ننشر فيما يلي ديباجة الدستور الجديد الذي تبدا الجمعية التاسيسية التصويت عليه في جلسة صباح الغد الخميس برئاسة المستشار حسام الغرياني , و الديباجة كبتها الشاعر الكبير فاروق جويدة :
نحن جماهير شعب مصر باسم الله وبعونههذا هو دستور مصر ووثيقة ثورتها السلمية الرائدة التي فجرها شبابها الواعد وايدها شعبها الصبور في ميدان التحرير يوم الخامس و العشرين من يناير 2011 , معلنا رفضه لكل الوان الظلم و القهر و الطغيان و الاستبداد و النهب و الاحتكار , مجاهرا بحقوقه الكاملة في العيش الكريم و الحرية و العدالة الاجتماعية و الكرامة الانسانية التي شرعها الخالق قبل ان تشرعها الدساتير و الاعلانات العالمية لحقوق الانسان , ومبشرا بميلاد فجر جديد يليق بمصر الحضارة و التاريخ التي عرفت البشرية اول ابجديات الكتابة , واطلقت عقيدة التوحيد ومعرفة الخالق وزينت صفحات التاريخ الانساني بمواكب الابداع , واقامت اقدم دولة علي ضفاف نهر النيل الخالد , وادركت منذ البدايات معني الهوية , وتجسدت علي ارضها المواطنة في اكمل معانيها.
لقد استرد الشعب المصري العظيم حريته , ونال كرامته , وها هو ذا يمضي قدما نحو غد جديد وهو اكثر التحاقا بعصره , واكثر ايمانا بقدراته وثوابته , واكثر حرصا علي تحقيق اهداف ثورته السلمية , مستبشرا بمستقبل آمن في ظل وطن حر الارادة , صلب العزيمة ينطلق نحو آفاق من العمل الجاد و المشاركة الفاعلة في ركب الحضارة الانسانية.
ان هذه الروح الجديدة التي عادت للشعب المصري جمعته علي كلمة وساء لبناء دولة مصرية ديموقراطية حديثة , الاسلام دينها , و اللغة العربية لغتها الرسمية , ومباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي لتشريعاتها , ومباديء شرائع المسيحيين و اليهود المصريين المصدر الرئيسي لتشريعاتهم المنظمة لشئونهم الدينية واحوالهم الخاصة واختيار قياداتهم الروحية , وياتي ذلك كله استنادا علي ثوابت متكاملة يعبر عنها شعبنا الاصيل في مجموعة من القيم و المباديء الاتية :
اولا : السيادة للشعب المصري , فهو صاحب الحق الوحيد في تاسيس السلطات التي تستمد شرعيتها منه , وتخضع لارادته , وتلتزم حدود اختصاصاتها ومسئولياتها الدستورية , وتحمي المال العام , وتحافظ علي موارد الدولة , وتوفر اركان العدالة في توزيعها , وتعلي مبدا ان الوظائف و المناصب العامة هي مسئوليات وصلاحيات , وليست حقوقا ولا امتيازات للقائمين عليها , الذين يعملون في خدمة الشعب ورعاية مصالح المواطنين.
ثانيا : اقامة حياة ديموقراطية سليمة ترسخ للتدوال السلمي للسلطة , وتوسعه , وتعمق التعددية السياسية و الحزبية , وتضمن نزاهة الانتخابات واسهام الشعب في صنع القرارات الوطنية.
ثالثا : حرية المواطن في كل جوانب حياته فكرا وابداعا وسكنا واملاكا وحلا وترحالا عن اقتناع كامل بان هذه الحرية حق سماوي وضع الخالق ضوابطها وثوابتها في حركة الكون , وخلق الانسان حرا وجعله ارقي مخلوقاته علي الارض واكثرها ذكاء وحكمة.
رابعا : المساواة امام القانون وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين و المواطنات دونما تمييز او محاباة او وساطة , وبخاصة في مجالات التعليم و التوظيف , ومباشرة الحقوق السياسية و التمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية وغيرها , واعطاء الاولوية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
خامسا : سيادة القانون اساس الحكم في الدول المصرية الحديثة , وهي التي تضمن حرية الفرد ومشروعية السلطة , وخضوع الدولة وغيرها من الاشخاص للقانون , و التزامها باستقلال القضاء , والا يعلو اي صوت علي قوة الحق ليبقي القضاء المصري الشامخ صاحب رسالة سامية في حماية الدستور , واقامة موازين العدالة وصون الحقوق و الحريات.
سادسا : احترام الفرد حجر الاساس في بناء الوطن وكرامته امتداد طبيعي لكرامة هذا الوطن , ولا كرامة لوطن لا تكرم فيه المراة , فالنساء شقائق الرجال وهن حصن الامومة وشريكات في كل المكتسبات و المسئولية الوطنية.
سابعا : الوحدة الوطنية فريضة واجبة علي الدولة و المجتمع , وهي قاعدة الاستقرار و التماسك الوطني , وركيزة بناء الدولة المصرية الحديثة , وانطلاقها نحو التقدم و التنمية , ويرسخ هذه الوحدة الوطنية نشر قيم التسامح و الاعتدال و الوسطية وكفالة الحقوق و الحريات لجميع المواطنين دون تفرقة بين ابناء الجماعة الوطنية.
ثامنا : الدفاع عن الوطن شرف وواجب وطني تحشد له الموادر البشرية و الاعتمادات المالية , وللقوات المسلحة مكانة خاصة راسخة في وجدان الشعب المصري , فهي الدرع الواقي للبلاد وهي مؤسسة وطنية محترفة محايدة , لا تتدخل في الشان السياسي , ولا يجوز لسواها انشاء تشكيلات عسكرية او شبه عسكرية او ممارسة اي نشاط ذي طابع عسكري.
تاسعا : الامن نعمة كبري تسهر عليه اجهزة الامن لحماية الشعب , وفرض موازين العدالة , فلا عدل بلاحماية ولا حماية بغير مؤسسات امنية قادرة علي فرض هيبة الدولة في ظل احترام كامل لسيادة القانون وكرامة الانسان.
عاشرا : السلام العادل للعالم اجمع , و التقدم السياسي و الاجتماعي لكل الشعوب و التنمية الوطنية المستقلة التي لا تحدث الا باطلاق جميع الامكانات و الملكات الخلاقة و المبدعة للشعب المصري العظيم الذي سجل في كل العصور اسهاماته البازغة في اداء دوره الحضاري لنفسه وللانسانية قاطبة.
حادي عشر : الوحدة امل الامة العربية , وهي نداء تاريخ , ودعوة مستقبل , وضرورة مصير لا تتحقق الا في حماية امة عربية قادرة عل ردع اي تهديد خارجي مهما كانت مصادره , و الدعاوي التي تسانده , ويعضد من هذه الوحدة تحقيق التكامل و التآخي مع مجموعة دول حوض النيل و العالم الاسلامي التي تشكل امتدادا طبيعيا لعبقرية الموقع و المكان الذي تشغله مصر علي الخريطة الكونية.
ثاني عشر : تاكيد دور مصر الفكري و الثقافي الرائد في العالم كله وفي المنطقة المحيطة بها , الذي تجسده القوة الناعمة التي قدمت ولاتزال تقدم نماذج العطاء المصري فكرا وفنا وابداعا , من الواجب ان تعطي الاولوية في حرية مبدعيها وامن مفكريها ومسئولية الدولة عن رعايتها في مؤسساتها العريقة في جامعاتها ومجامعها العلمية ومراكزها البحثية وصحافتها وفنونها وآدابها واعلامها وكنيستها الوطنة وازهرها الشريف الذي كان علي امتداد تاريخه قواما علي هوية الوطن راعيا للغة العربية الخالدة و الشريعة الاسلامية الغراء ومنارة للفكر الوسطي المستنير.
نحن جماهير شعب مصر ايمانا بالله ورسالاته وعرفانا بحق الوطن و الامة علينا واستشعارا بمسئوليتنا الوطنية و الانسانية نقتدي ونلتزم بالثوابت الوادرة بهذه الديباجة التي نعتبرها جزءا لا يتجزا من هذا الدستور الذي نقبله ونمنحه لانفسنا , مؤكدين عزمنا الاكيد علي العمل به , و الدفاع عنه , وعلي حمايته , وتاكيد احترامه من قبل جميع سلطات الدولة و الكافة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق