الخطر الذي يهدد الرئيس مرسي في ظل الأزمة الحالية


عبد الله الأشعل ... اسارع الي التاكيد بان الموقف في مصر بالغ الحرج من زوايا‏ ,‏ متعددة يراها القاصي و الداني و ان عامل الوقت اشد حرجا‏ . كما افهم مدي حساسية الرئيس اتجاه اصدقائه و لكنني اذكره بالحديث الشريف انصر اخاك ظالما او مظلوما‏ .


لذلك فان نصرة الظالم في الحديث هي مناصحته في عصرنا او الاخذ علي يديه في عصر النبوة. وعندما يكون الوطن في خطر فان المناصحة تصبح واجبا. فقد فهمت ان الرئيس يدرك انه علي حق وانه يقصد الخير وانه يريد ان يصلح السفينة ويجهزها ويبعد عنها المتربصين بها في عرين القضاء حتي تصبح قادرة علي تنفيذ البرنامج الانتخابي بكفاءه بعد تنظيف شرايين مصر من الفساد و الترهل. لا شك ان الرئيس يدرك ايضا الحالة التي تلم بمصر وهو يدرك اكثر من غيره بحكم انه نزل الي قمرة القيادة واطلع علي احوالها ولابد انه يعرف ايضا ان هناك في المجتمع المصري كل شيء : الانتهازيون و الخونة واتباع الامريكان و الصهاينة الذين ربوهم في عقود طويلة ولم يترك ولاؤهم لهم شيئا من الولاء لمصرهم, كما ان في مصر شرفاء مثلما ان في مصر عقلاء, وسوقة وحرافيش وتركة ثقيلة في تركيب مصر وفي علاقاتها الخارجية وفي هذه النقطة اظن ان الدكتور مرسي قد فوجئ بانه لحسن نيته وسلامة طويته يدعو الي الخير ولكن جزءا كبيرا من قومه لا يفهمون كما ان هذه الدعوة جاءت بلغة تدعو الي القلق وارتبطت بحملة طاغية ضد الاخوان المسلمين لدرجة ان الجهاز الاعلامي لهؤلاء قسم مصر الي اخوان وشعب وكان الاخوان هبطوا علي مصر كما يهبط الجراد علي المروج الخضراء .

عند هذه النقطة اذكر بهذا الاختلاف الجذري بين منهج الانبياء و الرسل وبين منهج الساسة ورجال الدولة. وحتي الانبياء و الرسل الذين اختارهم الله سبحانه وتعالي وكلفهم بمهمة الدعوة الي دينه في اقوام يعبدون آلهة اخري فانه كلفهم ايضا بان يدعو الي الله بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدل لمن يعرف الحق ويكابر فيه. اما الساسة فهم الذين يضعون اعينهم علي نبض المجتمع ويبتدعون بالانجاز تارة وبالكذب تارة اخري و التجمل تارة ثالثة وعيونهم لا تفارق آنات الناس وخلجات قلوبهم وهذا فن يصل الحاكم اليه بادوات وقدرات. ولنا في رؤساء مصر الثلاثة نماذج ساطعة وكلهم استبعد الشعب تماما من حسبانه ولكنهم تغنوا بالشعب في خطبه لدرجة ان كلمة الشعب هي الاكثر ترددا في حديثهم بصرف النظر عن اخلاصهم او مكرهم .

خلاصة القول ان مصر بعد مبارك يختلط فيها المطالب الشعبية المشروعة واشواق الناس الي الحرية و الخبز و الكرامة ولكن العلاقة بين الحاكم و الشعب تقف دونها اربعة تحديات, التحدي الاول, هو صروح نظام مبارك و المستفيدون من عصره ومن فساده في كل مكان في مصر خاصة في القضاء وجهاز الدولة و الاقتصاد و الاعلام و المجتمع. التحدي الثاني, الذي لا شك ان الرئيس يدركه جيدا هو مرارة الواقع, وان تغيره الي وضع نموذجي يتطلب النجاح اولا في حشد الناس الي مشروع يطغي علي اولويات الجميع. واما التحدي الثالث, فهو حجم الجهل و الامية و الفقر وهي بيئة صالحة مع الاعلام الفاسد لمن يريد ان يثير الفتنة, فضلا عن تربص قوي اقليمية ودولية كثيرة لا تريد الخير لهذا الوطن ولها اعوانها الذين ربتهم عبر عقود طويلة. واما التحدي الرابع, فهو مرتبط بظهور التيار الاسلامي وما ترتب عليه من آثار ومضاعفات في الداخل و الخارج جعلت كل اداء غير مسئول في السياسة و الدين محمولا علي الرئيس ونظامه فاصبح الرئيس يئن تحت وطاة القيود العديدة و الضغوط المتعددة وهذا ادعي الي ان يلتزم الحذر وان يعد للخطو مكانه .

نعلم جيدا ان هذا الصخب الكبير لا علاقة له بالاعلان الدستوري ونعلم ان مشروع الدستور الجديد لا غبار عليه ولكننا نعلم ايضا ان هذه مناسبات تستغل لتجييش الشارع وتبشيع الصورة ونشر الفتنة بما يؤدي الي اضرار فادحة يقابل ذلك ما قد يعلمه الرئيس يقينا من مؤامرات في ثنايا هذا المشهد ولكن الظرف وادوات السلطة لا تناسب المحاسبة و الاعلان. ولا اريد ان اسرف في بيان ما يجب ان يتبع من جانب الرئيس ولكني اري الصورة وهي تحمل ضررا كبيرا للرئيس و المشروع الحضاري الاسلامي و الاخوان المسلمين و التيار الاسلامي باكمله لانها قسمت التيار الوطني فاصبح الذين مع الاعلان تنقصهم الوطنية ومنافقين ولا يقولون الحق ويغمضون اعينهم علي باطل لان الاعلان لا يقرا بالنوايا الطيبة كما ان ارتفاع الصخب اضاع الحق فيه فلم يعد يسمعه العقلاء خاصة ان الانجازات المباشرة للمواطن العادي كان يمكن ان تكون رصيدا حتي للاخطاء و الذين يعارضون الاعلان تستغل معارضتهم وقودا في هذه الفتنة التي يحترق بها الوطن باكمله. و الوطن يئن آنينا جديدا و الثورة تنقسم وصوت الباطل وجد ذريعة ذهبية جمعت جميع الشوارد السياسية في مصر. ولذلك يتطلع الجميع ليس الي سياسات الحشد و الحشد المضاد ولا الي الركون الي حسن الطوية وسلامة القصد وهنا يكون دور الحصافة السياسية التي غابت عن توقيت الاعلان وصياغته وما لم تستجمع الحصافة السياسية لمواجهة هذا الموقف اليوم قبل الغد فلا اظن ان سفينة الوطن سوف تبحر في امان. تلك هي مصر تؤخذ كلها او تترك كلها بما لها و ما عليها .

ان اخطر تداعيات هذه الازمة هو ان يصبح الرئيس مرسي في حضن التيار الاسلامي وحده و يفقد عرشه الاوسع في كل ربوع الوطن , رئيسا لكل المصريين لان الازمات عادة تتحكم في تشكيل الولاءات و عندما ينعدم الولاء الاكبر للوطن تتصاغر الولاءات و تتفتت و هو اخطر ما يصيب الوطن بعد هذا الخطر عليه طوال حكم الرئيس مبارك .

ليست هناك تعليقات :