اللوم ليس على الثورة بل على أنفسكم سيف الدين عبد الفتاح


مر عامان من ثورة 25 يناير , ومع ذلك لا نجد طريقا يمكن ان يجمع من قاموا بالثورة معا ان يحتفلوا بها معا , وبدا هذا الوضع ترجمة حقيقية لما وصل اليه حال العلاقة بين الثورة وابنائها وبين الثورة ومن قاموا بها وعليها , وتطور الامر الي حالة من الانقسام و الاستقطاب شكلت فيها صناعات عدة هذا الموقف الخطير الذي اتسم بقلق كبير , ويتحسب الناس جميعا لوقوع شر مستطير , هذه الصناعات تركزت حول صناعة الشك وعدم الثقة , وصناعة الفرقة و الانقسام و الاستقطاب , وصناعة مناخ الفوضي الذي يكرس حال الخطر ليس علي الثورة فقط بل وعلي كيان الوطن , وترافق مع ذلك صناعة الخوف العميق و التربص الذي اعقبه ما يمكن تسميته بصناعة الكراهية المتبادلة بين قوي الوطن ' الوطنية ' , ما بين وصف اياها ' بالدينية ' او وصف اياها ' بالمدنية ' , بل كان هذا التصنيف من اهم مداخل صناعة تلك الكراهية في اطار يشوبه حالة من حالات التكفير و التخوين , وتطورت صناعة الكراهية الي صناعة المكروه , وصرنا ننتقل بين خيارات في معظمها اسوا من بعضها.

_ _ _

الا ان اخطر ما في صناعة تلك الكراهية هي تلك الحالة التي بدت تنتشر لدي عموم الناس لكراهية الثورة و الحالة الثورية و الثوار وكل فعل يتعلق بهذه الثورة , وتطرف البعض ليترحم علي ايام الرئيس المخلوع و الاستقرار الذي كانوا ينعمون به , اكثر من هذا ربط هؤلاء بين الثورة وبين كل سلبية او سيئة يتعرض لها الوطن في مسار احداثه , وربطوا بطريقة لا علمية بين كل هذه السلبيات وتلك الثورة التي قام بها الشباب واحتضنها الشعب في الخامس و العشرين من يناير , وبدت هذه الخيوط جميعا تتجمع في مسار يفك ارتباط الناس بهذه الثورة , ويشير الي امكانات للالتفاف عليها او اجهاض كل ما يتعلق بها , وشكلت مسارات الانتقال التي لم تكن في حقيقة الامر انتقال من حال الي حال في فترة زمنية استثنائية تمكن للثورة ومن قاموا بها , للثورة واهلها , بل كانت هذه الفترة تعويقا اكثر منها تمكينا , وتعطيلا اكثر منها ترسيخا , وهدرا لكل امكانية تحاول تغيير الوطن بفعل هذه الثورة اكثر منه استثمارا , فترات انتقال كانت في الحقيقة فترات انتقام من ثورة مباركة , ومن ثوار احرار.

واكثر من هذا فان مسارات الانتقال حملت مؤسسات للدولة وسلطات لا تكافئ هذه الثورة , وانخرطت في ساحات انقسام ومساحات الاستقطاب , تمارس اقسي ما يكون علي ثورة من مؤسسات دولة , فكانت ممارسات تلك المؤسسات في مسار يمكن ان نسميه بشعوبية مؤسسية , وسلطات قبلية , وبين اداء باهت وانجاز خافت . فبين مؤسسة رئاسة لم تقم بادوارها الفاعلة التي يجب ان تقوم بها , بحكم انها الرافعة الكبري بما يجب تمثله من ثورة ودولة , وكان الاداء البطيء وادارة المرحلة علي طريق الادارة بالفرص الضائعة و الامكانات السياسية المهدرة و التخبط ترددا وتراجعا في صنع القرار وعدم وضوح آلياته صناعا واتخاذا , وغموض وعدم شفافية , حركة مؤسسة الرئاسة في هذا المقام لاذت بالصمت الرهيب و الفعل العجيب , وبدت هذه السياسات تعبر عن تعامل بالقطعة وهو اخطر شيء يمكن ان يتم في مسار اصلاح متكامل , وفي اطار عمل متفاعل من دون اي رؤية استراتيجية لتصور مراحل الانتقال , و التمكين لتنمية امة , واستثمار همة بعد الثورة من القاعدة للقمة.

_ _ _

وفي هذا السياق شهدنا حكومة يجب ان تكون قوة ضاربة فاذا بها تتصرف كحكومة موظفين لا ترق الي عمل جاد تستاهله هذه الثورة بعد انتخاب رئيس مدني , وبدت الحكومة تسير بضعف ووهن لا يمكنها ان تنهض بوطن , او تحقق تمكينا لثورة , ولا نهضة لامة هذه المسئولية تراوحت بين رئاسة صار سمتها تردد القرار , او التراجع عنه , وحكومة باهتة الاداء تقف من الازمات و الكوارث موقف العاجز الذي لا يحسن تصرفا , وموقف البائس الذي يتحرك مترهلا متثاقلا.

وهذه المؤسسات التي تتعلق بالامن لا تزال تمارس اخطر درجات الاحتجاج في اطار من التباطؤ عن العمل بما اعتادته من ممارسات سابقة علي الثورة , ومعبرة عن عدم رضاها لحال يجب ان يكون بعد ثورة , وبين مؤسسة قضاء لابد وان تتحرك في مسار العدالة الناجزة الفاعلة فاذا بها تتحرك ضمن مسار مسيس ادي الي تنازعات حول مؤسسة كان من الواجب ان تملك قدسيتها واستقلاليتها عن مسار الاحداث السياسية بحيث تشكل قاطرة العدل و الحفاظ علي الحقوق , وحقيقة الامر ان هذه المؤسسة تُسال عن ذلك بحكم الحفاظ علي كيانها ومقامها ومناط استقلالها , فحينما انحدرت الي مساحات السياسة هانت ساحات القضاء , ومارست هي الاخري حالة من الشعوبية المؤسسية التي تفترض عصمة لا تسال فيها عما تفعل بمصير وطن ومستقبل امة , وبدت السلطة في المقابل وكانها تدوس علي مقام القضاء من غير رحمة ومن غير حكمة.

_ _ _

وتضافر مع كل ذلك بعض من اعلام يحرك الفتن , ويثير الاحن , ويصنع المحن , في دور غير مسبوق بتخريب العلاقات واذكاء الخلافات , وتحريك الفعل من الحوار الي الشجار , وبدا الاعلام بذلك يسكب الزيت علي النار بعد كل حدث , ولكنه في كل مرة استغل ضعف اداء السلطة وانجازها من جانب ونخبة محنطة مريضة بالسلطة من جانب آخر , وبدت السلطة وفي مقام ارتباكها واختلاطها بين جماعة دعوية امتدت في تاثيرها الي دائرة السياسة و الرئاسة وبين حزب سياسي انطلق من اكثرية الي اغلبية الي حركة مغالبة , الي تصرف بالغلبة و التغلب , وانداحت المساحات ما بين التكوينات الثلاثة فلم نعرف اي مسافات ما بين الجماعة , و الحزب , و الرئاسة , ودارت بعض الممارسات في اطار سياسات التمرير و المراوغة , المراوغة قد تمرر مع الزمن ما يمكن تمريره , ولكنها لا تصلح لتاسيس استراتيجيات وبناء سياسات , المراوغة السياسية عمل آني واناني وليس خطة متكاملة لانقاذ الوطن , وبدت المعارضة في المقابل تمارس في بعض ممارساتها من اساليب تتراوح ما بين المهاترة في الممارسة و المراهقة في الخطاب , وتحول حال التنافس و التدافع السياسي الي صراع خطير , وانقسام مرير شق الوطن , وفتت عناصر تماسكه , وفكك مفاصل اجتماعه وجامعيته.

_ _ _

ان النخبة سلطة ومعارضة وممارساتهما صارت تتحكم بالمشهد احكمت خناقاتها علي الشباب فمارست اشد الصناعات خطرا علي ثورة , وهي صناعة الحيرة المطلقة , و الاحباط المقيم , وبدا الشباب تتخطفه الايدي من كل لون وعالم احداث لم يزد الشباب الا قلقا وحيرة , يستغله البعض في مصالحه وعالم انانيته ويوظفه لاغراضه وتحالفاته , شباب هو الذي صنع الثورة , وحمل الامة , وحرك الهمة , واكد علي مكاسب ثورة وبناء وطن جديد في مصر الجديدة التي ينشدها في مستقبل يصنعه وامل يحفزه وفتوة تنهضه.

وصارت مصر الثورة بكامل طاقاتها وامتداد امكاناتها وثورة توقعاتها لا تحتمل هذا الاداء الرتيب او المراوغ او المراهق او المحبط , رغم ان الامر كان من الممكن ان يشكل خيارا ومسارا يتسم بممارسات رشيدة , وحركة سديدة كان من الممكن ان تجعل العائد السياسي و المجتمعي اكبر ما يكون بتمهيد ارضية للتوافق وصناعة جامعيته , عائد من غير تكلفة سوي رشد في القرار وبصيرة في الخيار وحركة متراتبة في المسار تاخذ كل قوة في هذا الوطن في الحسبان و الاعتبار , وتستثمر حال الثورة وطاقات الامل و الهمة. الا ان الاختيار للاسف الشديد صار ضمن عقلية الاستقطاب وميراث الفرقة , وساهم الجميع في عملية تسميم سياسي للثورة , وهي اعلي تكلفة يمكن ان تدفعها ثورة ويتحملها وطن في مسيرته ومساره.

_ _ _

يا كل هؤلاء , يا من اجتمعتم في ميادين الثورة , في اوان الثورة , لوموا انفسكم ولا تلوموا الثورة .

ليست هناك تعليقات :