الأزهر يجمع الاخوان و جبهة الانقاذ و يطرح مبادرة لانهاء الأزمة



طرح الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر ,  مبادرة علي رموز القوي السياسية و الوطنية الخميس ,  دعا خلالها الي نبذ العنف وادانة الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون واعتماد الحوار الوطني سبيلا للخروج من الازمة السياسية الحالية في مصر.
وشدد الطيب في المبادرة اعدها مجموعة من شباب الثورة بالتعاون مع مجموعة من علماء الازهر من اجل وقف العنف في مصر ,  علي ضرورة التزام بقداسة وصِيانة حُرمات الدماء و الاموال و الاعراض فردية او اجتماعية كانت هذه الدماء ,  في اشارة الي العنف الذي تفجر خلال الايام الماضية تزامنا مع احياء الذكري الثانية للثورة.
وحث علي ضرورة جعل الحوار الوطني الذي تشارك فيه كل مُكونات المجتمع المصري دون ايّ اقصاء هو الوسيلة الوحيدة لحل ايَة اشكالات او خِلافات  --  فالحوار هو السبيل الي التعارف و التعايُش و التعاون علي انهاض هذا الوطن .  ليحقق طموحات سائر المواطنين.
واعتبر ان العمل السياسي لا علاقة له بالعنف و التخريب ,   ' فلا ينبغي ان نتردد في نبذ العنف وادانتِه الصريحة القاطعةِ من اي مصدر كان ,  وتجريمِه وطنيّا وتحريمِه دِينيّا ,  ولا يجوز مطلقا التحريض علي العنف ,  او السكوت عليه ,  او تبريره او الترويج له ,  او الدفاع عنه ,  او استغلاله بايّ صورة ' .
وشارك في الحوار مجموعة من الرموز السياسية من بينهم ,  محمد البرادعي رئيس حزب الدستور ,  وسعد الكتاتني رئيس حزب الحرية و العدالة الحاكم ,  ومحمود عزت عضو مكتب الارشاد بجماعة الاخوان المسلمين ,  وعبد المنعم ابو الفتوح رئيس حزب مصر القوية ,  وحمدين صباحي مؤسس تحالف التيار الشعبي ,  و السيد البدوي رئيس حزب الوفد ,  وعمرو موسي رئيس حزب المؤتمر ,  بجانب ممثلي الكنائس الثلاث  ' الارثوذكسية و الكاثوليكية و الانجيلية '  ,  وعدد من ممثلي شباب الثورة ,  منهم النشطاء وائل غنيم ,  واسلام لطفي ,  واحمد ماهر ,  وقيادات سلفية ابرزها الداعية محمد حسان.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة الافتتاحية لشيخ الازهر الشريف في لقاء القوي السياسية و الفكرية

حول وثيقة الازهر لنبذ العنف





الحمدُ الله ربِّ العالمين ,  و الصلاةُ و السلامُ علي جميعِ الانبياءِ و المرسَلين  --  وبعد  :

فاهلا بكم وسهلا في رِحابِ الازهرِ الشريفِ  ,  ودائما التقاءَ الاخوةِ  له فضلُه وبركتُه  ,  غير ان لقاء اليوم له فضلٌ خاص  .  لانَّه ياتي علي حِين فترةٍ من التلاقي بين الاخوة  ,  الذين هم سدي النسيج الوطني ولحمته  ,  ولانَّه يتمُّ في هذه الرحاب التي تحبُّكم وتحبُّونَها  ,  و التي تسعدُ دَوْما بكلِّ اطياف الجماعة الوطنيَّة المصريَّة دون تفريقٍ او تمييز .

لقد بَقِيَ الازهرَ  بحمدِ الله  علي مَدارِ التاريخِ  ,  واطوارِ الحياة المصريَّةِ المتعاقِبة  ,  بيتَ الوطنيَّةِ المصريَّةِ ,  نلتقي فيه جميعا كلَّما حَزَبَنا امرٌ او دَعانا داعٍ  ,  لنتَدارَسُ ,  ما يُواجِهُنا من تحدِّيات  ,  ونُعلِنُ للكافَّةِ في الداخلِ و الخارجِ  ,  ما نلتقي عليه من رايٍ  ,  وما نتَوافَقُ عليه من قَرار.

ايها الحضور الكرام  --

قبلَ اربعةَ عشر قرنا اعلن رسولُ هذه الامَّة _ صلي الله عليه وسلم _ في حجَّة الوداع مِيثاق الحقوق المدنيَّة و الدينيَّة لكافَّة الناس  --  وذلك عندما قال :

 ' ايُّها الناس ,  انَّ دماءَكم واموالَكم واعراضَكم حرامٌ عليكُم الي انْ تلقَوْا ربَّكم ,  كحُرمةِ يومِكم هذا ,  في شَهرِكم هذا ,  في بلَدِكم هذا  -- . ' .

حدَث هذا قبلَ انْ تعرفَ الانسانيةُ مواثيقَ الحقوقِ و المعاهداتِ التي تُؤكِّد علي احترام هذه الحقوق.

بل انَّ هذا الاعلان الذي افتتَحت به الحضارةُ الاسلاميَّة تاريخَها قد ارتفع بهذه الحُرمات  ' حرمات الدماء و الاموال و الاعراض '  ,  و التي تُمثِّلُ الحفاظَ علي مقاصد كلِّ الشرائع و القوانين _ قد ارتفع بها من مَرتَبة  ' الحقوق '  الي مَرتبة  ' الفرائض و التكاليف و الواجبات '  ,  فلا يجوزُ لانسانٍ انْ يُفرِّطَ فيها ,  ولا انْ يدع احدا يُهدرها تحت ايِّ ظرفٍ من الظروفِ.

واحسبُ انَّكم تُوافِقونني علي الملتَقيات الوطنيَّةَ التي تمَّت في رِحاب الازهرِ الشريفِ  ,  منذُ قِيامِ الثورةِ المصريةِ  ,  في 25 يناير 2011  ,  وصدَرَتْ عنها وثائقُ خمسٌ ,  كانت كلُّها محاولاتٍ ناجحة  بحمدِ اللهِ  لبناءِ موقفٍ وطنيٍّ تَوافُقِيٍّ  ,  نجتازُ به عقَبة  ,  او نعالجُ به مشكلة واجهَتْ مصيرَ هذه الثورةِ  ,  واكثَرُ مَن تسعدُ به هذه القاعةُ اليومَ شارَكوا في هذه الملتَقيات او بعضٍ منها .

لكنَّ هناك عاملاَ آخَر دَعَا الي عَقْدِ لقاءِ اليوم لا بُدَّ انْ اُصارِحَكم به  ,  فقد زارَنا هنا خِلالَ الاسبوعِ الاخيرِ  ,  مجموعة من الشبابِ الوطنيِّ المصريِّ  ,  الذين فجَّروا ثورةَ الخامس و العشرين وقاموا بها مع كلِّ فئاتِ الشعبِ  ,  مُشفِقين ممَّا تمرُّ به  بلادُنا العزيزةُ  ,  وتتعرَّضُ له من مَآزِقِ  ,  فلم يكتَفُوا بالاشفاقِ  ,  واجتمعوا هنا اكثرَ من مرَّةٍ مع طائفةٍ من العُلَماءِ  ,  وانتَهوا الي جملةِ اُصولٍ او مَبادئ  ,  راوا فيها انَّها يُمكن انْ تُعالج اخطرَ جَوانِبِ الموقفِ الراهنِ وتُعيننا علي اجتِيازِه  ,  وهي بينَ ايديكم يَطرَحونَها علينا  ,  ويَدعوننا الي النظَر فيها ثم تَبَنِّيها  ,  واعلانها علي النَّاسِ في صِدْقٍ وامانةٍ وشُعورٍ وطنيٍّ بالمسئوليَّةِ لايقافِ بعضِ التَّصرُّفاتِ التي اندَفَعتْ اليها بعضُ الجماهيرِ  ,  ولوقفِ الجمُوحِ الذي طالَ الدِّماءَ المصريَّةَ  ,  وهدَّد حقَّ الحياةِ الذي هو اصلُ كلِّ الحقُوقِ الانسانيَّةِ  ,  وحقَّ الامن و الامانِ الذي هو المطلَبُ الاساسيُّ لكلِّ مُواطنٍ عاديٍّ هدد كل فرد انْ يَامَنَ علي بيتِه وعلي اولادِه ذاهبينَ اليالمدرسةِ او عائدينَ منها  ,  وعلي اهلِه وجيرانِه  ,  ثم علي مُقدَّرات وطَنِه التي تتعرَّضُ للخطرِ الشَّديد .

وانِّي لاَعتَرِفُ بانَّنا نُواجِهُ موقفا كذلك الذي دفَع حافظ ابراهيم  رحمه الله   ان يقول علي لسان مصر التي تتحدث عن نفسها   :

نحنُ نَجتازُ مَوْقفا تَعْثُرُ الآرَاءُ                  -- .            فيهِ  ,  وَعَثْرَةُ الرايِ تٌرْدِي

نظَرَ اللهُ لي فاَرْشَدَ ابنائِي                     -- .           فشَدُّوا للعُلا ايَّ شدِّ

ومصر  *  كما نعلم _  هي كنانةُِ اللهِ في ارضِه  ,  ووصيَّةُِ انبيائِه ورسُلِه وقد جعل الله فيها  ,  شبابا مثلَ هذا الشبابِ الطاهرِ  ,  الذينَ قاموا بهذِه المبادَرةِ ودعونا الي هذا اللقاءِ  ,  واشعُرُ معهم انَّنا ينبغي انْ ننظُرَ في هذا البَيانِ  ,  او تلك الوثيقةِ التي انتَهَوْا اليها  ,  بمُشاركةِ كَوْكبةٍ من العُلَماءِ الازهريِّينَ  ,  واكثَرُها علي كلِّ حالٍ ثوابتُ لا خِلافَ عليها  فيما اعتَقِدُ.

 وراي ان سمحتم  *  ايها الاخوة  ,  هو التاكيد علي النقاط التالية  :

اولا :  الالتزام بقَداسة وصِيانة حُرمات الدماء و الاموال و الاعراض فرديَّة او اجتماعيَّة كانت هذه الدماء  .

فواجبٌ دِيني ووطَني انساني صيانةُ كلِّ قطرة دمٍ لكلِّ مصري ,  ولكلِّ مَن يعيش علي ارض هذا الوطَن .  لانَّ صيانةَ هذه الحرُمات هي قاعدة الامن و الامان ,  الذي يُمثِّلُ منطلق البناء و التنمية التي تُحقِّقُ اهداف الثورة ,  وتُعيد الي مصرَ مكانتَها اللائقة اقليميّا وعالميّا.

ثانيا :  اذا كان التنوُّع و التعدُّد و الاختلاف في الفكر و السياسة ,  هو سُنَّة الله التي لا تبديلَ لها ولا تحويل ,  يُمثِّلُ الضَّمانةَ ضدَّ الانفراد بالقَرار الذي يُؤسِّسُ للاستبدادِ ,  فانَّ واجب تيَّارات الفكر و السياسة في بلادنا الالتزام بتوظيف التعدُّديةَّ و الاختلاف ,  وسِلميَّة التنافُس علي السُّلطة وسِلميَّة التَّداوُل لهذه السُّلطة ,  مع اعلان التحريم و التجريم لكلِّ الوان العُنف و الاكراه لتَحقِيق الافكار و المطالب و السِّياسات.

ثالثا :  دعوةِ كلِّ المنابر الدِّينيَّة و الفكريَّة و الثقافيَّة و الاعلاميَّة الي نبْذ كلِّ ما يتَّصل بلُغة العنف في حلِّ المشكلات ,  مع قِيام كلِّ هذه المنابر بحملةٍ مُنظَّمة لاعادة الحياة الفكريَّة و السياسيَّة الي النَّهج السلمي الذي امتازَتْ به ثورة هذا الشعب العظيم.

رابعا :  جعل الحوار الوطني الذي تُشارك فيه كلُّ مُكوِّنات المجتمع المصري دون ايِّ اقصاءٍ هو الوسيلة الوحيدة لحلِّ ايَّة اشكالات او خِلافات  --  فالحوار هو السبيلُ الي التعارُفِ و التعايُشِ و التعاوُنِ علي انهاض هذا الوطنِ .  ليُحقِّق طموحات سائر المواطنين.


ايها الاخوة الحضور  --

انَّ العملَ السياسيَّ لا علاقةَ له بالعُنفِ و التخريبِ  ,  سلامتَنا جميعا ومصيرَ وطنِنا مُعلَّقٌ باحترامِ القانونِ وسيادتِه  ,  وتلك مسئوليَّةُ الجميعِ حُكَّاما ومحكومين .

ومن ثَمَّ فلا ينبغي انْ نتردَّدَ في نَبْذِ العُنفِ وادانتِه الصَّريحةِ القاطعةِ من ايِّ مصدرٍ كان  ,  وتجريمِه وطنيّا وتحريمِه دِينيّا  ,  ولا يجوزُ مُطلَقا التحريضُ علي العُنفِ  ,  او السُّكوتُ عليه  ,  او تبريرُه او التَّرويجُ له  ,  او الدِّفاعُ عنه  ,  او استغلالُه بايِّ صورةٍ .

وانَّه ينبغي انْ نُربِّي كوادرَنا علي ثقافةِ العمَلِ الدِّيمقراطيِّ  ,  و الالتزامِ بالحوارِ الجادِّ  ,  وبخاصَّةٍ في ظُرُوفِ التَّازُّمِ  ,  مع مُراعاةِ مَبدَا التَّعدُّديَّةِ  وادبِ الخلافِ  ,  و التقيد بآداب الحوار ,  و البعد عن الالفاظ الجارحة التي تزيد المواقف اشتعالا .

ودعوني  ايُّها الاخوةُ  اتَرَحَّمُ علي ابي الطيِّبِ القائلِ  :

جِراحاتُ السِّنَانِ لها التِئامٌ           -- .        ولا يَلتَامُ ما جَرَحَ اللِّسَانُ

وامرانِ آخَرانِ اكَّدَتْهما هذه الوثيقةُ  :   الاولُ  :  حمايةُ النَّسيجِ الوطنيِّ من ايِّ تهديدٍ  ,  ومن ايِّ اختِراقٍ اجنبيٍّ غيرِ قانونيٍّ  ,  وادانةُ المجموعاتِ المسلَّحةِ الخارجةِ عن القانونِ ايّا كانت . و الآخر و الاخير  :  هو حمايةُ الدولةِ المصريةِ  .  لانَّها  ايُّها السَّادةُ  راسُ مالِنا الوطنيِّ جميعا  ,  لا ينبغي انْ نسمَحَ بتَبدِيدِه او تَفكِيكِه او العَبَثِ به بايَّةِ صُورةٍ من الصُّوَرِ  ,  فساعَتَها  لا قَدَّرَ اللهُ  لن يَبقَي في الساحةِ الا الشَّيْطانُ .

 ' وفَّق اللهُ مصرَ   --  شبابَها  ,  وقادتَها  ,  وعلماءَها  ,  وثورتَها  ,  الي اجتيازِ الخطرِ واعلانِ الحقِّ  ,  و الالتزامِ به  ,  وكَبْتِ العدوِّ ,  وارضاءِ الصديقِ .

وفقكم الله ,  و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  تحريرا في  مشيخة الازهر :

19  من ربيع اول   سنة   1434 ﻫ                        

احمد  الطيب

       الموافق  :          31 من    يناير    سنة  2013 م                                      

شيخ الازهر

ليست هناك تعليقات :