امضت مصر الشهور الاخيرة من 2011 و النصف الاول من 2012 في محرقة اعلامية مدعومة سلطويا اهالت التراب علي الثوار ونكلت بالشهداء واسرهم و المصابين , وصبت سخائمها فوق كل من يفتح فمه بكلمة تنتقد المجلس العسكري.
وبدا الاعلام المتعكشن محاطا بسياج من الحماية الرسمية و القضائية , اتاحت له ممارسة الطعن في شرف الثائرات و الثوار , وصب اطنان من البذاءة علي كل المنتمين للثورة , دون ان تمتد له يد العقاب.
ومن اسف ان آفة ' العكشنة ' انتشرت واستفحلت في معظم ارجاء التربة الاعلامية , فراينا من يمارس ' التعكشن ' باسم الدين بالطريقة ذاتها التي جرت بها العكشنة باسم الثورة المضادة , لكن المثير للصدمة ان كثيرا من الذين اوذوا من العكشنة مارسوها واعتمدوها اسلوب حياة فيما بعد , فوجدنا من المحسوبين علي النخبة من يؤدي بالمنهج نفسه , حتي وضعت معركة الانتخابات الرئاسية اوزارها فانفتح هوس هذا النوع من الاداء الاعلامي علي آخره -- وراينا كثيرين يسبحون في نهر مجنون.
وبالطبع كان ذلك متزامنا , او انه جاء انعكاسا لتغييب الفواصل و الحدود بين الثورة و اللاثورة , وانفتاح ميادين الغضب النبيل علي ساحات النضال الفلولي , وكانت قمة المهزلة حين راينا من كانوا يدعون انهم ' تحريريون ' يخطبون ويهتفون ويرقصون عند المنصة امام قبر الجندي المجهول.
وما ان جاءت نهاية العامة , حتي وجدنا بعضهم لا يمانع , بل يشجع , استقبال اتباع المنصة في قلب ميدان التحرير , تعبيرا عن حالة جديدة ابتذل فيها معني الثورة , حتي صارت هي و الثورة المضادة كتفا بكتف وزندا بزند , مادام يجمعهما العداء للرئيس وجماعته و تياره.
وكما تحولت المعارضة السياسية الي مكايدة ومناكفة , تحول خطابها الاعلامي الي حالة من الهستيريا و التشنج و الانفلات المهني , لم يعد احد يهتم معه بالتدقيق و التوثيق في الخبر , فصارت الشائعات حقائق و الحقائق اوهاما.
وبالطبع في وضع كهذا لم يعد هناك سقف لشيء , فالقاء الاتهامات جزافا واستخدام احط العبارات صار شيئا عاديا , في وسائل الاعلام بلا استثناء , اذ كانت ' العكشنة ' قد افتتحت فروعا لها في الاعلام الرسمي و الخاص علي السواء , لدرجة ان افتتاحية صحيفة حكومية كبيرة مثل الاهرام لم تعد تختلف كثيرا في خطابها عن صحف بير السلم , فيكتب رئيس تحريرها بكل ثقة مطالبا رمزين وطنيين كبيرين مثل العلامة الشيخ يوسف القرضاوي , و الدكتور محمد البرادعي ان يخرسا الي ان يواريا الثري.
بل وتذهب الافتتاحية البائسة الي ابعد من ذلك حين تتهم الدولة الرسمية بانها ' تتخلي عن مقومات وجودها , ليس لحساب مرضي الزهايمر فقط يقصد البرادعي و القرضاوي بل لحساب عواصم واجهزة خارجية ' .
هكذا في جملة واحدة تتطاير الاتهامات بالعمالة لتشمل الدولة الرسمية , و النخبة و المعارضة -- واذا علمت ان رئيس تحرير ' الاهرام ' لم يكن يري الا في فضائيات الكائنات العكاشية مشاركا في مجون التشويه للثورة و الثوار , ستدرك انها فعلا ' سنة العكشنة ' بامتياز.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق