وقعنا في المحظور و تجاوزنا الخطوط الحمراء و وجهنا سهامنا الى صدر ثورتنا


فهمي هويدي ... وقعنا في المحظور حين استبد الانفعال ببعضنا , فاقدموا علي تجاوز عدد من الخطوط الحمراء لكي يسجلوا نقاطا لصالحهم. من ثم فانهم ضحوا بما هو استراتيجي لكي يفوزوا في مواجهاتهم التكتيكية. اتحدث عن الشطط الحاصل في مصر , الذي تحولت في ظله معارك النخبة السياسية الي مشاهد عبثية في لعبة بلا قواعد. في هذا الصدد اخص بالذكر خمسة مشاهد هي :

_ لم افهم مثلا اصرار البعض علي ان الاستفتاء تم تزويره , وهو ادعاء تحدثت عنه بعض الصحف قبل البدء في اجرائه , لمجرد الطعن في الدستور و الايحاء بان ما يحدث الآن هو استنساخ لتجربة الحزب الوطني , الامر الذي يعطي انطباعا بان الثورة لم تفعل شيئا , وانها نقلتنا من سيئ الي اسوا. وهي الرسالة التي تلقفتها بعض الصحف و الفضائيات العربية , وظلت تروج لها طوال الاسبوع الماضي.

ادري ان مئات البلاغات و الطعون قدمت الي اللجنة العليا للانتخابات , وان تلك اللجنة هي المخولة في التحقيق فيها , بما يميز بين ما هو مخالفات متعلقة بمواعيد فتح اللجان او اغلاقها وتاخر وصول بعض القضاة , وبين ما هو كيدي او حقيقي في الادعاء بالتزوير. كما انها وحدها التي بمقدورها ان تقرر ان التزوير الذي حدث يمثل حالة او بعض الحالات , او انه يشكل ظاهرة عامة تصم الاستفتاء وتفسده. الا ان الكيد السياسي و الاعلامي استبق وحكم باعدام التجربة , قبل ان تقول اللجنة المختصة كلمتها.

ان جيلنا الذي عاصر التزوير الحقيقي , الذي اوصل نسبة الفوز الي 99.9 في المائة , يتردد كثيرا في تصديق الادعاء اذا اصبحت نسبة الموافقين علي الدستور 64 في المائة فقط. ويدهشه مثلا ان يكون محافظ ' المنوفية ' التي هي احدي المحافظات الثلاث التي عارضت فيها الاغلبية الدستور قيادي اخواني مخضرم هو استاذ الهندسة السابق الدكتور محمد علي بشر , الامر الذي يعني ان ' الاخونة ' المفترضة في هذه الحالة خذلت الاخوان ولم تنتصر لهم.

_ استغربت ايضا الزج بورقة الاقباط في الصراع الحاصل , الي حد الادعاء بانهم منعوا من الادلاء باصواتهم في الاستفتاء. وقد تابعت حوارا تليفزيونيا سالت فيه المذيعة موفد الفضائية الي احدي محافظات الصعيد , عن هذه المسالة فكان رده انهم تعرضوا ' لمضايقات ' حين ذهبوا الي لجنة التصويت في قريتهم , ذلك انهم لم يجدوا اسماء الناخبين في حوزتها فعادوا الي بيوتهم. وقد اكتفت المذيعة بهذه المعلومة ولم تلاحظ ان عدم وصول قوائم اسماء الناخبين لا يعد منعا من التصويت , كما لم تلاحظ ان ما جري لم يحرم الاقباط فقط من التصويت , وغير أنه حرم ايضا جيرانهم المسلمين الذين كانت اسماؤهم مدرجة في القوائم ذاتها. مع ذلك فان الحكاية طيرتها وكالات الانباء الي انحاء العالم , و التقطها متعصبو اقباط المهجر وذهبوا بها الي اعضاء الكونجرس من الموالين لاسرائيل , ولم يقصر هؤلاء في ضمها الي حيثيات تشهيرهم بالثورة المصرية و التنديد بممارساتها.

_ تستوقفنا ايضا محاولات الزج بالجيش في الصراع الحاصل , من خلال تحريضه واستنفاره وتحذير الراي العام من ان ضباطه وجنوده غاضبون ولن يسكتوا طويلا علي ' الاهانات ' التي توجه اليهم. وهي الشائعات التي يروج لها بعض الاعلاميين ومعهم نفر من ' الخبراء ' واصحاب المصلحة. وكان واحد من الاخيرين قد دعا صراحة في احد البرامج التليفزيونية الي تدخل الجيش لانقاذ البلد من ' براثن ' الاخوان. واحدث فرقعة في هذا السياق حدثت حين تكلم مرشد الاخوان الدكتور محمد بديع عن قيادات فاسدة تولت امر الجيش في الماضي , دون ان يحدد المرحلة التاريخية التي حدث فيها ذلك. وقد تصيد هؤلاء كلامه للادعاء بان ثمة خطة ممنهجة لاهانة الجيش. وتسابقت ابواق عدة في داخل مصر وخارجها في التعبير عن الغيرة علي كرامة الجيش , وفي حثه علي الدفاع عن كرامته , و الرسالة مفهومة في هذه الحالة.

_ في سياق الترويج لفكرة انتشار الفوضي في مصر , اشاع البعض ان البلد ظهرت فيها ' ميليشيات ' اسلامية مسلحة تتربص بالخصوم السياسيين وتهددهم بالقتل. وقد نشرت صحيفة ' الشروق الاوسط ' يوم الاثنين الماضي ' 24/12 ' حديثا مطولا لمن وصف بانه خبير امني واستراتيجي ركز فيه علي هذه الفكرة , وقال صراحة ان هيبة الدولة كسرت في مصر ملمحا الي انها في صدد الدخول في حرب اهلية يحتكم فيها الفرقاء الي السلاح.

_ ما لا يقل عبثية عما سبق ذلك النموذج الذي ضربه وكلاء النيابة في الاسبوع الماضي , حين حاصروا النائب العام واهانوه حتي اجبروه علي الاستقالة. وقد شاهدنا قبل ايام وقائع ما جري من خلال ' الفيديو ' الذي جري بثه تليفزيونيا , وراينا فيه وكلاء النيابة ' الموقرين ' وهم يجذبون الرجل من ثيابه ويسبونه. وهو نوع من ' البلطجة ' استنكرناه في سلوك بعض العوام و العاطلين. غير أنه اصبح واقعة تاريخية حين مارسه بعض وكلاء النيابة الذين احتشدوا لكي يفرضوا رايهم. فاهدروا بذلك هيبة القضاة انفسهم , وسنُّوا سُنَّة تبرر لآخرين اللجوء الي ذات الاسلوب في ساحات المحاكم وفي غيرها من الساحات. لقد ادهشنا انخراط بعض القضاة في الصراع السياسي , لكن لم يخطر علي بالنا ان يذهبوا بعيدا بحيث انزلقوا الي ممارسة البلطجة بالفعل. في حين مارسها آخرون منهم في خطاب هابط اهان القضاء واسقط بعض رموزه من الاعين.

اننا بصدد سهام استخدمها البعض في العراك بين ما سمي بالقوي المدنية و الدينية , وغير أنها جميعا اصابت جسم الثورة وشوهتها وصار الوطن هو الضحية و المصاب الحقيقي في العراك المنفلت.

ليست هناك تعليقات :