حلمي الجزار ... منذ تشكلت الجمعية التاسيسية الاولي لكتابة مسودة الدستور المصري و الخلاف تتصاعد حدته قانونيا وسياسيا , فابطل القضاء الاداري التشكيل الاول للجمعية التاسيسية.
واعتبر المعارضون هذا الالغاء القانوني نصرا لهم فزادت الفجوة بينهم وبين المؤيدين الذين لجاوا بدورهم الي اصدار قانون من مجلس الشعب تم بمقتضاه التشكيل الثاني للجمعية التاسيسية تحت ظلال من الخلاف المستحكم.
وظل التربص سيد الموقف في اثناء اعداد مسودة الدستور, يطل براسه احيانا وتعمل يده في الخفاء احيانا اخري حتي راينا انسحابات في الامتار الاخيرة من اعداد مشروع الدستور, فولدت مسودته تحت قصف متبادل من انعدام الثقة, وانطلقنا الي الاستفتاء علي مشروع الدستور وكل طرف لا يتواني عن مهاجمة الطرف الآخر بكل الاساليب المشروعة وغير المشروعة, ولا بد ان المواطن العادي قد احتار بين الفرقاء السياسيين غير أنه علي كل حال توجه
الي صناديق الاقتراع.
وكان مشيرا للنظر ان يري كل المراقبين هذه الملايين التي امتدت طوابيرها امام مراكز الاقتراع ليتمكن كل مواطن وكل مواطنة من الادلاء بالتصويت علي مشروع الدستور ' ان شئنا الدقة لقلنا كل مواطنة قبل كل مواطن لان اقبال النساء كان اكبر عددا واكثر اصرارا ' . وهذه الحشود التي زحفت الي مراكز الاقتراع تجعل من المستحيل ان تحدث اي محاولة للخروج عن الحيادية المطلوبة, يضاف الي ذلك وجود الاشراف القضائي في اللجان الفرعية و العامة ووجود حراسة يقظة من قوات الجيش و الشرطة مع مراقبة لصيقة من منظمات داخلية وخارجية. كل هذه الضمانات تصب في حيدة الاستفتاء وتقلل الي حد بعيد مصداقية من يحاولون الصاق اي تهمة بالتزييف او التزوير.
واشارت النتائج النهائية_ وان كانت غير رسمية_ الي تفوق المصوتين بنعم بنسبة56 في المائة امام المصوتين بلا الذين بلغت نسبتهم44 في المائة . وتباري كثير من المحللين كي يستنبطوا دلالة هذه النتيجة فقال بعضهم انها_ اي النتيجة_ تظهر تراجعا في التاييد للتيار الاسلامي مستحضرين في الذاكرة النسب التي حصل عليها هذا التيار في الانتخابات البرلمانية ' نحو65 في المائة ' , واري ان هذه المقارنة غير دقيقة, بل الادق منها ان نقارن هذه النسب بتلك التي افرزتها نتائج الجولة الثانية و الحاسمة في الانتخابات الرئاسية لان الاختيار في كلتا الحالتين كان اختيارا بين بديلين اثنين, وفي الانتخابات الرئاسية حصل الدكتور مرسي علي نسبة تقترب من52 في المائة وكان يؤيده آنذاك كثير من القوي الثورية المضادة لاحمد شفيق, وفي مرحلة الاستفتاء الاولي حصل معسكر الدكتور مرسي وبدون تاييد من اي من هذه القوي علي56 في المائة , وهذا يعتبر زيادة في شعبية الدكتور محمد مرسي, ويبدو هذا الامر اكثر وضوحا حينما نستعرض نتائج المحافظات كل علي حدة فقد تراجعت نسبة التاييد لمعسكر الدكتور مرسي في القاهرة و الاسكندرية وسوهاج ' رغم ان هذه الاخيرة قد حققت اعلي نسبة نعم في الاستفتاء علي الدستور وهي79 في المائة غير أنها ايدت الدكتور مرسي في انتخابات الرئاسة بنسبة85 في المائة ' . في نفس الوقت زادت شعبية معسكر المؤيدين للدكتور مرسي في سبع محافظات بفارق ملموس كان اوضحه ما حدث في كل من محافظة الدقهلية ومحافظة الشرقية.
وقد كانت هاتان المحافظتان في صف المعارضة في انتخابات الرئاسة حيث حصل الدكتور مرسي علي نحو45 في المائة في كل منهما بينما في الاستفتاء حصل معسكر المؤيدين علي نسبة66 في المائة بالشرقية و55 في المائة بالدقهلية, وحدث تغير كبير جدا في محافظة اسوان ' 75 في المائة قالوا نعم وفي الرئاسة حصل الدكتور مرسي علي52 في المائة فقط ' وفي اسيوط74 في المائة قالوا نعم في الاستفتاء بينما في انتخابات الرئاسة حصل الدكتور مرسي علي61 في المائة فقط ومثل ذلك في محافظتي شمال وجنوب سيناء, اما محافظة الغربية التي ظلت معاندة لمعسكر الدكتور مرسي ' 48 في المائة ' فقط قالوا نعم في الاستفتاء ' لكن اذا قارنا هذه النسبة بما حققه الدكتور مرسي في الرئاسة ' 3 في المائة فقط ' لاتضح بشكل واضح مدي التقدم في معسكر مؤيدي الدكتور محمد مرسي.
لكن عيون المعارضين تري النتيجة بشكل آخر ومعهم حق في ذلك, فهم يقولون ان الفارق بين نعم ولا ليس كبيرا, واصبحت لا منتشرة في معظم محافظات مصر ويستدلون بذلك علي وجود معارضة قوية راسيا ومنتشرة افقيا, وهذه ملاحظة مهمة تفتح آفاق العمل السياسي امام كل من المؤيدين و المعارضين. فالمعارضون حسب رؤيتهم يقولون لقد اقتربنا من نسبة ال50 في المائة وهي نقطة الاتزان التي يتمنونها للوصول الي تحقيق اغلبية بالمستقبل, وقد يري المؤيدون انهم حققوا تقدما من52 في المائة في انتخابات الرئاسة بمعاونة آخرين بينما حققوا56 في المائة بدونهم, وقد يمثل ذلك بالنسبة لهم تمايزا في المواقف يستطيعون استنادا عليه بناء المزيد من التفوق في المستقبل.
ثمة ملاحظة مهمة وهي ان الاستفتاء وان كان قد جري علي مشروع الدستور لكن جو الاستقطاب الحاد في المجتمع جعل منه ساحة لمعركة سياسية بين مؤيدي ومعارضي الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية, وان شئنا الانصاف لقلنا ان الاستفتاء علي الدستور كان في المرتبة الثانية التي احتل مرتبتها الاولي الصراع السياسي بين المؤيدين و المعارضين, وعلي كل حال فان اعتبرنا هذه النتيجة دالة علي تاييد مشروع الدستور من عدمه لاقتبسنا تعبير الاستاذ الدكتور احمد كمال ابو المجد الفقيه القانوني المعروف الذي قال بعد ظهور النتائج ان هذا الدستور يحتاج الي عملية نقل دم حتي تزداد عافيته, لعله يشير في ذلك الي الراي الذي طالب بتاييد واسع لمشروع الدستور بحسبانه القانون الاساسي بالدولة, وقد المح سيادته صراحة الي انه مع مؤسسة الرئاسة وبالتحديد مع السيد نائب الرئيس المستشار محمود مكي وآخرين يبحثون هذه الآلية التي بها تزداد عافية وثيقة الدستور, واظن ان هذا الامر ليس ببعيد عما دعا اليه السيد رئيس الجمهورية من استعداده لتبني اقتراحات جادة بعد حوار وطني كي يقدمها سيادته الي مجلس النواب في جلسته الاولي ليسير الجميع في عملية نقل الدم طلبا لمزيد من العافية للدستور. ومن منا لا يريد زيادة في عافية الوطن وعافية الدستور ؟!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق