معتز بالله عبد الفتاح ... تساءلت من قبل هل تلاقت ارادات قادة النظام الدولي مع قيادات المنطقة مع اراداتنا علي ان تكون مصر هي رجل المنطقة المريض؟ اي ان نكون دولة بغير كامل صحتها حتي لا تكون تهديدا للمحيطين بها ولكنها ليست دولة فاشلة تماما , وغير قادرة علي السيطرة علي حدودها وعلي جماعاتها بما يجعلها ايضا مصدر تهديد للمحيطين بها.
يقول منظرو المدرستين الواقعية و البنيوية في تحليل العلاقات الاقليمية و الدولية ان مفهومي القوة و الضعف هما المدخلان الاساسيان لفهم توجهات السياسة الخارجية للدول , كل دولة تسعي لتحقيق واحد او اكثر من الاهداف التالية : تعظيم قوتها , اظهار قوتها ' علي سبيل الردع للآخرين ' , منع الاعداء و الاعداء المحتملين من الحصول علي المزيد من مصادر القوة ' كما ذهب هانز مورجانثو واكد فوستر دالاس ' .
ولكن الغريب ان يجتهد ابناء الدولة نفسها في ان يكونوا جزءا من مؤامرة الآخرين ضد بلدهم. بعض الدول المحيطة وبعض قيادات النظام الدولي يرون مصر في مكانها الافضل , من وجهة نظرهم , ما دامت ' عالة ' علي الآخرين تستورد اكثر من 60 في المائة من غذاء شعبها من الخارج. اتفهم ان هناك من لا يريدون مساعدتنا لانهم يخشون قوتنا , لكن الغريب اننا نفعل كل ما يضعفنا , وكاننا نتآمر علي انفسنا.
انعم الله علينا بحريتنا , ويوجد بيننا من يحيلها فوضي. انعم الله علينا بقوتنا , ويوجد بيننا من يحيلها ضعفا. انعم الله علينا بحقنا في تقرير مصيرنا , وها نحن يخون بعضنا بعضا. اودع الله بلدنا امانة في اعناقنا , وها نحن نتعاون في خيانتها , بدلا من ان تكون اولوياتنا النهضة و التقدم و الازدهار , انفقنا الغالي و النفيس كي نسارع في الصراع ونتباطا في الانجاز , بدلا من ان نجتهد في بناء وطننا , يجتهد بعضنا في تدمير ما بقي من قدرتنا علي بنائه.
منذ نحو 2500 سنة , ابهرت الحضارة اليونانية القديمة العالم لمدة 200 سنة بمجموعة من افضل واعظم العقول الفلسفية و الرياضية و العلمية و الفنية و الادبية ثم انتهت , ولم تقدم اليونان لبيئتها الاقليمية او العالمية اي انجاز كبير يشار الي لها منذ ذلك التاريخ , وكانها كانت دفقة حضارية اخرجت فيها كل ما عندها وانتهت , وها هي الآن تعاني من مشاكل اقتصادية جمة.
هل مصر هي يونان هذه المنطقة من العالم؟ ماضٍ عظيم , ومستقبل مشكوك فيه؟ لي صديق امريكي قام بعمل معادلة رياضية معقدة نسبيا لتوضيح عدد السكان الامثل لكل دولة آخذا في الاعتبار الموارد البشرية و المادية ووفرة السلع الاستراتيجية , وبتطبيقها علي مصر في ضوء ما هو متاح لي من معلومات , فان العدد الامثل للسكان المصريين يكون بين 55 مليونا و62 مليونا , و الهامش الكبير نتيجة عدم توافر معلومات بشكل دقيق. قيمة الرقم في ان يكون واضحا اننا نتحرك ضد صالح بلدنا , ان لم نكن واعين بان الاكثر سعيا للانجاب الكثيف هم الاقل قدرة او رغبة في الارتقاء بنوعية المواطنين , لان مع ارتفاع نوعية السكان ' صحة وتعليما ودخلا ' سيزيد قطعا العدد الامثل لسكان دولة , وما زال البعض يظن ان كثرة الانجاب فضيلة حتي مع قلة التربية و التعليم , وكان الله سيسالنا يوم القيامة عن كم طفلا انجبنا ولن يسالنا عن مسئوليتنا في حسن تربية وتعليم هؤلاء؟.
لقد اخذت مثالا واحدا لعدد السكان , لاقول اننا ماهرون في ان نفعل ما يضر بانفسنا , وهي نفس الاخطاء التي تقع فيها القوي السياسية مع انها جميعا تزعم حبا لهذا الوطن.
هل تعلمون من يتآمر علي مصر؟ ربما لا نحتاج ان ننظر شرقا او غربا او شمالا او جنوبا , داخل منطقة الشرق الاوسط او خارجها. ربما نحتاج فقط ان ينظر بعضنا في المرآة لنعرف من يحرص علي ان تصبح وتظل مصر : ' رجل الشرق المريض ' .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق