وهو ما يعني صعود دور قوي شعبية مؤثرة في مسار العملية السياسية من خارج الاطر التنظيمية و الوسائط السياسية التقليدية المعروفة كالاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني . حيث اقدمت قطاعات متعددة من القاعدة الشعبية العريضة علي المبادرة بالفعل السياسي وتوجيه مسار التفاعلات السياسية من اسفل , حيث محيط الجماهير غير المنضوية تحت لواء اي تنظيمات سياسية وليس من اعلي . حيث مستوي الفاعلين السياسيين التقليديين كالنخب السياسية او الاحزاب وقوي المجتمع المدني.
فمن بين جموع المتظاهرين المعارضين لقرارات الرئيس مرسي ومسودة الدستور الجديد , ووسط الحشود التي زحفت الي محيط قصر الاتحادية وميدان التحرير , ابان ازمة الاعلان الدستوري وخلال احياء الذكري الثانية للثورة , لاحت مجموعات من المحتجين نات بنفسها عن التفاهمات و الحوارات التي كانت تتم بين الرئيس ومعارضيه , واصرت علي مواقفها المطالبة بالغاء الاعلان الدستوري ووقف الاستفتاء علي مسودة الدستور الجديد , ثم تشكيل حكومة انقاذ وطني وتعديل الدستور وقانون الانتخابات الجديدين , وحينما تاخر الرئيس مرسي في الاستجابة لمطالبها , وبدا لها انه يتحايل عليها علي غرار ما كان يفعل مبارك , رفعت من سقف مطالبها واعلنت عدم اكتراثها باستجابة الرئيس لتلك المطالب من عدمه , مؤكدة عدم تنازلها عن رحيل الرئيس واسقاط النظام.
وبذلك , تكون ثورة يناير 2011 قد افرزت فاعلين سياسيين جددا يمارسون دورا معارضا من خارج الاطر المؤسسية و الوسائط التقليدية , تتمثل في جموع الشباب غير المنضوية تحت لواء اي تنظيمات حزبية او اهلية , و التي ليست لها قيادة واضحة او ايديولوجية محددة , لكنها تتلاقي , علي نحو غير مرتب , حول حزمة من الاهداف , ثم تتبع سياسة الحشد الجماهيري و التعبئة الشعبية لممارسة الضغوط علي النخبة الحاكمة من اجل تحقيق تلك الاهداف.
وليست هذه الظاهرة مصرية صرفة , وانما هي عالمية بامتياز . اذ عرفتها دول عديدة حول العالم خلال السنوات القليلة المنقضية , كما لم تكن ترتبط بالضرورة بثورات او هبات او انتفاضات شعبية. وربما ساعدت علي انتشارها ثورة الاتصالات وتفاقم دور العالم الافتراضي في التواصل الجماهيري , وقد بدت جلية في حركة ' احتلوا وول ستريت ' للمطالبة بتغيير النظام الاقتصادي واتباع سياسات اقتصادية اكثر عدلا بالولايات المتحدة , وكذا ' حركة الطلاب ' , التي ظهرت في بريطانيا للمطالبة بتعديل الرسوم الدراسية لطلاب الجامعات.
وفي خضم هذا الزخم الجماهيري و السياسي , الذي تزامن مع تراجع هيبة الدولة وتهاوي قبضة مؤسساتها الامنية , ظهرت مجموعات شبابية باسماء مختلفة , تجنح الي العنف وتتحدي الدولة و الوسائط السياسية , مستفيدة من ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. وهي ظاهرة عالمية ايضا وليست بالمستحدثة حتي في بلادنا.
وبقدر ما ينطوي عليه بروز فاعلين سياسيين سلميين جدد من انعكاسات محمودة علي الوضع السياسي الراهن في مصر , كونه يعبر عن حالة حراك اجتماعي ايجابية يمكن ان تثري بدورها التفاعل السياسي الايجابي وتنشط عملية التحول الديمقراطي , فان تزامن ذلك مع ظهور المجموعات الشبابية الميليشياتية الملثمة التي تميل الي العنف وتحدي الدولة انما يطوي بين ثناياه مخاطر شتي علي المجتمع و الدولة في آن.
فعلاوة علي ان تلك المجموعات تهدد السلم المجتمعي كونها تنذر بتحول المنافسة السياسية السلمية الي صراعات وحروب اهلية , فانها عرضة للسيطرة و التوجيه من قبل بعض العناصر التخريبية او الجهات المغرضة , للنيل من الثورة كما وحدة الدولة او سلامة الشعب واستقرار النظام.
وبناء عليه , يستوجب الامر تحركا تضامنيا من قبل جميع الفعاليات الرسمية و الشعبية بغية ترشيد هذه الظاهرة بما يساعد علي تحويل هذه الجموع الغفيرة من عنصر تهديد للاستقرار و السلم المجتمعيين , الي قوة دفع تعين علي استمرار الحراك السياسي البناء واستكمال اهداف الثورة السلمية واتمام عملية التحول الديمقراطي باقل تكلفة ممكنة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق