محاولة العريان الانتحار سياسيا أحمد منصور


لا اعرف الحالة التي كان عليها الدكتور عصام العريان حينما كتب تصريحاته حول مطالبته بعودة اليهود المصريين الذين هاجروا منها منذ خمسة او ستة عقود و تعويضهم , لانها كانت خارج السياق الزمني و التاريخي و السياسي و حتي المعرفي , و خطورة مثل هذه التصريحات تكمن في ان الدكتور العريان ليس مجرد شخص عادي يمكن ان يقول رايه في مسالة حساسة كهذه او حتي غير حساسة دون ان يفكر فيها بعمق ويزن تاثيرها وردود الفعل عليها , ويكون قد استاذن او تشاور علي الاقل مع الجهات السياسية التي يمثلها ويتولي مناصب قيادية فيها , فالدكتور العريان هو نائب لرئيس اكبر حزب سياسي الآن في مصر وهو حزب الحرية و العدالة , كما انه عضو بارز في جماعة الاخوان المسلمين , علاوة علي انه مستشار للرئيس المصري محمد مرسي , هذا من ناحية المناصب و المسئوليات , وهي مناصب ومسئوليات مقيدة لاي سياسي في تصريحاته وسلوكياته ودخوله وخروجه , اما من حيث السياق الزمني فان جماعة الاخوان المسلمين _ورئيس مصر ينتمي اليها _ تمر باصعب مراحلها التاريخية من حيث الترصد و الهجوم من جانب معارضيها واعدائها , كما ان مصر الوطن الاكبر تعيش مرحلة سيولة وضبابية سياسية واقتصادية يُتَّهم الاخوان بانهم مسئولون عنها لانهم هم الذين يتولون السلطة و المسئولية الآن , ومن الناحية التاريخية فقد نسي امر يهود مصر الذين هاجروا منذ خمسة او ستة عقود وحصلوا علي جنسيات دول اخري وكثير منهم باعوا املاكهم او حصلوا علي تعويضات كبيرة في حينه , ومعظم هؤلاء ماتوا ولم يعد لابنائهم علاقة بمصر من قريب او بعيد , وتغير الزمن و الناس و الاحداث , ومن هاجر من هؤلاء الي اسرائيل تورط في محاربة مصر و المصريين في الحروب الماضية لانه انتمي لديانته ودولة اليهود ولم ينتمِ الي مصر التي وُلد فيها وترعرع علي ترابها , وهناك آلاف القصص و الشواهد لذلك , ومن حيث السياق السياسي فان اسرائيل كانت وستظل هي العدو لمصر و المصريين و العرب بجرائمها التي ارتكبت وما زالت ترتكب بحق مصر و المصريين , تشهد بذلك عشرات القضايا المتعلقة بالجاسوسية و التجسس ضد مصر و التورط في تزييف العملات و المخدرات و السلاح وحتي تصدير الامراض الي المصريين , وعلي راسها الايدز , كل هذا بعد كامب ديفيد , ولا تخلو ايدي كل من دعم هذا النظام الصهيوني , حتي لو كان مصريا , من هذه الجرائم.

ان السياسي حينما يصرح انما يوجه رسائل ليس باسمه وانما باسم الجهة التي يمثلها , ولا نعرف ما هي الرسالة التي اراد الدكتور العريان ان يرسلها من خلال هذه التصريحات؟ وباسم مَن كانت مِن الجهات الثلاث التي يتولي مناصب بها , واخطرها انه مستشار الرئيس وقيادي في حزب الجماعة التي قاتلت اليهود بمن فيهم اليهود المصريين خلال حرب العام 1948 , وكانت الشوكة الرئيسية في حلقهم حتي قتل مرشدهم الاول ومؤسس الجماعة حسن البنا بعدها , ونال الاخوان ما نالهم بعدها , ورغم اعلان الرئاسة وحزب الحرية و العدالة ان تصريحات العريان شخصية , فانه في علم السياسة وممارستها يفقد السياسي حريته الخاصة حينما يتولي منصبا , وعليه ان يتقيد بآراء حزبه او جماعته او وظيفته , واذا اراد ان يعلن رايا مغايرا او موقفا سياسيا مخالفا فعليه ان يعلن استقالته اولا ثم يقول بعدها ما يريد علي انه راي شخصي , ان هناك ميوعة اخوانية ظاهرة وميوعة في مؤسسة الرئاسة في محاسبة القيادات التي تخطئ , وهي ميوعة قائمة علي محاباة هذه القيادات وعدم محاسبتها و الاكتفاء بان هذه آراء شخصية وهذا نوع من التدليس السياسي وهروب من مبدا المحاسبة وتطبيق لمبدا ' اذا اخطا الشريف تركوه واذا اخطا الضعيف اقاموا عليه الحد ' , وهذه ليست المرة الاولي للدكتور العريان التي يورط فيها مؤسسة الرئاسة او الاخوان لانه لم يتعلم , وهو السياسي المحنك , ان الصمت في كثير من الاحيان يكون ابلغ من الحديث , لا سيما في هذه الظروف التي تمر بها مصر وان الانسان مهما كان علمه وذكاؤه وقناعته بآرائه فعليه الا يجهر بها لان ما قام به الدكتور العريان في عُرف السياسة ليس سوي محاولة للانتحار السياسي .

ليست هناك تعليقات :