الثورة فعل اخلاقي , و ليست ممارسة للانتهازية و قيم الشطارة و الفهلوة و السفسطة , و قول الشيء وتنفيذ عكسه .
ومن هنا سجلت ثورة 25 يناير اهدافا رائعا هزمت بها حسني مبارك ونظامه , لانها اختارت اسلوب اللعب الجماعي النظيف ومضت في طريق مستقيم , وهتفت من القلب باسقاط النظام دون ان تتراجع او تتلعثم او ترتبك او تنزلق الي الكذب وتسقط في جب التناقضات .
لقد كانت قوة الثورة العظيمة في انها ادارت ظهرها للمنطق الميكيافيلي ' الغاية تبرر الوسيلة ' وولت وجهها شطر الحق و الحقيقة , ومن ثم كان وضوح الغاية ونبل الهدف سابقا علي الشعار و الوسيلة , ولذلك ولدت الشعارات الرائعة من رحم المقاصد المحترمة .
ان الشعار لا يوجد فكرة او هدفا , ومن ثم فان ترديد الشعارات و الهتافات ذاتها لا يكفي للوصول الي النتائج ذاتها -- ولو طبقت ذلك علي الموقف المتفجر منذ الحادي و العشرين من نوفمبر الماضي ستجد نقيض ما كان حاضرا في ثورة يناير , ذلك ان الميكيافيلية تحكمت في المواقف , فصار البعض لا يمانع في ادعاء انه يمارس ثورة باستخدام ادوات مناهضة للثورة , ناهيك عن العتامة التي خيمت علي المواقف و الضبابية التي اجتاحت الاهداف .
وباسترجاع تطورات الاحداث منذ الاعلان الدستوري ' الديكتاتوري ' لرئيس الجمهورية ستجد ان الحشد انعقد علي هدف اسقاط الاعلان الدستوري , لكنهم منذ اليوم الاول هتفوا برحيل النظام واسقاطه , فضلا عن ترحيبهم بتواجد الفلول , كمتسللين او بدعوة رسمية , ومع الوقت اعلنوا ان النظام فاقد الشرعية , ثم عندما لم يجدوا تشجيعا من دوائر خارج الحدود عادوا يلوكون خطابا متحشرجا عن ثقتهم في وطنية رئيس منتخب .
وحين تم الغاء الاعلان الدستوري واستبدال آخر به لا يحتوي علي المواد مفجرة الغضب , صارت معركتهم اسقاط الاستفتاء علي الدستور , واطلوا من كل النوافذ يقولون للناس ان المشاركة في الاستفتاء جريمة لان الاستفتاء باطل و الدستور باطل , وفجاة تبدلت مواقفهم التي كنا نظنها مبداية ليقولوا للناس اذهبوا وشاركوا في الاستفتاء ' الباطل ' وقولوا لا للدستور , وهنا قمة التناقض و التلعثم السياسي , فكيف يستقيم ان تقول للناس طوال الوقت ان الاستفتاء به سم قاتل , ثم فجاة تدعوهم لتعاطيه ؟
لقد كنا نظن ان آفة الارتباك التي اصابت مفاصل السلطة الحاكمة ستعطي درسا لمعارضي النظام في حتمية الاتساق و الوضوح و الثبات , الا انه ومن اسف انهم مارسوا ويمارسون ارتباكا افدح انعكس بوضوح علي الافعال و الاقوال , لعل ابرز تجلياته تلك الهرولة التي لم تتم بمجرد ان اشار لهم وزير الدفاع بطرف اصبعه لكي يحضروا فورا الي ' قعدة حوار عائلية ' في احد اندية القوات المسلحة , و هم الذين صدعوا رءوسنا دوما بضرورة ابعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة .
لقد اختلط الحابل بالنابل , و تبدل الشعار من ' قوتنا في وحدتنا و استقامتنا ' الي ' قوتنا في شطارتنا ' و لذلك لا يمكن تفسير هذا الاقبال علي صناديق الاقتراع الا ان الشعب يعرف اكثر من نخبته .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق