لكل هذه الأسباب الشعب سيقبل الدستور و ستصاب المعارضة بالخيبة


المحافظات التي شهدت وقائع الجولة الاولي من الاستفتاء تمثل مراكز الثقل التقليدية للمعارضة وفلول النظام السابق , ومع ذلك نجحت قوي الاستقرار و البناء في ان تكسر ذلك الحاجز , ففي الشرقية فازت ' موافق ' بفارق ملحوظ , وكانت احدي النقاط التي حقق فيها الفلول مفاجاة في انتخابات الرئاسة لصالح الفريق احمد شفيق , وفي الاسكندرية حققت ' موافق ' ايضا تفوقا واضحا , وفي الدقهلية ايضا حققت ' موافق ' تفوقا ملحوظا , وفي اسيوط وسوهاج كان اكتساح ' موافق ' مفهوما ومتوقعا وهو نفس ما حدث في انتخابات الرئاسة , اما في القاهرة التي تمثل بعض احيائها مراكز حشد مسيحي كثيفة ومناطق نفوذ لرجال اعمال مبارك وشريحة من الطبقة الوسطي المتحفظة تجاه التيار الاسلامي , ففازت فيها ' غير موافق ' بفارق ليس كبيرا , وربما اقل من الفارق الذي تحقق في انتخابات الرئاسة , وفي الغربية ايضا تفوق طفيف ل ' غير موافق ' ربما بفعل الحساسية الزائدة من التيار السلفي في منطقة لها جذور صوفية عميقة , ووفق هذه النتائج فان المرجح ان تشهد الجولة الثانية تفوقا اعلي للموافقين علي الدستور , لان هناك مناطق ثقل كبيرة يمكن ان تحدث الفارق بوضوح كافٍ كما احدثته في انتخابات الرئاسة , وخاصة مناطق الكثافة مثل الجيزة و الفيوم وبني سويف ودمياط , ولكن تبقي كل هذه الرؤي مجرد توقعات تتوقف فاعليتها علي الجهد الذي يبذله كل فريق في محاولة اقناع المواطنين بوجهة النظر الداعمة للدستور او الرافضة له.


والحقيقة ان موافقة الشعب المصري علي الدستور لا يمكن ان تكون مفاجاة باي معيار , بل المفاجاة الكبري فعلا لو حدثت فهي ان يرفض الشعب الدستور , لانه بعيدا عن سفسطة المثقفين وجدل الفضائيات وخناقات النخب المؤدلجة حتي النخاع , فان المنطق البسيط و البديهي للمواطن العادي يجعل من القبول بالدستور , حتي وان كان فيه بعض ما لا نرضي عنه , بوابة للامل و الانقاذ الوطني الحقيقي , لان الموافقة تفتح الباب امام برنامج عمل وطني محدد الملامح و الخطوات ومفعم بالخير , فانت بالموافقة ستكون قد حصلت للامة علي اول دستور حقيقي تختاره بنفسها ويعبر بنسبة هائلة عن اشواقها للحرية و الكرامة و العدالة وتقطع الطريق علي مسلسل الاعلانات الدستورية المثيرة للجدل و الاضطراب و الغموض , ثم في خلال شهرين من انجاز الدستور سنكون امام انتخابات برلمانية ليولد برلمان وطني حقيقي منتخب يعبر عن كل اطياف المجتمع وتياراته السياسية لينتقل الحراك السياسي من فوضي الشوارع الي رصانة المؤسسات وفاعليتها , فنربح الدستور و البرلمان الذي يستعيد سلطة التشريع من الرئيس للشعب , ثم يعقب ذلك تشكيل حكومة ائتلافية منتخبة , وهي اول حكومة منتخبة من الشعب مباشرة منذ اكثر من ستين عاما لها مساحة استقلال واسعة عن رئيس الجمهورية للمرة الاولي ايضا , ثم في اعقاب ذلك يتم انتخاب مجلس الشوري , او الشيوخ , ثم يعقب ذلك انطلاق مشروعات البناء و العمل وجذب الاستثمارات ودخولها بقوة الي اسواق يعرف العالم كله انها واعدة وبها مميزات ضخمة , بما يعني رفع معدلات التنمية وفتح فرص عمل جديدة وانقاذ للبنية الاساسية وتطويرها وتحسين الاجور و الرعاية الصحية و التعليمية و الاسكانية ومحاصرة مساحات الفقر و المعاناة الاجتماعية وغير ذلك , هذا البرنامج الوطني محدد الخطوات و الملامح اذا تمت اجازة الدستور و الموافقة عليه , اما في حالة رفض الدستور فانت تفتح ابواب الوطن علي المجهول , ولا يوجد من يعرف يقينا ما هي الخطة الثانية بعد رفضه , هل تتم الدعوة لانتخاب جمعية تاسيسية انتخابا حرا من الشعب؟ وهل ستقبل المعارضة ذلك بما يجعل احتمالية تشكيل الجمعية الجديدة باكثر من 80 في المائة من المشايخ وقادة التيار الاسلامي و الاحزاب و الشخصيات القريبة منهم؟ ام يرفضون الاحتكام للصندوق من جديد؟ ام يطعنون علي الصندوق ويقولون انه مزور؟ ام يخرج لنا الحاج احمد الزند ليقول ان القضاة سيقاطعون؟ او يطعن احدهم في محكمة تهاني الجبالي فيتم وقف الاجراءات؟ او غير ذلك من دوامات وعبث بلا نهاية؟ ام ناخذ المسار الآخر ونبحث عن ' التوافق ' في تشكيلها؟ وهو توافق سيحتاج الي خمس سنوات تقريبا علي الاقل باعتبار انه لا توجد قضية واحدة فقط تم التوافق عليها بين القوي السياسية المختلفة منذ نجاح ثورة يناير وحتي الآن , حسنا , توافقنا علي الجمعية التاسيسية الجديدة بعد عمر طويل كيف ستدار اعمالها؟ ومن يراسها؟ وكيف يتم اعتماد صيغتها؟ هل بالتوافق ام بالتصويت؟ هل سيشترط الاجماع وهو مستحيل بين الكنيسة و الدعوة السلفية؟ ام بالاغلبية فنعود الي نقض ما ناضلنا من اجله وهو ضرورة ان يكون الدستور توافقيا؟ ولا داعي لان اذكرك بانه خلال هذه الاعوام التي تتم فيها تلك ' الحلقة المفرغة ' التي لا تدري اولها من آخرها , كيف تكون سلطة التشريع و الرقابة علي الحكومة؟ وكيف يكون اقتصاد البلد المعلق بانتظار دستور؟ واين تذهب الاستثمارات المحلية و الاجنبية التي تنتظر ان تري ' دولة ' ؟ وهل سنشهد اعلانا دستوريا سادسا او سابعا لملا الفراغ؟ وما هي شرعيته؟ وماذا اذا انتهت مدة الرئيس خلال هذه المعمعة؟ هل سنجري انتخابات رئاسية جديدة؟ وعلي اي اساس؟ ام يصدر اعلان دستوري بمد عمل الرئيس لحين الانتهاء من انجاز الدستور؟ -- هل عرفنا لماذا يذهب المواطن البسيط لكي يقول ' موافق ' علي الدستور الجديد معطيا ظهره لهوس الفضائيات و سفسطة النخبة ؟

ليست هناك تعليقات :