كشفت مصادر استخباراتية غربية وشرق اوسطية عن عزل الرئيس السوري بشار الاسد لنفسه داخل قصره خوفا علي سلامته الخاصة , مضيفة ان الاسد قلص دائرة المحيطين به الي عدد من المستشارين وافراد عائلته فحسب.
وفي عالمه شبه المنكمش و الذي تقلص ليشمل دائرة صغيرة من المستشارين الذين يثق بهم وافراد عائلته , يعيش الرئيس السوري بشار الاسد منعزلا الا عن الخوف الذي يحيط بنظامه المتهاوي و الذي يتلقي النكسة تلو الاخري بحسب مسئولين امريكيين وشرق اوسطيين.
وبحسب المصادر نفسها , لم يبق للاسد في سوريا الا القليل , كما تقلص ظهوره علي محطات التلفزة المحلية و العالمية , فآخر مقابلة تليفزيونية له تعود الي نوفمبر الماضي , فيما اصبح دائم التنقل داخل قصره خوفا من رصاص قناصة , فضلا عن تشديد الرقابة علي معدي طعامه , مؤكدين ان الاسد اصبح مشغولا بامنه اكثر من قواته العسكرية.
ورغم مخاوفه المتزايدة من وصول المسلحين الي عقر داره , لا يزال الاسد مصرا علي البقاء في السلطة , فهو الذي وعد بالعيش في سوريا و الموت فيها قبل شهرين , وهذا ما اظهرته لقاءاته الاخيرة مع مسئولي الامم المتحدة , فيما الدبلوماسيون السوريون يسعون مع حلفاء النظام لدراسة الخيارات المتاحة مع اقتراب قوات النظام من الانهيار في مواجهة تقدم عناصر الجيش الحر.
كما عزا مسئولون امريكيون الانشقاقات التي جرت مؤخرا الي عزل الرئيس لنفسه داخل اسوار قصره , كما اعتبروا انه السبب الابرز في بدء حلفاء النظام في التنصل من حمايته . واعلان روسيا اهتمامها ببقاء سوريا لا نظام الاسد دليل علي ذلك.
سفينة النظام آخذة بالغرق شيئا فشيئا مع النكسات المتتالية التي افقدتها التوازن , وليس آخرها تاكيد محللين عسكريين مقتل ما يقرب من الف عسكري في صفوف جيش النظام شهريا , اما حبل النجاة بالنسبة للاسد فيبقي في هذه الحلقة المقربة التي كونّها حوله , و التي يعتقد بانها تشمل عددا من ابناء طائفته المصرين علي حماية النظام حتي النهاية.
ولا تزال الصورة الرسمية للاسد تشير اليه علي انه ' امل ' الامة السورية , الا ان هناك مؤشرات متزايدة تبين ان الرجل الذي يجلس علي راس النظام السوري المتدهور لم يعد لديه بصيص من ذلك الامل من اجل نفسه , اذ تسلط الروايات التي تتحدث عن الاوضاع داخل النظام السوري في الايام الاخيرة ضوءا جديدا علي ما تحدثه الحرب الاهلية التي شارفت علي اكمال عامها الثاني من عبء نفسي علي الاسد , حيث اظهرت مدي شعور الرئيس السوري بالعزلة و الخوف وسط ما يبدومن ان نظامه يقف علي شفا الانهيار من حوله.
وبعد شهر من الانتكاسات شبه المتواصلة التي لحقت بنظامه , اختفي الاسد تقريبا عن انظار الناس خلال الاسابيع الاخيرة , فلم يجر اي حوارات اويلق اي خطب , ولم يسجل اي ظهور ' حي ' امام كاميرات التليفزيون الحكومي. ويكشف مسئولون امريكيون وشرق اوسطيون الآن عن ان الاسد قد اختفي بالقدر نفسه عن عالم رئاسته الآخذ في الانكماش , ليقصر اتصالاته علي دائرة صغيرة من افراد الاسرة و المستشارين من اهل الثقة.
وفي اهدار لاي جهد علني من اجل حشد قواته المحاصرة , اصبح اهتمام الاسد منصبا علي سلامته الخاصة , وذلك بحسب ما ذكره المحللون وما جاء في الروايات الاخبارية. وقد رصدت روايات الاعلام السوري و الناشطين هذا التحول , حيث تتحدث هذه الروايات عن مدي حرص الرئيس علي زيادة التدقيق في التفاصيل الامنية , من خلال الانتقال الي غرفة نوم مختلفة كل ليلة , وتشديد الرقابة علي اعداد الطعام من اجل احباط اي محاولات اغتيال , الا ان هذه الاقاويل لا يمكن التاكد منها بصورة مستقلة.
وعلاوة علي ذلك , فاستنادا الي روايات من منشقين لم يمكن التحقق من مدي صحتها , يقول مسئولواستخبارات شرق اوسطيون , ان الاسد قد توقف عن الخروج خلال ساعات النهار , خوفا , كما هوواضح من ان تصيبه رصاصة من قناص اواي نيران اخري. وذكر مسئول شرق اوسطي رفض الافصاح عن اسمه , بسبب التطرق الي معلومات استخباراتية حساسة , ان ' تحركاته توحي بحالة دائمة من الخوف ' .
ومع ذلك , فان كلام الاسد ما زال يوحي بالتصميم علي البقاء في السلطة , ففي آخر حوار متلفز اجراه مطلع نوفمبر الماضي , تعهد الرئيس السوري بان ' يعيش في سوريا وان يموت في سوريا ' , كما لم يبد عليه اي تغيير في رايه اويظهر اي استعداد يشار الي للقبول بحل وسط خلال الاجتماعات الخاصة التي عقدها مع مبعوثي الامم المتحدة الذين زاروا دمشق هذا الاسبوع من اجل بحث خطة لتشكيل حكومة انتقالية.
ويقول مسئولون تمت احاطتهم علما بهذه الاجتماعات , ان الاسد كان يبدورابط الجاش وواثقا من نفسه. وحتي خلال انعقاد تلك الجلسات مع المسئولين الامميين , استمر ارسال الدبلوماسيين السوريين الي موسكو التي تعد واحدة من القلة القليلة الباقية من حلفاء الاسد من اجل بحث فرص التوصل الي وقف لاطلاق النار , وسط تزايد مؤشرات اقتراب القوات المسلحة السورية من الانهيار في مناطق كثيرة من البلاد في مواجهة تزايد فعالية الهجمات التي يشنها الثوار.
ورغم ان الجهود التي بذلت سابقا من اجل التوصل الي تسوية عن طريق التفاوض عادت بخفي حنين , فقد ابدي المسئولون الروس ومسئولون داخل مجلس الامن تفاؤلا حذرا بشان الجولة الاخيرة من المحادثات , حتي في ظل التساؤلات التي يثيرها ما يحققه الثوار من تقدم علي عدة جبهات بشان ما اذا كانوا سيقبلون باي شيء اقل من النصر الكامل.
وقد ذكر مسئول اممي , طلب عدم ذكر اسمه لانه ليس مخولا بالحديث عن هذا الموضوع , ' يبدوان الامور تسير بسرعة كبيرة , ان الاحداث علي الارض ربما ترتب الامور قبل ان يتم ترتيب الامور داخل المجلس اوفي العواصم ' . وامتنع المسئولون الامريكيون عن تناول الحالة النفسية السائدة داخل الدائرة الداخلية للاسد , غير ان مسئولا كبيرا مطلعا علي تقارير استخباراتية لفت الي ان ما يحققه الثوار من تقدم مطرد نحودمشق لا بد حتما ان يكون له تاثير.
و أكمل هذا المسئول , الذي اشترط الحفاظ علي سرية اسمه بسبب تناوله معلومات استخباراتية , ' ربما ما زال الاسد يعتقد ان سوريا ملكه , الا ان الارهاق النفسي الذي يسببه الكفاح ضد عدو يمتلك التصميم و الموارد لا بد ان يكون له اثره ' .
ويؤكد المسئولون الامريكيون ان الاحساس بالعزلة داخل القصر الرئاسي تزايد بفضل الانشقاقات الجديدة التي كان احدثها انشقاق رئيس الشرطة العسكرية السورية بالاضافة الي الخطوات التي تتخذها القلة القليلة التي تبقت من حلفاء سوريا من اجل الناي بنفسها عن الديكتاتور ذي ال47 ربيعا. ففي ضربة نفسية قوية , صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاسبوع الماضي بان روسيا ' ليست منشغلة اومهتمة بمصير نظام الاسد ' . وقد علق المسئول الاستخباراتي الشرق اوسطي علي ذلك بقوله , ' ان تصريحات بوتين تمثل ضربة قاصمة , لانه مع انسحاب الروس يزداد الاحساس بان السفينة تغرق ' .
كما تزايدت المخاوف بشان السلامة الخاصة للاسد وطاقمه بفضل سلسلة من الهجمات التي تستهدف كبار مسؤولي النظام , حيث تسبب قيام احد الثوار بتفجير اجتماع وزاري سري عقد في شهر يوليو ' تموز ' الماضي في مقتل 3 من كبار المستشارين الامنيين لدي الاسد , كان من بينهم صهره الذي كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع.
كذلك فان النظام يعاني من انتكاسات داخل ميدان المعركة , حيث فقدت قواته السيطرة علي جميع محافظات البلاد البالغ عددها 14 محافظة , باستثناء محافظتين فقط , ويقول المحللون العسكريون ان الجنود السوريين يموتون بمعدل الف جندي شهريا , وحتي وحدات النخبة يبدوانها قد فقدت القدرة علي شن هجمات يمكن المحافظة عليها.
وقد ذكر جيفري وايت , وهومحلل عسكري سابق لدي ' وكالة استخبارات الدفاع ' التابعة ل ' البنتاغون ' , ' الاحتمالات الاكثر ترجيحا هي ان يتدهور موقف النظام اكثر فاكثر , اوحتي بصورة دراماتيكية , خلال الاسابيع القادمة ' . ومع التراجع الظاهر في سيطرة النظام , بدا الاسد في الاتكال علي دائرة تتقلص باستمرار من المساعدين , وجميعهم تقريبا من ابناء طائفته العلوية. ويقول محللون امريكيون وشرق اوسطيون , ان الحرم الداخلي للاسد يتكون من شخصيات عنيدة ومتشددة , ومن بينها بعض الشخصيات التي تبدوعازمة علي التشبث باماكنها حتي النهاية. ويقول اندروتابلر , وهومؤلف كتاب ' في عرين الاسد ' الذي يتحدث عن النظام السوري , ان مستشاري الاسد علي غرار رئيسهم لم يبدوا اي لمحة استعداد للتوصل الي حل وسط , مضيفا انه رغم الجهود المتكررة التي تبذلها الحكومات الغربية من اجل اغراء مسؤولي النظام بالتخلي عنه ' فانه لم تحدث اي انشقاقات كبري من جانب كبار المسؤولين العلويين ' .
ومنذ بداية الصراع , تنبا العديد من الخبراء بان تتخلي القيادات العلوية في النهاية عن الاسد او علي العكس ان يخون الرئيس اقاربه مقابل الحصول علي وعد بتدبير ملجا آمن له في المنفي , الا ان ايا من هذين التوقعين لم يتحقق , رغم كل ما يعانيه النظام من خسائر في الاراضي و الجنود و الموارد وكذلك علي ما يبدو الامل. وينهي المسئول الامريكي الكبير حديثه قائلا , ' ان اذرع التحكم لدي الاسد تبلي , ومجال سيطرته يتضاءل , بيد ان جوهر النظام هومثل البندقة الصلبة التي لا يبدوانها قد بدات في التكسر بعد. رغم تصاعد الضغوط , فمن الصعب تحديد متي تاتي نقطة التحول , لانه لا يوجد ما يوحي بان الاسد من النوعية التي يمكن ان تفر من ميدان القتال ' .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق