لماذا حولنا مصر الى سرادق عزاء كبير للدجل السياسي و الشعوذة ؟


وائل قنديل ... تبدو مصر من بعيد وكانها تحولت الي سرادق عزاء كبير , تحول فيه الحوار السياسي الي مناحة , وساحة ممتدة للندب و العويل و النواح , بينما العالم كله لايزال ينظر الي ما جري في ٢٥ يناير ببهجة وفرح وفخر بهذا الابداع الثوري المصري.


في قاعة المؤتمرات الكبري بمدينة بالي الاندونيسية افتتح امس منتدي الحوار الديمقراطي بحضور اثني عشر رئيس دولة في مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان و الايراني احمدي نجاد -- قبيل الافتتاح بحثت عن علم مصر في القاعة الكبيرة مع النائب الشاب في البرلمان المنحل ' او المنعدم بنص حكم الدستورية ' باسم كامل لالتقاط صورة عنده , وبينما نحن واقفان حضر السفير المصري في اندونيسيا ليجلس في مكانه بالقاعة , تبادلنا التحية وتعارفنا وانضم لنا عدد من اعضاء الوفد المصري ودار حوار سريع , اكد خلاله السفير كريم الدسوقي الذي لم يمر علي توليه منصبه اكثر من شهر ونصف الشهر انه لمس اعتزازا بالثورة المصرية من قبل الحكومة و المجتمع الاندونيسيين واستعدادا تاما لدعم مصر في مرحلة ما بعد الثورة.

وفي كلمات افتتاح المنتدي توقفت رئيسة وزراء استراليا جوليا جيرالد بالاعجاب و التحية لثورة ٢٥ يناير المصرية فصفق الحاضرون.

ويحيلك هذا المشهد مباشرة الي مطالعة الاخبار الواردة من مصر , فتجد صورة مغايرة تماما , حيث النائحون و النائحات , الطبيعيات و المصطنعات , لتصطدم بان هناك علي ما يبدو ماكينة عملاقة تمارس الحفر في الادمغة و الوجدان , لاثارة الفزع و الهلع بين المصريين , ودفعهم الي شواطئ الاحباط و الاحساس باللاجدوي , و الاسي و الندم علي ثورتهم , وكان شيئا واحدا ايجايبيا لم يتحقق منها.

فمن افلام الرعب المصنوعة باحترافية شديدة عما يجري في سيناء , الي اغراق الناس بشلالات من حواديت امنا الغولة عن الخراب الاقتصادي , و الانهيار الامني , مرورا بالتفزيع من الدستور القادم , تشعر وكانك في جنازة , الحزن فيها صناعي مزيف بامتياز , وصفوف اللاطمين و اللاطمات تمتد علي الجانبين وكان الهدف الاسمي لقطاع من محترفي العويل السياسي الآن ان يقنعوا الناس بان الثورة جلبت الخراب , وان ما عاشه الناس من تطورات واحداث سياسية جاءت باول رئيس منتخب في تاريخنا لم يكن سوي هلاوس وضلالات لا وجود لها في الواقع.

ان تجار وموزعي الياس و الخوف ينشطون بهمة شديدة هذه الايام وكانهم يخوضون معركتهم الاخيرة ضد الثورة , ويشنون اشرس هجماتهم علي الوعي وما تبقي من امل في نفوس الجماهير بمستقبل افضل بعد الثورة.

والمثير للدهشة في قضية الدستور علي سبيل المثال , ان الذين يصدعون رؤوس البلاد و العباد بنحيب متواصل علي دستور لم يولد بعد , مطالبين بان ياتي توافقيا , يطلقون النار علي اي بادرة توافق تلوح في الافق السياسي , الامر الذي يشعرك بان بعضهم يتكسب من هذه الحالة من تمزيق الثياب واهالة التراب , بحيث اذا جاءهم دستور توافقي لحد بيوتهم لن يفتحوا له الباب.

والحاصل اننا امام سوق حرة للدجل السياسي تنتعش فيها الشعوذة علي نحو غير مسبوق , حولت الدستور من غاية نبيلة الي وسيلة رخيصة للمناكفة و التعارك الصبياني , دون ان يعفي ذلك اصحاب الاغلبية من المسئولية عن هذا المازق الذي حشروا فيه مصر بعنادهم واصرارهم علي اللغو و اللغط في قضايا كان يمكن حسمها بسهولة دون الحاجة لاهدار كل هذا الوقت و الجهد , و الانفراد بعملية سلق للدستور في ساعات فقط , بعد اشهر طويلة من التسكع في دروب المغالبة و الاستعلاء وكانهم ورثوا الارض ومن فوقها.

ليست هناك تعليقات :