هل قرأت السلطة و المعارضة رسالة الشعب التي أرسلها في الاستفتاء ؟


سيف الدين عبد الفتاح ... ظهرت نتائج الاستفتاء و بصرف النظر عن الطعون و الاتهامات المختلفة , و بالافتراض ان عملية الاستفتاء صارت في اطار النزاهة الواجبة و الشفافية المطلوبة فان علي الجميع سلطة و معارضة ان يقراوا نتائج الاستفتاء ليس فقط من خلال اهوائهم او رؤيتهم المسبقة و لكن عليهم ان يقراوا تلك النتائج بعين فاحصة و التي تكمن بين ارقام هذه النتائج رؤية هذا الشعب في العملية باسرها فيما يتعلق بالدستور وممارسات السلطة و المعارضة معا , و النتائج تشير الي ان 63.8 في المائة قد قالوا نعم وان 36.2 في المائة قالوا لا للدستور , وهو امر يدل ويؤشر علي ان نعم لم تبلغ حد التوافق المتعارف عليه في هذا المقام بحصول التصويت علي الدستور باغلبية الثلثين علي الاقل , و التي تزيد علي 67 في المائة , او تصل الي اعتاب الثلاثة ارباع اي 75 في المائة لتشكل بذلك توافقا متينا ورصينا وتدل عليه , ومن هنا فان نعم لم تكن بالقوة التي تدل علي التوافق , وان لا كانت من التاثير الذي تؤشر به علي ان الانقسام و الاستقطاب هو العلامة المميزة للتصويت علي الدستور.
_ _ _

واذا كانت هذه هي الدلالة الاولي فانها تتعانق مع دلالة ثانية تتعلق بتآكل القوة التصويتية من مجمل الهيئة الناخبة فيما يمكن تسميته بنسبة المشاركة , فقد كانت نسبة المشاركة علي حافة ثلث الهيئة الناخبة وهي نسبة تآكلت من حيث درجة المشاركة , وهي بذلك تقل عن نسبة المشاركة الاجمالية في الاستفتاء علي الدستور الجديد عن تلك النسبة في الاستفتاء علي التعديلات في مارس 2011 من قبل المجلس العسكري و التي وصلت نسبة المشاركة فيها الي 41 في المائة , وهي ايضا تقل عن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 و التي بلغت نحو 50 في المائة , وقلت كثيرا عن نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشعب و التي جرت في 28 نوفمبر 2011 وحتي 11 يناير 2012 و التي بلغت نسبة المشاركة فيها 60 في المائة , بينما كانت النسبة الادني نسبة المشاركة في انتخابات الشوري التي جرت بين 29 يناير 2012 وحتي 22 فبراير 2012 و التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها حاجز ال10 في المائة .

هذه النسب من المشاركة تدل وبشكل قاطع علي تراجع هذه النسبة التي تؤكد تآكل نسبة المشاركة في عملية التصويت , واري ان ذلك كان رايا من هذا الشعب حينما قدم هذا الاحتجاج السلبي علي ذلك الاستقطاب و الانقسام و التراشق ما بين السلطة و المعارضة , وما بين الجماعة و الجبهة , هذا الاحتجاج السلبي يؤشر عن رفض هذا الشعب لهذه الممارسات التي تتعلق بحال من الفرقة و الشجار بين القوي السياسية المختلفة وهو بذلك قد اكد علي اعتراضه علي شكل السلطة في ادائها السياسي وكذا اعتراضه علي المعارضة في ممارستها التي قامت علي قاعدة من المواقف المتصلبة و المغلقة.

ومن هنا نري من الضروري ان تتعرف السلطة و المعارضة معا علي هذه الرسالة من هذا الشعب الذي سئم من عمل الاستقطاب ومن حال الفرقة ومن عبث الانقسام , ذلك ان هذا الشعب شكل بطاقاته في عملية المشاركة من تزايد في نسبة هذه المشاركة و التي وصلت في اقصاها الي اكثر من نصف الكتلة الانتخابية سواء ان كان ذلك في انتخابات مجلس الشعب او في انتخابات الرئاسة , وذلك يدل وخاصة اذا كان الاستفتاء يتعلق بدستور اعقب ثورة , وهو بمثابة عقد اجتماعي ومجتمعي وسياسي جديد مما يستاهل من هذا الشعب حالة من المشاركة الفعالة يجب ان تزيد عن تلك النسبة في اختيار الاشخاص , وابداء رايه بشكل قاطع في هذا التعاقد السياسي و المجتمعي , ولكن للاسف كان الدستور واحدة من المناسبات التي مورس بشانها الاستقطاب الشديد و الانقسام الرهيب , كان ذلك في جمعية تاسيسية في طبعتها الاولي , واخري في طبعتها الثانية , ووثيقة دستورية دار حولها الجدل وقدمت في النهاية الي استفتاء وسط بيئة من الاستقطاب وسياق من الفرقة.

_ _ _

واهم رسالة يوجهها الشعب في هذا المقام هو الضرورة الجوهرية التي يؤكد فيها انه لا يقبل هذا الاستقطاب او المشاركة فيه سواء اتي ذلك من سلطة وجماعة , او من معارضة وجبهة , وعلي هذه القوي ان تتعلم من اخطاء ممارستها وان تمارس اقصي حالات النقد الذاتي الواسع لحركتها وممارستها لان هذا الشعب اخرج باحتجاجه ' الكارت الاصفر ' لكلا الفريقين فريق الموالاة , وفريق المعارضة , لان هذه الممارسات قد طالها العنف ليس فقط الكلامي ولكن العنف العضوي الذي سقط بسببه شهداء ومصابون. ورغم ما مارسته القوي السياسية في اطار عقلية حشدية كل يحاول ان يحشد الجموع من هنا وهناك متصورا بذلك انه قد دخل نوعا من التنابز بالحشود و الميادين المختلفة ليعبر كل فريق عن حشده واحتشاده متصورا انه بذلك قد كسب الشارع , لكن الشعب اراد ان يوجه لكليهما الرسالة الانذارية باحتجاجه وامتناعه عن الاستفتاء الاستقطابي , ليوجه رسالة اخري ايجابية الي كلا الفريقين من ضرورة الخروج من حال الاستقطاب لان ممارسة سلطة لمسار الاستقطاب هي سلطة في حقيقة الامر لا يمكن ان تحصل علي رضا الشعب اداء وانجازا , وان اختيار المعارضة طريق الاستقطاب وتغذيته لا يمكن باي حال من الاحوال ان ينال رضا الشعب , ولا يمكنه ان يرضي عن رؤي متصلبة تخرج في النهاية الي حالة انسداد مقيم والي حالة خطاب عقيم.


فقبل ان يتوجه هؤلاء الي تضخيم من قال ' نعم ' ولا يري انجرافها فانه قد اخطا , وان هؤلاء الذين يضخمون ' لا ' انما لا يعتبرون التاثير الذي صوت باغلبية غير منكورة لنعم , وعلي هؤلاء ان ينظروا الي الذين امتنعوا لماذا امتنعوا؟ , لماذا تلك الاغلبية الساحقة التي تصل الي 68 في المائة اي الي الثلثين هو الذي يعبر عن حقيقة الاحتجاج علي طرفي الاستقطاب وعلي ممارستهما اداء وهدفا , ان تقاطع هذه الكتل المختلفة و التي تنازعتها كتلة الاستقرار وكتلة المخاوف وكتلة المصالح انما يعبر عن عدم قدرة النخبة ' سلطة ومعارضة ' في ان تكسب ثقة اغلب الناس , خاصة حينما يؤشر ذلك في الوجه الآخر علي اهمال السلطة و المعارضة معا لضرورات هذا الشعب واحتياجاته التي تتعلق بقضايا حياته ومعاشه التي تسير من سئ الي اسوا واكتفي الجميع بممارسة صراع سياسي في اقسي حالته , قدم فيه كل منهما بتساهل شديد واستهانة عجيبة قربانا من خيرة شبابه.

ومن هنا ان هذا الشعب يضع سلطته ومعارضته امام اختبار حقيقي في ضرورة سلوك كل طريق يخرج به من حال الاستقطاب الي حال الاهتمام بشئونه وحاجاته الحقيقية , والا فان هذا الشعب سيخرج كارته الاحمر للسلطة و المعارضة معا لانهما اهملتا احواله , وتلهي كل منهما بصراع سياسي تديره نخبة محنطة علي الطرفين وهو امر يجعلنا نؤكد مرة اخري علي ان هذا الشباب الذي قام بثورة الخامس و العشرين من يناير , قارب ان ينفد صبره من تلك النخب التي لا تبحث الا عن مصالحها الآنية و الانانية , وانه لن يقبل ان يحبسه هؤلاء وهؤلاء في قمقم الياس و الاحباط من ثورته.

_ _ _

بين رسالة هذا الشعب في حكمته و التي يبدو من البعض يدعوه في كل مناسبة لتصويت ويستدعيه , والي هؤلاء الذين لا تعجبهم هذه النسب وهذه النتائج فيتهمون هذا الشعب بتخلفه وجهله , آن الاوان ان تعلم السلطة و المعارضة انهما اختلفا وتخالفا واقتتلا خروجا علي نص هذا الشعب في مطالبته بامانه واستقراره ونمائه وحاجاته وضروراته.

وبين رسالة يجب ان يطلقها الشباب لهذه النخبة المحنطة بانهم لا يفكرون بلغة جيلهم وباحكام ثورته , دعونا بما نشكله من نصف الحاضر وكل المستقبل نؤثر في حاضرنا ونبني مستقبلنا .

الي كل من اسهم في دائرة الاستقطاب استفت شعبك و ان افتوك و افتوك .

ليست هناك تعليقات :