القي السيد الرئيس محمد مرسي كلمة الي الامة المصرية , بمناسبة اقرار الدستور الجديد , هنا فيها المصريين بالدستور الجديد , وشكر من شارك في الاستفتاء مبتدئا باللجنة العليا للانتخابات , منوها للدور الكبير لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة.
وكان هذا هو نص الخطاب :
بسم الله الرحمن الرحيم
' واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا '
الحمد لله علي نعمه الكثيرة علينا , علي مصر واهلها .
' وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها '
ايها المصريون جميعا --
السيدات و السادة --
نقف اليوم لنحتفي ونحتفل بدستورنا الجديد , انه يوم تاريخي مشهود , لقد اصبح لمصر وللمصريين دستور حر ليس منحة , من ملك ولا فرضا من رئيس ولا املاء من مستعمر , وغير أنه دستور اختاره شعب مصر بارادته الحرة الواعية ومنحه لنفسه , واستطاع هذا الشعب العظيم ان يثبت للعالم اجمع ان حضارته الضاربة في اعماق التاريخ مازالت حية في واقعه , فقد تم الاستفتاء في شفافية كاملة وباشراف قضائي كامل ومراقبة من الاعلام ومنظمات المجتمع المدني , وفي ظل اقبال المواطنين وتعاونهم وحماية من جيش الشعب وشرطته , فتحية للشعب الذي خرج ليقول كلمته وتحية للجنة العليا للانتخابات وهي لجنة قضائية , ولرجال القضاء الشرفاء , الذين كانوا حريصين علي ان يعبر الشعب عن ارادته , وتحية لقواتنا المسلحة الباسلة , التي تحمي الحدود ولا تتخلف عن داعي الوطن و الشعب اذا دعاها , وتحية للشرطة المصرية التي ستظل امينة علي واجبها , تحمي الامن وتصون الحقوق وتلتزم بالقانون .
ومن هنا فانني اتوجه بالشكر و التقدير الي هؤلاء والي كل من شارك في ادارة هذا العمل الوطني الكبير من الرجال و النساء , العاملين المدنيين امناء اللجان ومعاونيهم , من اجل ان ننهي هذه المرحلة الي مرحلة جديدة من عمر الوطن , مرحلة اكثر امنا لابنائه وبناته.
لقد عشنا جميعا اياما واسابيع من الترقب و القلق حرصت فيها بحكم مسئوليتي ان ينتقل الوطن الي بر الامان , وان ننهي فترة انتقالية طالت لمدة ما يقرب من سنتين , تكلف فيها اقتصاد الوطن وامنه الكثير.
شهدت تلك المرحلة جدلا سياسيا كبيرا حول عملية صياغة الدستور في مراحلها المختلفة , واتخذت القوي السياسية مواقف مختلفة , وهو امر طبيعي , في ظل مجتمع يتحرك نحو الديمقراطية و التنوع في الراي , وهذه ظاهرة صحية , تستفيد منها المجتمعات الحرة , حيث تتعدد الافكار و الآراء ويختار الشعب منها ما يراه معبرا عن طموحاته ومصالحه , وللاسف فان البعض لم يدرك الفارق بين حق التعبير السلمي عن الراي , وهو حق اصيل اكدته ثورة الخامس و العشرين من يناير المجيدة , وبين اللجوء للعنف ومحاولة فرض الراي عن طريق تعطيل المؤسسات العامة وترويع المواطنين.
واذا كنا جميعا نرحب بالاختلاف في الراي , فاننا جمعيا نرفض العنف و الخروج عن القانون , ونؤكد ان ثورة 25 يناير ضربت مثلا للعالم كله علي سلمية العمل الثوري و السياسي و التزامه بمستوي رفيع من الخلق و التحضر.
ومهما كانت مصاعب المرحلة السابقة فانني اراها بمثابة آلام ولادة فجر جديد , فقد اثبت الشعب المصري مرة اخري قدرته علي تجاوز الصعاب و التقدم الي الامام , علي طريق استكمال بناء مؤسساته الديمقراطية .
نعم -- كان هناك خلال هذه الفترة المؤقتة اخطاء وعثرات من هنا وهناك , واتحمل معكم المسئولية في هذه الفترة -- ويعلم الله انني لا اتخذ قرارا ولا امضي في اجراء الا لوجه الله ومن اجل مصلحة الوطن , فلست من عشاق السلطة ولا من الحريصين علي الاستحواذ عليها -- كل ما اتمناه هو نهضة بلدي و الانتقال به الي مرحلة جديدة نبدا فيها معا ملحمة بناء وانتاج , مرحلة جديدة هي كما قلت قبل ذلك العبور الثالث , الذي تحتاجه مصر بعد الثورة العظيمة , ثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 .
ولقد صممت علي انفاذ ارادة الشعب في ان يكون لمصر دستور تستقر به الاوضاع وتقوم عليه المؤسسات ويفتح الباب امام التنمية و التقدم و العدالة الاجتماعية , وفي سبيل ذلك تحملت مسئولية اتخاذ الكثير من القرارات الصعبة , ايمانا مني بضرورة ان يكون هذا الدستور ميثاقا ثابتا نرجع اليه جميعا ونحتكم اليه , وهو دستور يجعل رئيس الجمهورية خادما للشعب محدد الصلاحيات وليس سيدا مطلقا , ولا حاكما مستبدا .
والحمد لله -- باقرار هذا الدستور انتقل التشريع الي ممثلي الشعب في مجلس الشوري , حتي اتمام بناء السلطة التشريعية بانتخاب مجلس للنواب , وبذا يكتمل نظامنا الديمقراطي , رئيس منتخب وبرلمان قوي يشرع ويراقب وسلطة قضائية مستقلة , وحكومة لا تعين الا برضا ممثلي الشعب في البرلمان.
واود هنا ان انوه بالموقف الوطني النبيل للمستشار محمود مكي , ابن القضاء -- نائب رئيس الجمهورية , الذي ادي دوره بكل قوة واخلاص من اجل اقرار دستور مصر الثورة , وهو يعلم ان هذا الدستور لا ينص علي وجود نائب للرئيس .
ان الدستور الذي اقره الشعب جاء معبرا عن روح ثورة 25 يناير المجيدة , فقد قام علي حق المواطنة , حيث يستوي الجميع بغير تفرقة ولا تمييز , دستور يعلي كرامة الانسان ويصون حرياته , ويؤكد ان كرامة الفرد من كرامة الوطن , وانه لا كرامة لوطن لا تكرم فيه المراة , دستور يضمن لقمة العيش للكادحين ويجعل العمل و السكن و التعليم و الصحة حقوقا تكفلها الدولة ويضمنها القانون , دستور يكفل حرية الفكر و الراي و الابداع ويرسخ لقيم الاعتدال و الوسطية ويجعل من سيادة القانون اساسا لحرية الفرد ولمشروعية السلطة.
دستور يجعل من الوحدة الوطنية فريضة وركيزة لبناء الدولة , دستور يحمي حقوق العمال و الفلاحين ويحافظ علي الملكية , فلا مصادرة لحقوق احد , دستور يسمح بتكوين الاحزاب واصدار الصحف بمجرد الاخطار , دستور يحافظ علي هوية مصر العربية و الاسلامية , ويؤكد ريادتها الفكرية و الثقافية , ويؤسس لدورها الحضاري الانساني في العالم كله.
لقد اقر الشعب الدستور باغلبية قاربت الثلثين , ولكني اقرر ان قطاعا محترما من شعبنا قد اختار ان يقول لا , وهذا حقهم لان مصر الثورة لن تضيق ابدا بالمعارضة الوطنية الفاعلة -- فلمن قال لا ولمن قال نعم , اتوجه بالشكر , لاننا لا نريد ان نعود الي عصر الراي الواحد او الاغلبيات الزائفة المصنوعة , نتيجة الاستفتاء تدل علي نضج ثقافي وديمقراطي حقيقي , يبشر بان مصر قد مضت في طريق الديمقراطية بغير عودة الي الوراء.
من اجل بناء الوطن -- لابد ان تتكاتف الجهود , ولذا اصبح الحوار ضرورة لا بديل عنها , نسعي جميعا في اطاره الي التكامل و التوافق حول قضايا المرحلة القادمة -- ومن هنا فانني اجدد الدعوة لكل الاحزاب و القوي السياسية للمشاركة في جلسات الحوار الوطني , الذي ارعاه بنفسي , و الذي تبدا جولته الخامسة برئاسة الجمهورية اليوم , الاربعاء , من اجل استكمال خريطة الطريق لهذه المرحلة , وساكون دائما كما عاهدت شعب مصر العظيم خادما لهذا الشعب لا ادخر جهدا في العمل مع كل ابنائه لصالح مصر و المصريين .
السيدات و السادة --
ان الايام القادمة ايام عمل وجهد من الجميع -- وسوف ابذل كل جهدي معكم من اجل دفع الاقتصاد المصري , الذي يواجه تحديات ضخمة وايضا يمتلك فرصا كبيرة للنمو -- وسوف اقوم بكل التغييرات الضرورية , التي تحتاجها هذه المهمة من اجل نجاح مصر ووضع مسار التنمية الشاملة في بؤرة اهتمام الجميع , وفي هذا الاطار اود ان اوضح ان الحكومة الحالية , التي بدات عملها منذ الثاني من اغسطس الماضي تؤدي دورها قدر المستطاع في ظروف صعبة , نعم هناك مشاكل ونحتاج الي المزيد من الجهد و العمل -- وقد كلفت الدكتور هشام قنديل , رئيس الحكومة , واتشاور معه لعمل التعديلات الوزارية اللازمة , التي تناسب هذه المرحلة لمواجهة كل المشاكل الصغيرة و الكبيرة و المسئوليات , وذلك حتي تكوين مجلس النواب الجديد طبقا للدستور.
انني اشعر بالمواطنين الاقل دخلا في المجتمع المصري واحس بما يعانونه في هذه الايام , ولن اسمح رغم التحديات التي نواجهها , و التي ورثناها جميعا من العقود السابقة اقول لن اسمح بان يتحملوا مزيدا من المعاناة , وساعمل مع الحكومة وكافة مؤسسات الدولة علي تقديم افضل ما يتحمله الاقتصاد المصري من دعم لهم -- وستشهد الايام القادمة انطلاق مشاريع جديدة في مجال الخدمات و الانتاج وحزمة من التسهيلات للمستثمرين لدعم السوق المصري واقتصاده .
السيدات و السادة --
ونحن نبدا هذه المرحلة من التحول و الانتقال من الجمهورية الاولي الي الجمهورية الثانية -- الجمهورية التي نرسي اساسها القوي بهذا الدستور الذي منحتموه لانفسكم -- اُجدد العهد و القسم امامكم بان احترم القانون و الدستور -- وان ارعي مصالح الشعب رعاية كاملة -- واحافظ علي الوطن وسلامة اراضيه .
حمي الله وطننا الغالي مصر -- ووقي الله الشعب من كل مكروه وسوء , ,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته -- .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق