فضائح بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر ( 2 ) أحمد منصور



ما زلت اذكر ذلك اليوم الذي صعدت فيه الي اعلي الابراج التي يسمح للجمهور بالصعود اليها في الفاتيكان , وكان ذلك في يوم مشمس دافئ من ايام الشتاء عام 2010 , فرغم زياراتي العديدة للفاتيكان و التي كانت اولاها في عام 1993 فان زيارتي هذه كان لها شكل آخر , فقد قضيت اليوم كله تقريبا داخل الفاتيكان متاملا هذه المرة ومتعمقا , وكان يصاحبني صديق يعيش في روما منذ اكثر من ثلاثين عاما ويعرف كثيرا من التفاصيل التاريخية عن المبني و الكنيسة , فكان شرحه لي لتفاصيل كثيرة تتعلق بنظام الحكم داخل الفاتيكان و الصرامة التي تفرض علي كل من يدخل الي هذا المبني الذي هو دولة مستقلة في النهاية لها سفراؤها وعلاقتها بكل ركن في العالم رغم انه ليس سوي مبني داخل العاصمة الايطالية روما , في الاعلي جلسنا مطولا نتامل المباني التي توجد خلف الابواب الموصدة التي لا يدخلها سوي الكهنة ورعايا الكنيسة وكان تركيزنا علي الاسرار التي يحويها المكان , فاختيار الكهنة الكبار ومجلس الكرادلة امر معقد ويمر بمراحل كثيرة ولا يصل اليه الا من يمتلئون بالاسرار و الثقة , كما ان حرص اليهود علي اختراق الكنيسة بقي املا عالقا آلاف السنين حتي جاء يوحنا بولس الثاني الذي بقي علي راس الكنيسة سبعة وعشرين عاما فبرا اليهود من دم المسيح , وبدل وغير في اشياء كثيرة في العقيدة المسيحية لم يجرؤ بابا قبله علي القيام بها.

تذكرت تلك الوقفة المطولة حينما قدم بندكت السادس عشر استقالته المدوية من رئاسة الكنيسة في الاسبوع الماضي ففاجا بها , كما ذكرت , كل المصادر واقرب المقربين اليه , لكن هذه الاستقالة لها قصة حقيقية لن يعرفها احد , وقصص لفضائح لاحقت البابا منذ تولي رئاسته للكنيسة عرف عناوينها كثيرون لكن تفصيلاتها ستظل في بنك الاسرار الذي لن تفتحه الكنيسة.

بعدما تولي البابا رئاسة الكنيسة في 19 ابريل من عام 2005 بدا يصنع علاقات سيئة مع المسلمين حينما هاجم الاسلام في محاضرة القاها في في جامعة ريجينسبورج الالمانية في 12 سبتمبر عام 2006 وقد استند في هجومه علي عبارات اقتبسها من الامبراطور البيزنطي ايمانويل الثاني , الذي اتهم الاسلام بانه دين دموي انتشر بالسيف , وقد اثار البابا حينها عاصفة من الاستياء في العالم الاسلامي كله , وكان يبدو من ادائه انه عدائي متعصب كاره للاسلام و المسلمين وقد ادت تصريحاته المتتالية عن المسلمين وحديثه عن ضرورة مواجهة اعدادهم المتزايدة الي تعليق الازهر لحواره مع الفاتيكان كما انه نسف مؤتمرات الحوار التي كانت قائمة بين المسلمين و الكنيسة , ولم تشفع له زيارته التي قام بها الي تركيا بعد ذلك بشهر واحد وتحديدا في نهاية شهر نوفمبر 2006 وزيارته للمسجد الازرق مسجد السلطان احمد في تغيير النظرة الاسلامية اليه كمسيحي متطرف ومتعصب , ولم يوفر الرجل فرصة بعد ذلك يمكن ان ينال فيها من المسلمين ولم يفعل فحينما وقع حادث كنيسة القديسين في الاسكندرية في 4 يناير 2011 سارع البابا باصدار بيان طالب فيه بحماية دولية للمسيحيين في الشرق الاوسط وفي 11 ابريل من نفس العام 2011 شن هجوما علي كل من يشكك في الهوية المسيحية لاوروبا وقال ان كل من ينكر او يعارض فكرة الجذور الدينية و المسيحية لاوروبا يجب اقصاؤه , و الرجل بذلك يظهر انه ضد التعددية وضد قبول الآخر , وهذا يعكس نفسية منغلقة وعقلية كهنوتية تعيش في العصور الوسطي وليس في العالم المتعدد الاقطاب المنفتح الافكار , المتحاور بين الاديان , ففكرة حوار الاديان فكرة جديدة لا تقوم علي امتزاج دين بآخر ولكن علي الاحترام و الخصوصية لكل دين , وهذا مبدا اسلامي بل وفريضة من القرآن للمسلمين بان يؤمّنوا اهل الكتاب في اوطانهم علي كنائسهم واديرتهم ومعابدهم , وعلي مدار تاريخ الدولة الاسلامية لم يجد المسيحيون او حتي اليهود ما يشينهم في بلاد المسلمين , ولم تظهر العصبية الا من تصريحات امثال بندكت السادس عشر و المنغلقين في الكنيسة , فقد كانت ديار الاسلام هي الملجا حتي ليهود ومسيحيي اوروبا علي مدار التاريخ من الاضطهاد , هذه العقلية المنغلقة قادت الكنيسة طيلة ثماني سنوات فصنعت العداوات واحيت البغضاء و الكراهية في العالم , لكن الفضائح الجنسية و المالية و الاخلاقية التي لاحقت البابا كانت اكبر -- . نكمل غدا.

ليست هناك تعليقات :