وائل قنديل ... كان البعض يتحرق شوقا استعجالا لاعلان موت الشهيد جابر صلاح ' جيكا ' , فقط للاستثمار السياسي , و تشاء الاقدار ان يسقط شهيد آخر في اللحظة التي تصعد فيها روح جيكا الي بارئها , ليستفيق الكل علي فاجعة تساقط اجمل الزهور ثمنا لمهرجان العبث السياسي المنصوب بطول مصر و عرضها .
ان دماء جابر في محمد محمود و اسلام في دمنهور تفضح الجميع , سلطة و معارضة , و تصرخ فيهم ان يتوقفوا عن لعبة الموت , و يكفوا عن القاء مزيد من الحطب في الحريق الذي سيطالنا جميعا , و يلتهم ما تبقي من ثورة دفعنا فيها كل مدخراتنا من الحلم بوطن اجمل و انظف .
و من العبث ان يستغرق البعض في لعبة المقارنة و المفاضلة بين دم جابر و دم اسلام , فالدم واحد و الجرح واحد , و القاتل واحد ايضا , فكلاهما شهيد للعبث و الارتباك و الاقتتال بين فرقاء كانوا في معسكر واحد ثم تفرقت بهم السبل .
و تبقي قمة العبث و العوار الاخلاقي ان يمني البعض النفس بانقلاب يطيح بالسلطة المنتخبة , و كاننا قررنا ان نكفر بالثورة و قيمها و معانيها , و نسلمها مرة اخري لمن قامت ضدهم .
مع شديد الاحترام لدعوات التصعيد ضد الاستبداد و الديكتاتورية , فان التصعيد يكون دائما الي الاعلي , و ليس الي الاسفل , التصعيد يكون اقترابا من اهداف و مطالب و احلام الثورة , و ليس ابتعادا عنها و التصاقا بما هو ضدها .
التصعيد يكون ارتقاء الي قيم الحق و الكرامة الانسانية و العدالة و الحرية و الديمقراطية و التعايش في مجتمع انساني , و دون ذلك هو انخفاض و هبوط الي الاسوا .
و لا احد يملك آن يقف امام النزوع الي التصعيد في النضال ضد الاستبداد و الديكتاتورية , لكن ذلك لا يكون بالاصطفاف مع استبداد اوضح و ديكتاتورية اكثر وضاعة , في مشهد مهين للشهداء و للثورة يلتقي فيه و يتعانق المناضلون و القتلة , و يتجاور فيه الثوار مع اعداء الثورة.
و علي ذلك تحسن القوي الثورية صنعا ان هي اعلنت بشكل قاطع ان نضالها ضد الاستبداد لا ينفصل عن النضال ضد الثورة المضادة , التي تجد في هذه الحالة من الاحتراب السياسي مرتعا خصبا كي تطل بوجهها القبيح , و تخترق معسكر الثورة و تمتطيه آحيانا .
و في هذا الوضع الكئيب لا حل امام الجميع الا الحوار و التوافق وصولا الي عقد اجتماعي ينهي حرب القبائل المشتعلة , و يقود الي حالة من التعايش المتحضر , و المسئولية الاكبر هنا تقع علي عاتق من بيده السلطة , و آمام الرئيس فرصة يؤكد من خلالها انه رئيس لكل المصريين , فاذا كان هذا الاعلان الدستوري هو اللغم الذي ينذر بتفجير مصر , فلنبطل مفعول هذا اللغم , و نرحم البلاد من هذا الاستنزاف للدماء و للطاقات و للثورة .
انصتوا جيدا لرسالة الشهيدين الصغيرين , و اوقفوا هذه المحرقة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق