي اننا نستبدلها بطبقة جديدة مصابة بنفس الامراض ولكن في الاتجاه المضاد. ظاهرة ' المنتفعين من الثورة ' لها ثلاثة مداخل : اولئك الذين يساوون بين الثورة و الفعل الثوري , وبين الثورة وبين انفسهم , ويرون انهم اصحابها وحدهم , ويرون ان هدوء الاحوال وهم ليسوا في مقاعد السلطة ' خيانة للثورة ' لانه ' خيانة لانفسهم ' .
وهناك مدخل توزيع صكوك الثورية و الوطنية علي اصدقائي ومن يتفقون معي وتوزيع صكوك الرجعية و الفلولية و الخيانة الثورية علي كل من يرفضون توجهي.
وهناك مدخل شغل حيزا اكبر من الحيز الذي يليق بالانسان بادعاء العلم و المعرفة و الخبرة و التخصص في اي مجال طالما فيه ' سبوبة ' مثلما يفعل الجزار المصري الذي لا يجد عملا في دولة خليجية ولكنه مستعد ان يعمل ' كهربائي ' ان دعت الحاجة طالما انها ' سبوبة ' .
عيوب المصريين كثيرة , وكنت في فترة سابقة من حياتي اعتقد ان كلام سلامة موسي و فؤاد زكريا و جمال حمدان و الزكي النجيب محمود عن عيوب الخاصة المصرية من قبيل المبالغة , و لكن بمرور الوقت اكتشفت ان عوارا حقيقيا قد اصابنا و ان المقومات الاخلاقية و الفكرية للنهضة بعيدة عنا , المسالة ليست ان نضع ' فيشة ' النهضة و الحضارة في ' الكوبس ' و ستسير سيارة الوطن في الاتجاه الصحيح .
' الفيشة ' بحاجة لتصنيع , و ' الكوبس ' بحاجة لتطوير و السيارة متهالكة بحاجة لعمرة شاملة .
و لنحاول ما دام في العمر بقية .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق